كتبهاعبد الجبار الغراز ، في 29 أغسطس 2010 الساعة: 06:10 ص
الدولة الفلسطينية التي
نريد
عبد الجبار الغراز
لقد
استوقفي , يوم الجمعة المنصرم
, و أنا أقرأ كعادتي
, صحيفة "القدس العربي عنوان " رأي القدس " المثير : " دولة فلسطين
القمعية " و ما في المقال
من انتقادات لاذعة للسلطة الوطنية الفلسطينية التي
منعت انعقاد ندوة يريد منظموها أن يعبروا عن موقفهم الرافض للمفاوضات المباشرة
مع إسرائيل التي ستنطلق خلال الأسبوع القادم
. وقد تفاعلت , بشكل عفوي , مع ما جاء من أفكار و تداعيات " رأي القدس "
و طرحت على نفسي الأسئلة التالية :
ماذا أصاب السلطة الوطنية الفلسطسنية .حتى تأمر بمنع
انعقاد هذه الندوة ؟ أما كان الأجدر لها أن تترك الأمور تمشي بشكلها
العادي , مساهمة منها في تكريس ثقافة الاختلاف , و توسيع دائرة التقاش حول قضايا
الوضع النهائي ؟ ماذا سيفيد القضية الفلسطينية و سيضيف إليها من مكتسبات لو أقيمت ,
لا سمح الله , دولة فلسطينية قمعية شبيهة بمثيلاتها التي لدى الأنظمة العربية ّ
؟ و هل دماء الأبطال من الشهداء , الذين كتبوا الملاحم لبطولية
الفلسطينية , بعدها , ستذهب هذرا ؟
سبعة
عشرة سنة , إذن , كانت كافية لكي تصاب السلطة الوطنية الفلسطينية بفيروس
الديكتاتورية و القمع الذي نخر جسمنا السياسي العربي , و كانت
كافية , أيضا , لتجعل قوات الاحتلال الغاشم تنجح في زرع بذور الشقاق بين أبناء
الشعب الفلسطيني . سلطة , عبر استفرادها بالقرارات السياسية المصيرية
, مع قمع كل رأي مخالف لتوجهاتها و رؤاها للأشياء , قد
أماط اللثام عن وجهها الحقيقي .
في الحقيقة , هذا التماهي العجيب
و الغريب للسلطة الوطنية الفلسطينية بالأنظمة الاستبدادية, يحرك في كل نفس شريفة
محبة للعدل و المساواة و الديمقراطية الشعور بالغبن و يجعلها تستنكر مثل هذا التصرف
غير المشرف لسلطة تمثل أرقى و أشرف شعب في العالم .
من حق وريث
الشهيد أبي عمار أن يسابق الزمن و يحرق المراحل و يفاوض المحتل و
ينتزع الحقوق و يتوج انتصارته بتنصيب نفسه , عن جدارة و استحقاق ,
كأول رئيس دولة فلسطينية , كما فعل مانديلا في جنوب أفريقيا ,
لكن هل من حقه أن يؤسسها على مقاس سلطة أباتت
عن وجه ميكيافيلي مقيت ؟
فالمطامح
في اعتلاء أرقى المناصب شيء محمود و محبب لكل نفس , إن
كان ذلك تتويجا لنضال و بطولات و تضحيات, و هذا في حد ذاته , لبس عيبا .
ألم يكن مطمح الشهيد القائد أبو عمار هو الصلاة في
أولى القبلتين و ثاني الحرمين , و إقامة دولة فلسطينية حرة و أبية و ديمقراطية
تحترم شعبها العظيم شعب البطولات و الأمجاد , لكن أيادي الغدر امتدت إليه فلقي ربه
راضيا مرضيا , خاتما حياته بالشهادة التي كان يتمناها دائما ؟؟؟
فالعيب, كل العيب, إذن , هو التنكر لرفاق الدرب و النضال من أجل سراب
موهم.
ليس من حقي التدخل في شؤون الفلسطينيين الداخلية و لا من حقي,
أيضا, التحيز لطرف ضد طرف, لكن, ليشهد الله, أن انتمائي القومي كان دافعي الأول و
الأخير, في أن أبدي رأيي في قضية العرب الأولى. فالقضية الفلسطينية كانت بالنسبة لي
و لجيلي الذي أنتمي إليه, أوائل ثمانينيات القرن الماضي لما كنا طلبة جامعيين,
مدرسة كبيرة تعلمنا فيها أبجديات النضال السياسي.. تعلما فيها أسس
الحوار و احترام الرأي الآخر المخالف لآراءنا , في حلقات النقاش التي كانت تشهدها
رحاب الجامعة, من أجل الحلم بوطن تكرس فيه ثقافة الديمقراطية و تثبت فيه دولة الحق
و القانون.
فبعد كل هذا التشبع بالقيم النبيلة, لا يمكن
لي أن أتصور, كعربي مسلم مؤمن بعدالة القضية الفلسطينية, وكابن لهذه
المدرسة, مثل هذه الدولة القادمة إلا كدولة ديمقراطية.
ما قيمة دولة فلسطينية مرتقبة
إن كانت, بعد هذه التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني, ستتأسس على القمع و الغطرسة
؟؟؟
الدولة
الفلسطينية التي نتمناها , كعرب , لإخواننا الفلسطينيين, ينبغي أن تكون دولة
نموذجية بما تحمل هذه الكلمة من معنى.. دولة ديمقراطية, بكل المقاييس .. دولة يسود
فيها الحق و القانون.. دولة في حجم و مستوى التضحيات الجسام التي قدمها الشعب
الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم. لقد تبنت الشعوب العربية القضية الفلسطينية
و جعلتها , قضيتها الوطنية المركزية بامتياز, فلن تسمح لأحد
بأن يدوس بأقدام الغطرسة و القمع المبادئ الأساسية التي خطها شهداء فلسطين
الأبرار بدمائهم الزكية .
و خلاصة القول, فالتعبير عن
الرأي المخالف لكل رأي سائد هو مبدأ يعتبر من بين الأساسيات الأخرى التي تبني كل
تجربة ديمقراطية تنشد العراقة و التأصيل في سلوكها الحضاري و المتحضر. فرسم حدود
الدولة الفلسطينية المرتقبة و الاتفاق على قضايا الوضع النهائي, كلها
قضايا ينبغي أن تكون محط إجماع وطني فلسطيني واسع و ينبغي أن تنبني رؤاها على قواعد
ديمقراطية سليمة و ليس على القمع و الديكتاتورية.
فقمع المناضلين الشرفاء و
التضييق على الحريات و المساهمة, بشكل غير مباشر, في تجويع شعب غزة الأبي, كل هذه
الأمور لا تخدم القضية الفلسطينية في أي شيء, بل على العكس من ذلك فهي تخدم الدولة
العبرية و حلفاؤها من الأوربيين و الأمريكان.
فما قامت به السلطة الوطنية
الفلسطينية من قمع للمشاركين في الندوة هو سلوك غير مقبول من طرف كل ضمير شريف مؤمن
بحرية الرأي و التعبير و مؤمن بعدالة القضية الفلسطينية !
ألا يستحق الشعب الفلسطيني , و الأجيال القادمة
من أبناءه , بعد كل هذه المعاناة الطويلة , دولة في مستوى حجم تطلعاته و مستوى
نضالاته و تضحياته الجسام , و ليس مجرد دولة تتماهى بالاستبداد ؟؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق