الخميس، 26 يونيو 2014

تعقيبا على المقال : " طلب زواج غير رومانسي "



تعقيبا على المقال " طلب زواج غير رومانسي " الصادر بجريدة " أخبار اليوم "عدد يوم الخميس 12 / 06 / 2014 تحت رقم 1395 و الذي ترى فيه صاحبته الإعلامية و الكاتبة المقتدرة فاطمة الإفريقي أن الرجل تعوزه القدرة في أن يتعامل بشكل رقيق و عذب و رومانسية مع فتاة أحلامه التي ينوي خطبتها و الزواج منها ، يمكن القول أن ما جاء في المقال قد أصاب كبد الحقيقة : فالرجل المغربي لا يستطيع بالفعل أن يعبر عن مكنونات قلبه بالرقة العاطفية و بالرومانسية التي يرغبها عدد من النساء المغربيات .


لكن ، هناك جملة تساؤلات ينبغي طرحها :


ما الذي يجعلنا ، في حقيقة الأمر ، في أعين نساءنا ، مجرد ذكور و ليس رجال ؟ لماذا يشيئ الرجل المرأة و ينظر إليها على أنها مجرد جسد مثير للغريزة الجنسية ؟ هل يمكن اعتبار الرجل ، باسم الثقافة الذكورية ، هو المسؤول عن الغبن الاجتماعي الذي تعيشه المرأة داخل مجتمعنا ؟ و هل يمكن ، دائما ، اختزال حياة رجل مع امرأة في بعد واحد و وحيد يجعل منهما مجرد كائنات اجتماعية متصارعة ؟


كمحاولة للإجابة عن هذه التساؤلات يمكن القول أن هذا التحجر العاطفي الذي يسم سلوك الرجل المغربي لم تأت من فراغ ، بل كان وليد النسق التربوي التقليدي و التنشئة الاجتماعية اللذان خضع لهما الرجل و ما يزال في طفولته .


فإذا كان المجتمع ، بشكل عام ، يحدد القاعدة السلوكية و القيمية التي ينبغي على الأفراد و الجماعات إرساء سلوكهم و توجهاتهم عليها ، فإن دور اللآباء يتجلى في تأطير سلوك الأبناء و توجيهه نحو الوجهة التي يرتأون أنها تنسجم و تلك القواعد الاجتماعية .


فضدا على هذا القانون الاجتماعي العام رسخ النسق التربوي المغربي التقليدي ثقافة الميز بين الذكر و الأنثى . و اعتبر الذكر متميزا عن الأنثى .. الشيء الذي ترتب عنه تجدر الإحساس بالدونية و بالغبن لدى الفتاة المغربية و تمركزه في لاوعيها . هذا الأخير سيفعل فعلته عندما تتزوج تلك الفتاة و تخضع لسلطة زوجها و محيطه الأسري بعدما كانت خاضعة لسلطة والدها . فعند لعبها لدور الأمومة ستحاول تأطير سلوك ابناءها الذكور و توجيهه وفق قاعدتها النفسية ، الشيء الذي قد يترتب عنه سلب هؤلاء الأمهات من حيث لا يدرين ، لرجولة أبنائهن و محاولة تملكها و الاستحواذ عليها، كإجراء انتقامي من السلطة الذكورية، بشكل يمنع هؤلاء الذكور التماهي الطبيعي مع أنوثة أمهن و محاولة تشربها عاطفيا و وجدانيا لاستثمارها لاحقا ، بشكل إيجابي ، بعد سن البلوغ عند ارتباطهم مع من يختلف معهم جنسيا .


و بدون خلفية متعصبة لجنسنا الذكوري ، و بدون تبني نظرة ازدرائية للأنوثة النسوية أقر ، تبعا لهذا النسق التربوي التقليدي المقيت ، بأن الرجل الشرقي ما يزال يسكن دواخلنا .. فنحن ، في الظاهر ، نريد من المرأة أن تكون شبيها لنا ، لكن ، في الباطن ، لا نريد ، في حقيقة الأمر ، أن ترتقي علاقتنا بها إلى مستوى الندية ..


نريدها أن تكون الزوجة التي تلعب مختلف أدوار الأم .. حتى تدخلنا ، رمزيا ، إلى عالمنا الأولي لنستكين هناك في انطوائية رحمية .. دون أن نعي أن أنثويتها هاته ستسلب ذكورتنا أو بالأحرى رجولتنا المخصية .


ذاكرتنا الجمعية ، نحن الرجال ، مصابة بخرف مزمن ، فهي تأبى إلا أن تحبك القصص تلو القصص و تعيد ترتيب الأمكنة وسط خواء زماني مطلق تسبح فيه سجلاتنا و سيرنا المقدسة الخالدة .. إذ نجدها تصور المرأة كمجرد " ضلعة عوجاء " خارجة من بين أضلعنا ..


لقد نست هذه السير، أو بالأحرى تناست ،أن المرأة هي أصلنا ومنبتنا الطبيعي ، و أنها نعيمنا الأبدي الذي حولته إلى فردوس مفقود ، فغدونا في حيواتنا الدنيا مسخا كافكاويا يستلذ الرقاد كالدببة القطبية ، على إيقاع سمفونيات شخيرنا ، يحلم بالحور العين و بالجنات النعيم بدون اعتبار للدنيا و الدين . 


ترتيلة العطاء



1 - في كنف أبوة السنين


تربيت على العطاء :


أن أعطي هذا ، فاكهة الروح ..


و أعطي ذاك ماجادت به قريحة البوح ..


دون أن أطلب المقابل


ثم أعطي ،


لكي أعطي ..


و لا أستكين .


2 - تحت ظلال مذهب العشق


تربيت على أن أزدرد خبز المحبين


و آخذ ما أعطيت ..


من أياد بيضاء


تشبه أيادي الفلاحين ..


و لا أهين .


3 - في محراب الأولين ..


تربيت على أن أتسامح


إذا ما أذيت ..


أفعل ذلك ..


دون أن أضعف ..


او ألين .


4 - قلبي حديقة للشعراء


و قبلة لأهل العرفان


و المشائين ،


أفتح شرفته


في كل وقت .


في كل حين ،


لتهب نسائم الشرق


محملة بالأشواق


محملة بالحنين .


أطل عبرها


لأرى قمري في سماءه


بدرا منيرا .. أمين


ينير ، منذ الأزل


درب العاشقين .


بلغة ناجيته ..


مفرداتها إكليل همس و نسرين ،


لغة الوجد .. لغة الآه الدفين ،


قائلا :


" أين أرض الشوق .. يا قمر !


حيث استكان قلبي الحزين


و ارتوى من نبعها


المحبة


و الإخاء


و السلام


و لم يعد يشتكي ، بعدها ، الأنين ؟؟؟ "


الأحد، 8 يونيو 2014

اللغة و الفكر .. أية علاقة ؟



يستلزم ، الجواب على هذا السؤال ، منا التسليم أن اللغة هي خاصية إنسانية ، أي اعتبار أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي استطاع ، دون غيره من الكائنات الأخرى ، أن يبدع الكلام و يستعمل الرموز و العلامات في شكل نظام صارم يكون قابلا للتعلم انطلاقا من ضوابط و قواعد يخضع لها الناشئ عبر ما يسميه علماء الاجتماع ب " التنشئة الاجتماعية "


اللغة ، بهذا المعنى ، ترتبط بالفكر ما دامت هي ، في أساسها ، ترجمة فعلية لعقليات الشعوب و ثقافاتهم ، و تعبيرا عن مستوى نموها الفكري ،و الأخلاقي و الحضاري .


و بناءا على ما تقدم ، تعتبر اللغة، كعلامات لسانية ، نتاجا للفكر و إحالة عليه. فما هي، إذن ، أوجه الارتباط بينها و بين الفكر؟


يعتبر ديكارت ، كمحاولة منه الإجابة عن هذا التساؤل ، أن الارتباط بين اللغة و الفكر هو ارتباط بين شيئين لا ينتميان إلى نفس الطبيعة . الأول مادي محسوس و هو اللغة و الثاني لامادي و هو الفكر .


فالفكر جوهر خاصيته هي التفكير . أما اللغة فهي عرض خاصيته هي التعبير و الإظهار . فهذه الطبيعة المغايرة لكل منهما جعلت ديكارت يعطي للغة قيمة ثانوية مقارنة مع الفكر ، و ذلك بأن جعلها فقط مجرد أداة تعبيرية لمكنونات الفكر .


أما هنري برغسون ، فقد حاول تجاوز نظرة ديكارت للغة ، بالرغم من اتفاقه معه ،على المستوى الأداتي للغة ، إلى نظرة فلسفية تعتبر اللغة جد محدودة وظيفيا و تعبيريا. فالفكر أعمق و أوسع من أن تشمله و تعبر عنه و عن مكنوناته لغة بهذه المواصفات ، خاصة الجزء المتعلق منه بالوجدان و العاطفة . فقد يكون لدينا من الأفكار ما نريد التعبيرعنها لكن نجد أنفسنا غير قادرين على فعل ذلك لأن اللغة تعوزنا في الإحاطة بكل دقة بتلك الأفكار . و مرد هذا العوز ، حسب هنري برغسون ، إلى أن حياتنا النفسية تعتبر حياة باطنية تتميز بالديمومة و التفرد و الانسياب و الحرية ، و الفكر ، في هذه الحالة ، في حاجة إلى أن يبدع لغة خاصة بتلك الحوانب النفسية و الباطنية كلغة التشكيل و الموسيقى و غيرها لكي تكون الأداة الأليق لترجمة دواخله .


و بعيدا عن الأطروحات التي ترى أن اللغة أداة تعبير و أن الفكر جوهر ثابت، يرى عالم اللسانيات فردناند دي سوسير أن الفكر لا يدرك إلا كفعالية و نشاط دائمين . و بهذا التصور الجديد للفكر تكون اللغة الأداة المصاحبة و الملازمة لهذه الصفة الديناميكية للفكر ، و ليس مجرد أداة تعبيرية تواصلية ، ذلك لأنهما أصبحا ( الفكر و اللغة ) يشكلان شيئا واحدا ، فبدون اللغة يكون الفكر مجرد سديم ، و اللغة بدون الفكر تكون مجرد كلمات بلا معنى .


فما الذي يجعل اللغة و الفكر عنصرين متحدين اتحادا عضويا ؟ يجيبنا فرديناند دي سوسير بأن الذي يجعلهما كذلك هو وحدة الصوت و الدلالة المتكونة من الدال و المدلول ، من المبنى و المعنى .


اللغة ، كبنية صوتية و أخرى دلالية ، لها ، في هذا الإطار ، فعالية تحويل أشياء الواقع إلى رموز و علامات . هذه الأخيرة تساعد العقل على التعبير عن نفسه بشكل مجرد . كما أن لها أيضا فعالية تصنيف الكائنات والأشياء الموجودة في العالم الخارجي . كما أما الفكر له فعالية إثراء اللغة بالمصطلحات الجديدة القادرة على استيعاب المعطيات الجديدة التي تتيحها وضعية من الوضعيات، و جعلها قادرة على العطاء و الإبداع و توليد الأفكار و المعاني من رحم الأشياء و المواقف المختلفة .


و لتعميق هذه النظرة اللسانية لعلاقة اللغة بالفكر ، فلسفيا ، يعتبر موريس ميرلوبونتي أن الكلام هو الوجود الخارجي للفكر ، أي حضور الفكر داخل هذا العالم المحسوس .


يترتب عن هذ القول ما يلي :


- عدم اعتبار اللغة و الكلام متطابقين و متلازمين و ليس اعتبارهما كشيئين منفصلين . فليس هناك فكر ، كشيء داخلي ، خارج العالم و الكلمات . فاللغة هي الفكر و الفكر هو اللغة .


- اعتبار أن الكلام ليس هو طريقة للإشارة إلى موضوعات الفكر . فنحن ، حسب هذا المعنى، نفكر بلغة صامتة و نتكلم بفكر مسموع .


يتضح مما سبق عرضه من تصورات مختلفة ، فلسفية كانت أم علمية لسانية ، أن علاقة الفكر باللغة تكون مطبوعة بالتعدد و الاختلاف . فإذا كان التصور الأداتي للغة يتعامل مع الفكر كجوهر و كماهية ثابتة ، و كوجود مستقل و مغاير للمادة ، فإن التصور اللساني المعاصر يربط بين اللغة و الفكر ربطا عضويا .هذا الفهم الجديد للفكر جعل جعل من اللغة تقوم بمجموعة وظائف مختلفة منها :


- التبليغ : للغة ، حسب جاكوبسون ، وظيفة تواصلية أي تبادل رسائل مشفرة بين مرسل و متلق .


- الإنتاج : ارتكاز اللغة ، حسب كل من بنيفنيست و مارتيني ، على الصوت و تحرر العلامة اللسانية من الموضوع الخارجي و قالبلية اللسان إلى التفكيك إلى وحدات صوتية دالة و غير دالة قابلة للتأليف و إعادة التأليف .


- الإخفاء و الإضمار : اللغة ، حسب دكرو ، لا تستخدم ، دائما ، بغرض التصريح و التواصل الشفاف بل أيضا بغرض الإخفاء و الإضمار . و هي لا تكون كذلك تحت تأثير شعوري إرادي ، بل تحت تأثير اللاشعور .


- السلطة و الخضوع : اللغة ، حسب بارط ، تنتج علاقة سلطة و سيطرة . فأن نتكلم معناه أن نسود و أن نسيطر و ليس أن نتواصل .