الاثنين، 6 أغسطس 2012

عبد الجبار الغراز

كتبهاعبد الجبار الغراز ، في 9 نوفمبر 2009 الساعة: 23:23 م

تعقيبا على مقال الأستاذ " محمود قرني " " غيّر مفهوم الفلسفة وبلور صورة مختلفة لعلاقة المثقف بعصره " المنشور بصحيفة " القدس العربي" عدد بتاريخ 15/ 07/ 2009 , الذي عرض أفكار و رؤى المتدخلين في ندوة " جان بول سارتر .. رؤى و قرارات " , أود أن أشير إلى أن احتفال هذه الندوة " بمئوية ميلاد فيلسوف الوجودية وإصدار المجلس الأعلى لكتاب يضم أعمالها , لهو التفاتة من هذا المجلس نحو "الوجودية السارترية" باعتبارها شكلت , و ما تزال , قيمة فلسفية كبرى بوأت الإنسان مكانة في الوجود المليء بالمتناقضات و المفارقات , كما أنه دعوة صريحة للمثقف العربي إلى طرح أسئلة الذات و الوجود , تلك الأسئلة التي توقظ العقل العربي و تقض مضجعه و توسع من مجال تفاعلاته مع قضايا عصره الشائكة .
كما أحب أن أعقب على مضامينها , من خلال القول , أنه إذا كانت الوجودية السارترية , قد استنفذت أغراضها كفكر و كفلسفة بعد أن استوعب الغرب تناقضاته الداخلية , فهل من سبيل لنا , كعرب , إلى جعل هذه الفلسفة إطارا فكريا و مبدئيا لطرح أسئلة الذات العربية و أسئلة الوجود العربي اللذان يتخبطان في مشكلات عصرهما دون إيجاد حل جذري لأزمتهما الفكرية و الحضارية ؟
وإذا كانت الذات , حسب سارتر , تستمد هويتها الحقيقية من داخلها كشخص يؤسس نظامه الفكري كمقدمة و كأصل و كقاعدة أساسية تقف عليها الأحداث الاجتماعية و التاريخية , و كمفسر للوجود الإنساني , بعيد عن التفسيرات التي تخضعه لعناصر خارجية , ألا يصح , بناء على ذلك , أن نعتبر أن الذات العربية لها من المقومات الذاتية والوجودية ما يجعلها تصنع كيانها المستقل و تنحت بالتالي , في جسمها الثقافي هويتها المتأصلة ؟ أليس الإنسان , بعد هذا كله , إلا ما هو صانع بنفسه كما يقول سارتر نفسه ؟
لقد راهن سارتر في صرحه الفلسفي على مفاهيم رئيسية : ك "الالتزام" , "المسؤولية" , "العبث" , "الوجود لذاته" , "الوجود في ذاته" , "العدم" … حيث شكلت " الحرية " المفهوم المركزي لهاته المفاهيم . والإنسان , في خضم هذا الوجود , محكوم عليه , أن يكون دائما حرا , إذ أن الحرية هي أساس وجوده و ماهيته. فهو لم يكن في البدء , حينما قدف به في هذا العالم , أي شيء , وأن هذه الحرية تقتضي منه اختيار الحياة التي سيصممها هو فيما بعد لنفسه , دونما حاجة إلى الاستعانة بقوى خارجية مساعدة له, و أنه , بناء على هذا الاختيار الحر لحياته سيتحمل مسؤولية الأفعال التي ستصدر عنه , مع الالتزام بالدفاع عن قضايا عصره .
يمكن القول , أنه بعيدا عن ما قد توحي به الفلسفة السارترية من تشنجات و حساسيات مذهبية أو أخلاقية في وطننا العربي , لارتباطها بالإلحاد , أنها ما تزال نموذجا تحليليا كاشفا لأشكال الاغتراب التي يعيشها الإنسان في الوجود . و بناء عليه , يمكن طرح السؤال الإشكالي التالي : هل يمكن تبني أطروحة "الماهية و الوجود "السارترية , في تحليل اغتراب الذات العربية داخل عصر يسكننا و لم نعد , نحن ك"ذات جمعية ", نستطيع بعد , أن نجد لأنفسنا موطئ قدم صلبة نعيد فيها ترتيب كينونتنا المتصدعة ؟؟ وهل ما زال بالإمكان , في عصر الإنترنيت, و الوقائع الافتراضية, و ما بعد الحداثة , أن نطرح على ذواتنا أسئلة الوجود ؟ وهل بإمكان الوجودية السارترية أن تجعلنا نطرح أسئلة الحداثة من داخل كينونتنا, وأن تعلمنا , نحن العرب , كما علمت أستاذنا العفيف الأخضر, " في ريعان شبابه , كما جاء في ورقة تدخله , أبحدية التفكير الحديث " و أن تنقلنا من عقلية الإتباع إلى عقلية الإبداع ؟ وهل ما تزال السارترية , بمفاهيمها , قادرة على أن تجيب عن بعض الإشكاليات في عالمنا العربي و الإسلامي , كإشكالية" الحرية " و إشكالية "الوعي " و إشكالية الالتزام … ؟ أليست اختيارات الإنسان الحرة ذات قيمة مطلقة؟ ألا يعتبر هذا الإنسان الحر "قيمة القيم" ما دام هو مبدع تلك القيم ؟
أعتقد أن المفاهيم الفلسفية السارترية , لها بعض من المصداقية الفكرية في عالم معذبي الأرض , في عصر , بدأنا نعرف فيه أشكالا خفية من استغلال الإنسان لأخيه الإنسان , و أشكال عديدة من العنف المادي والرمزي , و ما ارتبط بهما من إبداع و تفنن كبيرين في تقنيات إخراجهما إلى الوجود .
فكونيتي , كعربي , تحثني أن أستلهم من التراث العالمي الأفكار التي قد تساعدني على فهم معطيات عصري حتى أتفاعل معه تفاعلا إيجابيا و بناء . فمن العار أن يسكنني هذا العالم بقيمه و اختياراته السلبية و الإيجابية و لا أسكنه أنا أيضا و أبصم و أضع فيه فيضا من نفحاتي الوجودية !!!
أليس هذا هو جوهر احتفال ندوة " جان بول سارتر .. رؤى و قرارات " بمئوية ميلاد هذا الفيلسوف العظيم ؟؟؟
عبد الجبار الغراز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق