عبد الجبار الغراز
كتبهاعبد الجبار الغراز ، في 9 نوفمبر 2009 الساعة: 23:23 م
تعقيبا على مقال الأستاذ " محمود قرني " " غيّر
مفهوم الفلسفة وبلور صورة مختلفة لعلاقة المثقف بعصره " المنشور بصحيفة " القدس
العربي" عدد بتاريخ 15/ 07/ 2009 , الذي عرض أفكار و رؤى المتدخلين في ندوة " جان
بول سارتر .. رؤى و قرارات " , أود أن أشير إلى أن احتفال هذه الندوة " بمئوية
ميلاد فيلسوف الوجودية وإصدار المجلس الأعلى لكتاب يضم أعمالها , لهو التفاتة من
هذا المجلس نحو "الوجودية السارترية" باعتبارها شكلت , و ما تزال , قيمة فلسفية
كبرى بوأت الإنسان مكانة في الوجود المليء بالمتناقضات و المفارقات , كما أنه دعوة
صريحة للمثقف العربي إلى طرح أسئلة الذات و الوجود , تلك الأسئلة التي توقظ العقل
العربي و تقض مضجعه و توسع من مجال تفاعلاته مع قضايا عصره الشائكة
.
كما
أحب أن أعقب على مضامينها , من خلال
القول , أنه إذا كانت الوجودية السارترية , قد استنفذت أغراضها كفكر و كفلسفة بعد
أن استوعب الغرب تناقضاته الداخلية , فهل من سبيل لنا , كعرب , إلى جعل هذه
الفلسفة إطارا فكريا و مبدئيا لطرح أسئلة الذات العربية و أسئلة الوجود العربي
اللذان يتخبطان في مشكلات عصرهما دون إيجاد حل جذري لأزمتهما الفكرية و الحضارية ؟
وإذا كانت الذات , حسب سارتر , تستمد هويتها
الحقيقية من داخلها كشخص يؤسس نظامه الفكري كمقدمة و كأصل و كقاعدة أساسية تقف
عليها الأحداث الاجتماعية و التاريخية , و كمفسر للوجود الإنساني , بعيد عن
التفسيرات التي تخضعه لعناصر خارجية , ألا يصح , بناء على ذلك , أن نعتبر أن الذات
العربية لها من المقومات الذاتية والوجودية ما يجعلها تصنع كيانها المستقل و تنحت
بالتالي , في جسمها الثقافي هويتها المتأصلة ؟ أليس الإنسان , بعد هذا كله , إلا ما
هو صانع بنفسه كما يقول سارتر نفسه ؟
لقد راهن سارتر في صرحه الفلسفي على مفاهيم
رئيسية : ك "الالتزام" , "المسؤولية" , "العبث" , "الوجود لذاته" , "الوجود في
ذاته" , "العدم" … حيث شكلت " الحرية " المفهوم المركزي لهاته المفاهيم . والإنسان
, في خضم هذا الوجود , محكوم عليه , أن يكون دائما حرا , إذ أن الحرية هي أساس
وجوده و ماهيته. فهو لم يكن في البدء , حينما قدف به في هذا العالم , أي شيء , وأن
هذه الحرية تقتضي منه اختيار الحياة التي سيصممها هو فيما بعد لنفسه , دونما حاجة
إلى الاستعانة بقوى خارجية مساعدة له, و أنه , بناء على هذا الاختيار الحر لحياته
سيتحمل مسؤولية الأفعال التي ستصدر عنه , مع الالتزام بالدفاع عن قضايا عصره .
يمكن القول , أنه بعيدا عن ما قد توحي به الفلسفة
السارترية من تشنجات و حساسيات مذهبية أو أخلاقية في وطننا العربي , لارتباطها
بالإلحاد , أنها ما تزال نموذجا تحليليا كاشفا لأشكال الاغتراب التي يعيشها الإنسان
في الوجود . و بناء عليه , يمكن طرح السؤال الإشكالي التالي : هل يمكن تبني أطروحة
"الماهية و الوجود "السارترية , في تحليل اغتراب الذات العربية داخل عصر يسكننا و
لم نعد , نحن ك"ذات جمعية ", نستطيع بعد , أن نجد لأنفسنا موطئ قدم صلبة نعيد فيها
ترتيب كينونتنا المتصدعة ؟؟ وهل ما زال بالإمكان , في عصر الإنترنيت, و الوقائع
الافتراضية, و ما بعد الحداثة , أن نطرح على ذواتنا أسئلة الوجود ؟ وهل بإمكان
الوجودية السارترية أن تجعلنا نطرح أسئلة الحداثة من داخل كينونتنا, وأن تعلمنا ,
نحن العرب , كما علمت أستاذنا العفيف الأخضر, " في ريعان شبابه , كما جاء في ورقة
تدخله , أبحدية التفكير الحديث " و أن تنقلنا من عقلية الإتباع إلى عقلية الإبداع
؟ وهل ما تزال السارترية , بمفاهيمها , قادرة على أن تجيب عن بعض الإشكاليات في
عالمنا العربي و الإسلامي , كإشكالية" الحرية " و إشكالية "الوعي " و إشكالية
الالتزام … ؟ أليست اختيارات الإنسان الحرة ذات قيمة مطلقة؟ ألا يعتبر هذا الإنسان
الحر "قيمة القيم" ما دام هو مبدع تلك القيم ؟
أعتقد أن المفاهيم الفلسفية السارترية , لها بعض من المصداقية
الفكرية في عالم معذبي الأرض , في عصر , بدأنا نعرف فيه أشكالا خفية من استغلال
الإنسان لأخيه الإنسان , و أشكال عديدة من العنف المادي والرمزي , و ما ارتبط بهما
من إبداع و تفنن كبيرين في تقنيات إخراجهما إلى الوجود
.
فكونيتي , كعربي , تحثني أن أستلهم من التراث العالمي الأفكار التي
قد تساعدني على فهم معطيات عصري حتى أتفاعل معه تفاعلا إيجابيا و بناء . فمن العار
أن يسكنني هذا العالم بقيمه و اختياراته السلبية و الإيجابية و لا أسكنه أنا أيضا و
أبصم و أضع فيه فيضا من نفحاتي الوجودية !!!
أليس هذا هو جوهر احتفال ندوة " جان بول سارتر .. رؤى و قرارات " بمئوية ميلاد هذا
الفيلسوف العظيم ؟؟؟
عبد
الجبار الغراز
تعقيبا على مقال الأستاذ " محمود قرني " " غيّر
مفهوم الفلسفة وبلور صورة مختلفة لعلاقة المثقف بعصره " المنشور بصحيفة " القدس
العربي" عدد بتاريخ 15/ 07/ 2009 , الذي عرض أفكار و رؤى المتدخلين في ندوة " جان
بول سارتر .. رؤى و قرارات " , أود أن أشير إلى أن احتفال هذه الندوة " بمئوية
ميلاد فيلسوف الوجودية وإصدار المجلس الأعلى لكتاب يضم أعمالها , لهو التفاتة من
هذا المجلس نحو "الوجودية السارترية" باعتبارها شكلت , و ما تزال , قيمة فلسفية
كبرى بوأت الإنسان مكانة في الوجود المليء بالمتناقضات و المفارقات , كما أنه دعوة
صريحة للمثقف العربي إلى طرح أسئلة الذات و الوجود , تلك الأسئلة التي توقظ العقل
العربي و تقض مضجعه و توسع من مجال تفاعلاته مع قضايا عصره الشائكة
.
كما
أحب أن أعقب على مضامينها , من خلال
القول , أنه إذا كانت الوجودية السارترية , قد استنفذت أغراضها كفكر و كفلسفة بعد
أن استوعب الغرب تناقضاته الداخلية , فهل من سبيل لنا , كعرب , إلى جعل هذه
الفلسفة إطارا فكريا و مبدئيا لطرح أسئلة الذات العربية و أسئلة الوجود العربي
اللذان يتخبطان في مشكلات عصرهما دون إيجاد حل جذري لأزمتهما الفكرية و الحضارية ؟
وإذا كانت الذات , حسب سارتر , تستمد هويتها
الحقيقية من داخلها كشخص يؤسس نظامه الفكري كمقدمة و كأصل و كقاعدة أساسية تقف
عليها الأحداث الاجتماعية و التاريخية , و كمفسر للوجود الإنساني , بعيد عن
التفسيرات التي تخضعه لعناصر خارجية , ألا يصح , بناء على ذلك , أن نعتبر أن الذات
العربية لها من المقومات الذاتية والوجودية ما يجعلها تصنع كيانها المستقل و تنحت
بالتالي , في جسمها الثقافي هويتها المتأصلة ؟ أليس الإنسان , بعد هذا كله , إلا ما
هو صانع بنفسه كما يقول سارتر نفسه ؟
لقد راهن سارتر في صرحه الفلسفي على مفاهيم
رئيسية : ك "الالتزام" , "المسؤولية" , "العبث" , "الوجود لذاته" , "الوجود في
ذاته" , "العدم" … حيث شكلت " الحرية " المفهوم المركزي لهاته المفاهيم . والإنسان
, في خضم هذا الوجود , محكوم عليه , أن يكون دائما حرا , إذ أن الحرية هي أساس
وجوده و ماهيته. فهو لم يكن في البدء , حينما قدف به في هذا العالم , أي شيء , وأن
هذه الحرية تقتضي منه اختيار الحياة التي سيصممها هو فيما بعد لنفسه , دونما حاجة
إلى الاستعانة بقوى خارجية مساعدة له, و أنه , بناء على هذا الاختيار الحر لحياته
سيتحمل مسؤولية الأفعال التي ستصدر عنه , مع الالتزام بالدفاع عن قضايا عصره .
يمكن القول , أنه بعيدا عن ما قد توحي به الفلسفة
السارترية من تشنجات و حساسيات مذهبية أو أخلاقية في وطننا العربي , لارتباطها
بالإلحاد , أنها ما تزال نموذجا تحليليا كاشفا لأشكال الاغتراب التي يعيشها الإنسان
في الوجود . و بناء عليه , يمكن طرح السؤال الإشكالي التالي : هل يمكن تبني أطروحة
"الماهية و الوجود "السارترية , في تحليل اغتراب الذات العربية داخل عصر يسكننا و
لم نعد , نحن ك"ذات جمعية ", نستطيع بعد , أن نجد لأنفسنا موطئ قدم صلبة نعيد فيها
ترتيب كينونتنا المتصدعة ؟؟ وهل ما زال بالإمكان , في عصر الإنترنيت, و الوقائع
الافتراضية, و ما بعد الحداثة , أن نطرح على ذواتنا أسئلة الوجود ؟ وهل بإمكان
الوجودية السارترية أن تجعلنا نطرح أسئلة الحداثة من داخل كينونتنا, وأن تعلمنا ,
نحن العرب , كما علمت أستاذنا العفيف الأخضر, " في ريعان شبابه , كما جاء في ورقة
تدخله , أبحدية التفكير الحديث " و أن تنقلنا من عقلية الإتباع إلى عقلية الإبداع
؟ وهل ما تزال السارترية , بمفاهيمها , قادرة على أن تجيب عن بعض الإشكاليات في
عالمنا العربي و الإسلامي , كإشكالية" الحرية " و إشكالية "الوعي " و إشكالية
الالتزام … ؟ أليست اختيارات الإنسان الحرة ذات قيمة مطلقة؟ ألا يعتبر هذا الإنسان
الحر "قيمة القيم" ما دام هو مبدع تلك القيم ؟
أعتقد أن المفاهيم الفلسفية السارترية , لها بعض من المصداقية
الفكرية في عالم معذبي الأرض , في عصر , بدأنا نعرف فيه أشكالا خفية من استغلال
الإنسان لأخيه الإنسان , و أشكال عديدة من العنف المادي والرمزي , و ما ارتبط بهما
من إبداع و تفنن كبيرين في تقنيات إخراجهما إلى الوجود
.
فكونيتي , كعربي , تحثني أن أستلهم من التراث العالمي الأفكار التي
قد تساعدني على فهم معطيات عصري حتى أتفاعل معه تفاعلا إيجابيا و بناء . فمن العار
أن يسكنني هذا العالم بقيمه و اختياراته السلبية و الإيجابية و لا أسكنه أنا أيضا و
أبصم و أضع فيه فيضا من نفحاتي الوجودية !!!
أليس هذا هو جوهر احتفال ندوة " جان بول سارتر .. رؤى و قرارات " بمئوية ميلاد هذا
الفيلسوف العظيم ؟؟؟
عبد
الجبار الغراز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق