هل سيتعافى العرب من مرض مزمن اسمه النزعة القطرية ؟
كتبهاعبد الجبار الغراز ، في 21 أغسطس 2011 الساعة: 05:15 ص
عبد الجبار الغراز
سيكون من السابق لأوانه تناول موضوع شائك مثل هذا
الموضوع ، و المباشرة في كتابة مقال يتناوله مغرق في التفاؤلية يبشر، بقرب زوال
الحدود الوهمية التي قيد العرب بها إرادتهم التواقة إلى التوحد السياسي . فهذا حكم
صائب لا أنكره :. فجسمنا الثقافي العربي يحتاج إلى وقت كاف ليسترجع لياقته الفكرية
و يستجمع قوته الوجدانية ليصل سطحه بعمقه التاريخي و الحضاري . و ثوراتنا العربية
المباركة ، ما تزال في مهدها تصارع الطغيان . فهي ، قبل هذا كله، ليست إلا جهادا
أصغرا، قد تخبو نيران حماسها لطول مجابهتها لطغيان متعدد الرؤوس . طغيان كثعلب ماكر
يتقن فن الظهور و الاختفاء ، و يتمتع بنفس طويل .. فقد يركن و يستكين و لكن ، حين
تتاح له الفرصة ينقض على الثورة و يلتف عليها .. أما الجهد الأكبر .. فهو جهاد
النفوس للتغلب على النوايا السيئة التي تزرع بذور الشقاق و النفاق حتى لا تعود
النفوس للحنين إلى تلك الفترات الاستبدادية الرهيبة و الاحتماء بطغاة و مستبدين جدد
قد يظهرون في ثوب حماة للثورة إإإ
لكن .. حين استحضر صمود الشعب السوري في وجه الألة العسكرية
البشارية التي لم تعد ترحم الصغير و لا الكبير , و حين استحضر اصرار الثوار
الليبيين على مواصلة القتال لاجتثات جبروت القذافي و زبانيته من أصوله، ناهيك عن
الملحمات التي يقدمها شعبنا العربي الواحد في اليمن ومصر و في تونس ، في سبيل تأصيل
العمل الثوري و الحفاظ عليه، و جعله نموذجا عالميا يحتذى به ، حينما أستحضر كل ذلك
، أرى بعين النقد غير المرتابة ، أن دنيا العرب لا زالت بخير ، و أجدني ، بالتالي ،
مدفوعا إلى إفراغ كل ما في جعبتي من تداعيات أفكار ،هي من وحي ما يفعله هؤلاء
الأبطال الملحميون .
أعود إلى موضوعي الرئيسي و أقول أن النزعة القطرية قد نجحت هي و
مصمموها، إلى حد بعيد ، في تشتيت شمل العرب ، وتحويلهم ، في ظرف زمني قصير
، إلى كيانات انزوائية ترفض التفاعل الإيجابي مع آخرها ، و تكره فعل التغيير . فقد
رأينا كيف ارتكن كل بلد عربي إلى جنب يريحه ، و انصرف إلى الاهتمام بشؤونه الداخلية
مستحضرا عناصر استكمال وحدته الذاتية ، و مغيبا ، في نفس الوقت ، كل أشكال التضامن
القومي التي ستقوده إلى بناء وحدة تكاملية مع آخره الشبيه لذاته حضاريا و لغويا و
تاريخيا . و هكذا استمر العرب على هذه الحالة مدة من الزمان ، و أصبحوا كائنات
آدمية أيلة للانقراض ، مفتعلين الخصومات و الخلافات الحدودية ، و مبتعدين عن بعضهم
البعض مسافات من أجل سواد عيون هذه النزعة القطرية اللئيمة التي تجدرت في وجدان
شعوبهم و أجيالها القادمة . و استمرت " الدار الكبيرة " هاته التي يسمونها الآن ب"
جامعة الدول العربية " مانعة الدول العربية من الازدهار و التطور و التقدم ، تخفي
تناقضاتهم و مفارقاتهم التي تفرزها تلك التباعدات .
فبعيداعن كل مواكبة حقيقية للتكتلات الإقليمية و الجهوية
التي أصبح يعيشها العالم من حولهم ، تعاطى العرب لجرعات زائدة من مخدر النزعة
القطرية و قيمها السلبية . و زين الغرب الرأسمالي لهم سوء أعمالهم و ما كانوا
يصنعون ، وتفنن و أبدع في رسم غذ مشرق واهم لهم و هم في أحضانه هائمون .
لكن ربيع الثورة الذي تعيشه الآن الشعوب العربية قد أحيى
الروح و بعث الأمل في القلوب اليائسة و جعلها تشرئب لمعرفة المزيد من المعلومات حول
ما ستسفر عنه التطورات في الأحداث السياسية و الاجتماعية في عالمنا العربي ، و
جعلنا نحن معها نطرح التساؤلات المشروعة التالية :
_ هل الثورات العربية التي اندلعت قبل شهور و لم تخمد نيرانها بعد ، ستبشر
بغد عربي مشرق خال من أسباب التفرقة التي شتت البيت العربي الواحد و حولته إلى مجرد
بقايا حطام حضاري تنعق فيه الغربان ؟
_ وهل ستغدو , في خضم هذه
الثورات المتصاعد، الدول العربية ، كيانات عربية مستقلة تنتقل من حالة التشرذم و
التجزيء إلى حالة الوحدة و الاستقرار ؟
_ و هل يمكن الحديث عودة
مصر إلى دورها الإقليمي الهام الذي كانت تلعبه ، تقود العالم العربي نحو توحيد
سياسي تتكامل فيه الأوطان العربية ؟ و إذا كان هذا ممكن الحدوث ، فبأي معنى يمكن
فهم هذا الدور الريادي المرتقب ؟
-
و هل معركة
الاستقلال التي يقودها شباب العرب ضد حكامهم و أنظمتهم الفاسدة مؤشر قوي دال على
قرب بزوغ فجر مجتمع عربي جديد ديناميكي قادرا على استكمال اندماجه و تحوله إلى
مجتمع عربي موحد ؟
باختصار شديد ، هل الوحدة العربية في ظل هذه التطورات التي
تشهدها الساحة العربية ، ممكنة التحقيق ، أم أنها ستبقى مجرد يوتوبيا محكوم
عليها أن تبقى كذلك إلى أبد الآبدين ؟
لا يفوتني هنا ، كإجابة على بعض من هذه التساؤلات ، أن أسوق
هنا ، بنوع من الإيجاز ، بعض الحقائق تخص جامعة الدول العربية التي تناولها
بتفصيل الدكتور مجدي حماد في مؤلفه
القيم " جامعة الدول العربية مدخل إلى المستقبل ( سلسلة عالم المعرفة العدد 299
ديسمبر 2003 يناير 2004 ) حقائق توضح أثر النزعة القطرية على التكامل العربي
المفترض، و هي على الشكل التالي :
-
أولا : النخب
العربية الحاكمة تعرقل سير التكامل العربي المنشود ، لضرورات مرتبطة بمصالحها
الذاتية .
-
ثانيا : الوحدة
العربية تستلزم في تحقيقها لأهدافها ، تغييرا جذريا للأوضاع . لكن تحالف النخب
الحاكمة مع قوى داخلية محافظة ، يستبعد ، باسم التغيير التدريجي و المرحلي للأوضاع
، هذا الشرط ، يجعل التكامل العربي مسألة بعيدة المنال ، إن لم نقل، مستحيلة .
-
ثالثا : اغتصاب
فلسطين و زرع الكيان الصهيوني في
الكيان العربي من اجل ترسيخ التجزئة و التشتت و تعميقهما ، و تقوية النزعة القطرية ، هي إجراءات تصب في
مصلحة إسرائيل و الغرب الرأسمالي ، بقصد شل كل إرادة سياسية عربية ميالة إلى
التحرر السياسي و الاقتصادي ، و بالتالي، عدم تحقيق تكامل وحدوي بين الأشقاء العرب
.
-
رابعا : الحضور
الباهت على الساحة القومية، للقوى السياسية الشعبية ، يجعلها لا تشكل ورقة ضغط تفرض
بها وجودها ككيان نضالي متصاعد .
-
خامسا : ارتباط
الموقف العربي السلبي من قضية التكامل الوحدوي ، بإشكالية الديمقراطية و بالمشاركة
الشعبية الحقيقة في صنع القرارات الحاسمة .
-
سادسا : بيروقراطية
الكيانات السياسية العربية الممثلة للبلدان الاعضاء في جامعة الدول العربية ، يحجب
عنها الرؤية لكل أفق عربي مشرق .
فبناء على هذه الحقائق الست ، و كتقييم للمجهود العربي من أجل
الوحدة العربية ، يمكن القول أن
جامعة الدول العربية ، منذ تأسيسها إلى الآن ، قد قامت بمجهود جبار يحسب عليها ,
وهو أنها قد جمعت الحكام العرب إلى كلمة سواء ، ألا و هي ، شل قدرات الشعوب العربية
الخلاقة و المبدعة, لسنوت عديدة و منعها من التحرر . فقد استعملت هذه المؤسسة من
طرف الاستبداد العربي ، كأداة سهلة لتكريس هيمنة الاستعمار الجديد ، و عانت الشعوب
العربية من قرارات هذه المؤسسة السياسية البالية , ففي ظل الحراك و الغليان الذي
تعيشه , ينبغي التفكير بجدية في إعادة النظر في أسسها و مرجعياتها و خلفياتها
التشريعية و القانونية حتى تكون في مستوى تطلعات الجماهير الشعبية العربية . فهي ،
في حقيقة الأمر ، لم تكن أبدا " جامعة " للدول العربية " بل كانت " مانعة " لهاته
الدول , بامتياز كبير , من التطلع إلى الرقي و التقدم .
و لا ننسى ، في
هذا الصدد ، أن ندعو الله ، أن يبارك هذه الثورات الشعبية العربية المجيدة ، حتى
تستكمل مشوارها النضالي و تحقق أهدافها الاستراتيجية و تبعد عن الإنسان العربي
المقهور شبح الظلم و الفساد و الطغيان السالب لإرادته و إنسانيته. كما ندعو أيضا،
أن يكون الله في عون الأستاذ نبيل
العربي ، الأمين العام الجديد ، و في عون كل مسؤول نزيه و شريف ،على تحمل
هذه المسؤوليات الجسام .
-
و في الأخير ،
يصح القول ، بعد هذا الحراك الشعبي العربي المجيد ، أن المجتمع العربي ، كغيره من المجتمعات التي مرت من
هذه المرحلة التاريخية من تطورها ، و في ظل الحتميات التاريخية التي تخضع لها كل
المجتمعات ، يعيش مخاضا . فالوحدة العربية آتية لا ريب فيها ، لكن ينبغي إخضاع عوامل التحول الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي و الثقافي و الفكري
إلى مراقبة ذاتية و ضبط واعي، لأنه أصبح الآن مسألة ضرورية و لازمة ينبغي على
منظومة العمل العربي المشترك أن تأخذها بعين الجدية و الاعتبار . فأداء جامعة الدول
العربية في السنين الأخيرة الماضية ، بدءا من حروب الخليج إلى الآن ، لم يكن في
مستوى مشرف للأمة العربية ، لأسباب يعلمها الجميع . فالتجارب الحميدة التي عاشتها
و تعيشها سائر منظمات و تكتلات العالم تفيد أن داخل كل أزمة سياسية أو اقتصادية ،
توجد قواعد ناظمة لهذا السلوك الأزموي . و ليعلم العرب ، بعد هذا كله ، أنه في خضم
الأزمات و النكبات و النكسات و كل والويلات و المصيبات , تقبع ، دائما ، الإرادة
الإنسانية التي لا تقهر .
هل سيتعافى العرب من مرض مزمن اسمه النزعة القطرية ؟
كتبهاعبد الجبار الغراز ، في 21 أغسطس 2011 الساعة: 05:15 ص
عبد الجبار الغراز
سيكون من السابق لأوانه تناول موضوع شائك مثل هذا
الموضوع ، و المباشرة في كتابة مقال يتناوله مغرق في التفاؤلية يبشر، بقرب زوال
الحدود الوهمية التي قيد العرب بها إرادتهم التواقة إلى التوحد السياسي . فهذا حكم
صائب لا أنكره :. فجسمنا الثقافي العربي يحتاج إلى وقت كاف ليسترجع لياقته الفكرية
و يستجمع قوته الوجدانية ليصل سطحه بعمقه التاريخي و الحضاري . و ثوراتنا العربية
المباركة ، ما تزال في مهدها تصارع الطغيان . فهي ، قبل هذا كله، ليست إلا جهادا
أصغرا، قد تخبو نيران حماسها لطول مجابهتها لطغيان متعدد الرؤوس . طغيان كثعلب ماكر
يتقن فن الظهور و الاختفاء ، و يتمتع بنفس طويل .. فقد يركن و يستكين و لكن ، حين
تتاح له الفرصة ينقض على الثورة و يلتف عليها .. أما الجهد الأكبر .. فهو جهاد
النفوس للتغلب على النوايا السيئة التي تزرع بذور الشقاق و النفاق حتى لا تعود
النفوس للحنين إلى تلك الفترات الاستبدادية الرهيبة و الاحتماء بطغاة و مستبدين جدد
قد يظهرون في ثوب حماة للثورة إإإ
لكن .. حين استحضر صمود الشعب السوري في وجه الألة العسكرية
البشارية التي لم تعد ترحم الصغير و لا الكبير , و حين استحضر اصرار الثوار
الليبيين على مواصلة القتال لاجتثات جبروت القذافي و زبانيته من أصوله، ناهيك عن
الملحمات التي يقدمها شعبنا العربي الواحد في اليمن ومصر و في تونس ، في سبيل تأصيل
العمل الثوري و الحفاظ عليه، و جعله نموذجا عالميا يحتذى به ، حينما أستحضر كل ذلك
، أرى بعين النقد غير المرتابة ، أن دنيا العرب لا زالت بخير ، و أجدني ، بالتالي ،
مدفوعا إلى إفراغ كل ما في جعبتي من تداعيات أفكار ،هي من وحي ما يفعله هؤلاء
الأبطال الملحميون .
أعود إلى موضوعي الرئيسي و أقول أن النزعة القطرية قد نجحت هي و
مصمموها، إلى حد بعيد ، في تشتيت شمل العرب ، وتحويلهم ، في ظرف زمني قصير
، إلى كيانات انزوائية ترفض التفاعل الإيجابي مع آخرها ، و تكره فعل التغيير . فقد
رأينا كيف ارتكن كل بلد عربي إلى جنب يريحه ، و انصرف إلى الاهتمام بشؤونه الداخلية
مستحضرا عناصر استكمال وحدته الذاتية ، و مغيبا ، في نفس الوقت ، كل أشكال التضامن
القومي التي ستقوده إلى بناء وحدة تكاملية مع آخره الشبيه لذاته حضاريا و لغويا و
تاريخيا . و هكذا استمر العرب على هذه الحالة مدة من الزمان ، و أصبحوا كائنات
آدمية أيلة للانقراض ، مفتعلين الخصومات و الخلافات الحدودية ، و مبتعدين عن بعضهم
البعض مسافات من أجل سواد عيون هذه النزعة القطرية اللئيمة التي تجدرت في وجدان
شعوبهم و أجيالها القادمة . و استمرت " الدار الكبيرة " هاته التي يسمونها الآن ب"
جامعة الدول العربية " مانعة الدول العربية من الازدهار و التطور و التقدم ، تخفي
تناقضاتهم و مفارقاتهم التي تفرزها تلك التباعدات .
فبعيداعن كل مواكبة حقيقية للتكتلات الإقليمية و الجهوية
التي أصبح يعيشها العالم من حولهم ، تعاطى العرب لجرعات زائدة من مخدر النزعة
القطرية و قيمها السلبية . و زين الغرب الرأسمالي لهم سوء أعمالهم و ما كانوا
يصنعون ، وتفنن و أبدع في رسم غذ مشرق واهم لهم و هم في أحضانه هائمون .
لكن ربيع الثورة الذي تعيشه الآن الشعوب العربية قد أحيى
الروح و بعث الأمل في القلوب اليائسة و جعلها تشرئب لمعرفة المزيد من المعلومات حول
ما ستسفر عنه التطورات في الأحداث السياسية و الاجتماعية في عالمنا العربي ، و
جعلنا نحن معها نطرح التساؤلات المشروعة التالية :
_ هل الثورات العربية التي اندلعت قبل شهور و لم تخمد نيرانها بعد ، ستبشر
بغد عربي مشرق خال من أسباب التفرقة التي شتت البيت العربي الواحد و حولته إلى مجرد
بقايا حطام حضاري تنعق فيه الغربان ؟
_ وهل ستغدو , في خضم هذه
الثورات المتصاعد، الدول العربية ، كيانات عربية مستقلة تنتقل من حالة التشرذم و
التجزيء إلى حالة الوحدة و الاستقرار ؟
_ و هل يمكن الحديث عودة
مصر إلى دورها الإقليمي الهام الذي كانت تلعبه ، تقود العالم العربي نحو توحيد
سياسي تتكامل فيه الأوطان العربية ؟ و إذا كان هذا ممكن الحدوث ، فبأي معنى يمكن
فهم هذا الدور الريادي المرتقب ؟
-
و هل معركة
الاستقلال التي يقودها شباب العرب ضد حكامهم و أنظمتهم الفاسدة مؤشر قوي دال على
قرب بزوغ فجر مجتمع عربي جديد ديناميكي قادرا على استكمال اندماجه و تحوله إلى
مجتمع عربي موحد ؟
باختصار شديد ، هل الوحدة العربية في ظل هذه التطورات التي
تشهدها الساحة العربية ، ممكنة التحقيق ، أم أنها ستبقى مجرد يوتوبيا محكوم
عليها أن تبقى كذلك إلى أبد الآبدين ؟
لا يفوتني هنا ، كإجابة على بعض من هذه التساؤلات ، أن أسوق
هنا ، بنوع من الإيجاز ، بعض الحقائق تخص جامعة الدول العربية التي تناولها
بتفصيل الدكتور مجدي حماد في مؤلفه
القيم " جامعة الدول العربية مدخل إلى المستقبل ( سلسلة عالم المعرفة العدد 299
ديسمبر 2003 يناير 2004 ) حقائق توضح أثر النزعة القطرية على التكامل العربي
المفترض، و هي على الشكل التالي :
-
أولا : النخب
العربية الحاكمة تعرقل سير التكامل العربي المنشود ، لضرورات مرتبطة بمصالحها
الذاتية .
-
ثانيا : الوحدة
العربية تستلزم في تحقيقها لأهدافها ، تغييرا جذريا للأوضاع . لكن تحالف النخب
الحاكمة مع قوى داخلية محافظة ، يستبعد ، باسم التغيير التدريجي و المرحلي للأوضاع
، هذا الشرط ، يجعل التكامل العربي مسألة بعيدة المنال ، إن لم نقل، مستحيلة .
-
ثالثا : اغتصاب
فلسطين و زرع الكيان الصهيوني في
الكيان العربي من اجل ترسيخ التجزئة و التشتت و تعميقهما ، و تقوية النزعة القطرية ، هي إجراءات تصب في
مصلحة إسرائيل و الغرب الرأسمالي ، بقصد شل كل إرادة سياسية عربية ميالة إلى
التحرر السياسي و الاقتصادي ، و بالتالي، عدم تحقيق تكامل وحدوي بين الأشقاء العرب
.
-
رابعا : الحضور
الباهت على الساحة القومية، للقوى السياسية الشعبية ، يجعلها لا تشكل ورقة ضغط تفرض
بها وجودها ككيان نضالي متصاعد .
-
خامسا : ارتباط
الموقف العربي السلبي من قضية التكامل الوحدوي ، بإشكالية الديمقراطية و بالمشاركة
الشعبية الحقيقة في صنع القرارات الحاسمة .
-
سادسا : بيروقراطية
الكيانات السياسية العربية الممثلة للبلدان الاعضاء في جامعة الدول العربية ، يحجب
عنها الرؤية لكل أفق عربي مشرق .
فبناء على هذه الحقائق الست ، و كتقييم للمجهود العربي من أجل
الوحدة العربية ، يمكن القول أن
جامعة الدول العربية ، منذ تأسيسها إلى الآن ، قد قامت بمجهود جبار يحسب عليها ,
وهو أنها قد جمعت الحكام العرب إلى كلمة سواء ، ألا و هي ، شل قدرات الشعوب العربية
الخلاقة و المبدعة, لسنوت عديدة و منعها من التحرر . فقد استعملت هذه المؤسسة من
طرف الاستبداد العربي ، كأداة سهلة لتكريس هيمنة الاستعمار الجديد ، و عانت الشعوب
العربية من قرارات هذه المؤسسة السياسية البالية , ففي ظل الحراك و الغليان الذي
تعيشه , ينبغي التفكير بجدية في إعادة النظر في أسسها و مرجعياتها و خلفياتها
التشريعية و القانونية حتى تكون في مستوى تطلعات الجماهير الشعبية العربية . فهي ،
في حقيقة الأمر ، لم تكن أبدا " جامعة " للدول العربية " بل كانت " مانعة " لهاته
الدول , بامتياز كبير , من التطلع إلى الرقي و التقدم .
و لا ننسى ، في
هذا الصدد ، أن ندعو الله ، أن يبارك هذه الثورات الشعبية العربية المجيدة ، حتى
تستكمل مشوارها النضالي و تحقق أهدافها الاستراتيجية و تبعد عن الإنسان العربي
المقهور شبح الظلم و الفساد و الطغيان السالب لإرادته و إنسانيته. كما ندعو أيضا،
أن يكون الله في عون الأستاذ نبيل
العربي ، الأمين العام الجديد ، و في عون كل مسؤول نزيه و شريف ،على تحمل
هذه المسؤوليات الجسام .
-
و في الأخير ،
يصح القول ، بعد هذا الحراك الشعبي العربي المجيد ، أن المجتمع العربي ، كغيره من المجتمعات التي مرت من
هذه المرحلة التاريخية من تطورها ، و في ظل الحتميات التاريخية التي تخضع لها كل
المجتمعات ، يعيش مخاضا . فالوحدة العربية آتية لا ريب فيها ، لكن ينبغي إخضاع عوامل التحول الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي و الثقافي و الفكري
إلى مراقبة ذاتية و ضبط واعي، لأنه أصبح الآن مسألة ضرورية و لازمة ينبغي على
منظومة العمل العربي المشترك أن تأخذها بعين الجدية و الاعتبار . فأداء جامعة الدول
العربية في السنين الأخيرة الماضية ، بدءا من حروب الخليج إلى الآن ، لم يكن في
مستوى مشرف للأمة العربية ، لأسباب يعلمها الجميع . فالتجارب الحميدة التي عاشتها
و تعيشها سائر منظمات و تكتلات العالم تفيد أن داخل كل أزمة سياسية أو اقتصادية ،
توجد قواعد ناظمة لهذا السلوك الأزموي . و ليعلم العرب ، بعد هذا كله ، أنه في خضم
الأزمات و النكبات و النكسات و كل والويلات و المصيبات , تقبع ، دائما ، الإرادة
الإنسانية التي لا تقهر .
عبد الجبار الغراز
سيكون من السابق لأوانه تناول موضوع شائك مثل هذا
الموضوع ، و المباشرة في كتابة مقال يتناوله مغرق في التفاؤلية يبشر، بقرب زوال
الحدود الوهمية التي قيد العرب بها إرادتهم التواقة إلى التوحد السياسي . فهذا حكم
صائب لا أنكره :. فجسمنا الثقافي العربي يحتاج إلى وقت كاف ليسترجع لياقته الفكرية
و يستجمع قوته الوجدانية ليصل سطحه بعمقه التاريخي و الحضاري . و ثوراتنا العربية
المباركة ، ما تزال في مهدها تصارع الطغيان . فهي ، قبل هذا كله، ليست إلا جهادا
أصغرا، قد تخبو نيران حماسها لطول مجابهتها لطغيان متعدد الرؤوس . طغيان كثعلب ماكر
يتقن فن الظهور و الاختفاء ، و يتمتع بنفس طويل .. فقد يركن و يستكين و لكن ، حين
تتاح له الفرصة ينقض على الثورة و يلتف عليها .. أما الجهد الأكبر .. فهو جهاد
النفوس للتغلب على النوايا السيئة التي تزرع بذور الشقاق و النفاق حتى لا تعود
النفوس للحنين إلى تلك الفترات الاستبدادية الرهيبة و الاحتماء بطغاة و مستبدين جدد
قد يظهرون في ثوب حماة للثورة إإإ
لكن .. حين استحضر صمود الشعب السوري في وجه الألة العسكرية
البشارية التي لم تعد ترحم الصغير و لا الكبير , و حين استحضر اصرار الثوار
الليبيين على مواصلة القتال لاجتثات جبروت القذافي و زبانيته من أصوله، ناهيك عن
الملحمات التي يقدمها شعبنا العربي الواحد في اليمن ومصر و في تونس ، في سبيل تأصيل
العمل الثوري و الحفاظ عليه، و جعله نموذجا عالميا يحتذى به ، حينما أستحضر كل ذلك
، أرى بعين النقد غير المرتابة ، أن دنيا العرب لا زالت بخير ، و أجدني ، بالتالي ،
مدفوعا إلى إفراغ كل ما في جعبتي من تداعيات أفكار ،هي من وحي ما يفعله هؤلاء
الأبطال الملحميون .
أعود إلى موضوعي الرئيسي و أقول أن النزعة القطرية قد نجحت هي و
مصمموها، إلى حد بعيد ، في تشتيت شمل العرب ، وتحويلهم ، في ظرف زمني قصير
، إلى كيانات انزوائية ترفض التفاعل الإيجابي مع آخرها ، و تكره فعل التغيير . فقد
رأينا كيف ارتكن كل بلد عربي إلى جنب يريحه ، و انصرف إلى الاهتمام بشؤونه الداخلية
مستحضرا عناصر استكمال وحدته الذاتية ، و مغيبا ، في نفس الوقت ، كل أشكال التضامن
القومي التي ستقوده إلى بناء وحدة تكاملية مع آخره الشبيه لذاته حضاريا و لغويا و
تاريخيا . و هكذا استمر العرب على هذه الحالة مدة من الزمان ، و أصبحوا كائنات
آدمية أيلة للانقراض ، مفتعلين الخصومات و الخلافات الحدودية ، و مبتعدين عن بعضهم
البعض مسافات من أجل سواد عيون هذه النزعة القطرية اللئيمة التي تجدرت في وجدان
شعوبهم و أجيالها القادمة . و استمرت " الدار الكبيرة " هاته التي يسمونها الآن ب"
جامعة الدول العربية " مانعة الدول العربية من الازدهار و التطور و التقدم ، تخفي
تناقضاتهم و مفارقاتهم التي تفرزها تلك التباعدات .
فبعيداعن كل مواكبة حقيقية للتكتلات الإقليمية و الجهوية
التي أصبح يعيشها العالم من حولهم ، تعاطى العرب لجرعات زائدة من مخدر النزعة
القطرية و قيمها السلبية . و زين الغرب الرأسمالي لهم سوء أعمالهم و ما كانوا
يصنعون ، وتفنن و أبدع في رسم غذ مشرق واهم لهم و هم في أحضانه هائمون .
لكن ربيع الثورة الذي تعيشه الآن الشعوب العربية قد أحيى
الروح و بعث الأمل في القلوب اليائسة و جعلها تشرئب لمعرفة المزيد من المعلومات حول
ما ستسفر عنه التطورات في الأحداث السياسية و الاجتماعية في عالمنا العربي ، و
جعلنا نحن معها نطرح التساؤلات المشروعة التالية :
_ هل الثورات العربية التي اندلعت قبل شهور و لم تخمد نيرانها بعد ، ستبشر
بغد عربي مشرق خال من أسباب التفرقة التي شتت البيت العربي الواحد و حولته إلى مجرد
بقايا حطام حضاري تنعق فيه الغربان ؟
_ وهل ستغدو , في خضم هذه
الثورات المتصاعد، الدول العربية ، كيانات عربية مستقلة تنتقل من حالة التشرذم و
التجزيء إلى حالة الوحدة و الاستقرار ؟
_ و هل يمكن الحديث عودة
مصر إلى دورها الإقليمي الهام الذي كانت تلعبه ، تقود العالم العربي نحو توحيد
سياسي تتكامل فيه الأوطان العربية ؟ و إذا كان هذا ممكن الحدوث ، فبأي معنى يمكن
فهم هذا الدور الريادي المرتقب ؟
-
و هل معركة
الاستقلال التي يقودها شباب العرب ضد حكامهم و أنظمتهم الفاسدة مؤشر قوي دال على
قرب بزوغ فجر مجتمع عربي جديد ديناميكي قادرا على استكمال اندماجه و تحوله إلى
مجتمع عربي موحد ؟
باختصار شديد ، هل الوحدة العربية في ظل هذه التطورات التي
تشهدها الساحة العربية ، ممكنة التحقيق ، أم أنها ستبقى مجرد يوتوبيا محكوم
عليها أن تبقى كذلك إلى أبد الآبدين ؟
لا يفوتني هنا ، كإجابة على بعض من هذه التساؤلات ، أن أسوق
هنا ، بنوع من الإيجاز ، بعض الحقائق تخص جامعة الدول العربية التي تناولها
بتفصيل الدكتور مجدي حماد في مؤلفه
القيم " جامعة الدول العربية مدخل إلى المستقبل ( سلسلة عالم المعرفة العدد 299
ديسمبر 2003 يناير 2004 ) حقائق توضح أثر النزعة القطرية على التكامل العربي
المفترض، و هي على الشكل التالي :
-
أولا : النخب
العربية الحاكمة تعرقل سير التكامل العربي المنشود ، لضرورات مرتبطة بمصالحها
الذاتية .
-
ثانيا : الوحدة
العربية تستلزم في تحقيقها لأهدافها ، تغييرا جذريا للأوضاع . لكن تحالف النخب
الحاكمة مع قوى داخلية محافظة ، يستبعد ، باسم التغيير التدريجي و المرحلي للأوضاع
، هذا الشرط ، يجعل التكامل العربي مسألة بعيدة المنال ، إن لم نقل، مستحيلة .
-
ثالثا : اغتصاب
فلسطين و زرع الكيان الصهيوني في
الكيان العربي من اجل ترسيخ التجزئة و التشتت و تعميقهما ، و تقوية النزعة القطرية ، هي إجراءات تصب في
مصلحة إسرائيل و الغرب الرأسمالي ، بقصد شل كل إرادة سياسية عربية ميالة إلى
التحرر السياسي و الاقتصادي ، و بالتالي، عدم تحقيق تكامل وحدوي بين الأشقاء العرب
.
-
رابعا : الحضور
الباهت على الساحة القومية، للقوى السياسية الشعبية ، يجعلها لا تشكل ورقة ضغط تفرض
بها وجودها ككيان نضالي متصاعد .
-
خامسا : ارتباط
الموقف العربي السلبي من قضية التكامل الوحدوي ، بإشكالية الديمقراطية و بالمشاركة
الشعبية الحقيقة في صنع القرارات الحاسمة .
-
سادسا : بيروقراطية
الكيانات السياسية العربية الممثلة للبلدان الاعضاء في جامعة الدول العربية ، يحجب
عنها الرؤية لكل أفق عربي مشرق .
فبناء على هذه الحقائق الست ، و كتقييم للمجهود العربي من أجل
الوحدة العربية ، يمكن القول أن
جامعة الدول العربية ، منذ تأسيسها إلى الآن ، قد قامت بمجهود جبار يحسب عليها ,
وهو أنها قد جمعت الحكام العرب إلى كلمة سواء ، ألا و هي ، شل قدرات الشعوب العربية
الخلاقة و المبدعة, لسنوت عديدة و منعها من التحرر . فقد استعملت هذه المؤسسة من
طرف الاستبداد العربي ، كأداة سهلة لتكريس هيمنة الاستعمار الجديد ، و عانت الشعوب
العربية من قرارات هذه المؤسسة السياسية البالية , ففي ظل الحراك و الغليان الذي
تعيشه , ينبغي التفكير بجدية في إعادة النظر في أسسها و مرجعياتها و خلفياتها
التشريعية و القانونية حتى تكون في مستوى تطلعات الجماهير الشعبية العربية . فهي ،
في حقيقة الأمر ، لم تكن أبدا " جامعة " للدول العربية " بل كانت " مانعة " لهاته
الدول , بامتياز كبير , من التطلع إلى الرقي و التقدم .
و لا ننسى ، في
هذا الصدد ، أن ندعو الله ، أن يبارك هذه الثورات الشعبية العربية المجيدة ، حتى
تستكمل مشوارها النضالي و تحقق أهدافها الاستراتيجية و تبعد عن الإنسان العربي
المقهور شبح الظلم و الفساد و الطغيان السالب لإرادته و إنسانيته. كما ندعو أيضا،
أن يكون الله في عون الأستاذ نبيل
العربي ، الأمين العام الجديد ، و في عون كل مسؤول نزيه و شريف ،على تحمل
هذه المسؤوليات الجسام .
-
و في الأخير ،
يصح القول ، بعد هذا الحراك الشعبي العربي المجيد ، أن المجتمع العربي ، كغيره من المجتمعات التي مرت من
هذه المرحلة التاريخية من تطورها ، و في ظل الحتميات التاريخية التي تخضع لها كل
المجتمعات ، يعيش مخاضا . فالوحدة العربية آتية لا ريب فيها ، لكن ينبغي إخضاع عوامل التحول الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي و الثقافي و الفكري
إلى مراقبة ذاتية و ضبط واعي، لأنه أصبح الآن مسألة ضرورية و لازمة ينبغي على
منظومة العمل العربي المشترك أن تأخذها بعين الجدية و الاعتبار . فأداء جامعة الدول
العربية في السنين الأخيرة الماضية ، بدءا من حروب الخليج إلى الآن ، لم يكن في
مستوى مشرف للأمة العربية ، لأسباب يعلمها الجميع . فالتجارب الحميدة التي عاشتها
و تعيشها سائر منظمات و تكتلات العالم تفيد أن داخل كل أزمة سياسية أو اقتصادية ،
توجد قواعد ناظمة لهذا السلوك الأزموي . و ليعلم العرب ، بعد هذا كله ، أنه في خضم
الأزمات و النكبات و النكسات و كل والويلات و المصيبات , تقبع ، دائما ، الإرادة
الإنسانية التي لا تقهر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق