مغرب اليوم بين طريقين ملغومين
كتبهاعبد الجبار الغراز ، في 17 يوليو 2011 الساعة: 22:02 م
مغرب اليوم بين طريقين ملغومين
عبد الجبار الغراز
كما يشير العنوان أعلاه ، يمكن اعتبار
مغرب اليوم الذي تحيط به من كل جانب نيران الثورات الربيعية التي تنتقل كالهشيم من
بلد عربي إلى آخر , أنه يوجد الآن ، بين طريقين. يتمثل الأول في عضويته في اتحاد
المغرب العربي التي بدأت تثقل كاهله جراء الوضع المشلول الذي يعيشه هذا الاتحاد , و
يتمثل الثاني في عضويته المرتقبة في مجلس التعاون الخليجي و ما ترسمه من آفاق قد
تبدو في ظاهرها عنصرا دالا على وضعية مريحة سيعرفها المغرب ، قد توفر له كل
أسباب الرخاء و الازدهار ، لكن باطنها لا يعلمه إلا الله و الراسخون في علم البواطن
. طريقان إذن يتضمنان حقولا ملغومة و على المغرب أن يسير الهوينى و بكل حذر شديد و
حنكة سياسية و بكل دبلوماسية حكيمة، حتى لا تضيع في متاهاتها و دروبها قدماه، و حتى
يتفادى كل ما من شأنه أن يزلهما تجنبا لكل كارثة متوقعة.
لقد سلك المغرب مع باقي بلدان المغرب
العربي الأخرى بتأسيسه معها لاتحاد المغرب العربي ، الطريق الأسلم حين راهن، منذ
البداية ، على خيار التقدم و الرقي لأبناء شعبه , بقصد بناء تكتل جهوي قوي . لكن
هذا الطريق قد أصبح ذا مسالك وعرة و شابته الآن العراقيل مما جعل هذا الجسد
المغاربي الهزيل أصلا، تصيبه مختلف الأمراض المزمنة التي لازمته طوال هذه الفترة
الطويلة من التأسيس إلى الآن . و لم نعد نرى في الأفق تباشير الغد المشرق الذي بشر
به مهندسو هذا الاتحاد. فجل الأهداف التي سطروها ، السياسية منها و الاقتصادية و
الثقافية و الاجتماعية ، هي الآن مجرد حبر على ورق و رهينة خطب رنانة تلقى في كل
محفل دولي . خطب حاجبة للتناقضات و مزيفة للحقائق .
. فمنذ لقاء طنجة ( أبريل 1958 ) الذي
جمع المغرب ، الجزائر و تونس , مرورا بلقاء وزاراء الاقتصاد و المالية لنفس الدول
مع تسجيل انضمام ليبيا ( شتنبر 1964 ) ومؤتمر هؤلاء الوزراء الخامس المنعقد بتونس (
نونبر 1967 ) و قمة زرالدة التحضيرية لتأسيس إتحاد الغرب العربي ( يونيو 1988 ) و
انتهاء بلقاء زعماء الدول الخمس بمراكش في 17 فبراير 1989 تاريخ توقيع معاهدة اتحاد
المغرب العربي ، لم نر , على مستوى الواقع , تحقيق أي هدف من الأهداف المسطرة
: فأفراد شعوب المنطقة يعانون من انعدام حرية التنقل بسبب عدم فتح الحدود بين الدول
الخمسة المشكلة للاتحاد . نفس المشكل نراه مع التجار و أهل الاقتصاد و أصحاب
الأموال ، الذين يعانون هم أيضا من انعدام حرية تنقل سلعهم و رؤوس أموالهم بشكل
طبيعي كما تنص الاتفاقيات المبرمة للاتحاد . أما التنسيق الأمني بين الدول الأعضاء
لهذا الاتحاد فحدث و لا حرج , فهو الآخر لم يرق إلى مستوى عال و مسؤول ينسجم و
تطلعات الشعوب ، يشجع على تعزيز الثقة المتبادلة التي تعتبر شرطا لازما لتحقيق
التعاون المشترك في شتى الميادين . و لم نر , ترتيبا على ما سبق ذكره , تمتينا
لأواصر الأخوة و القربى الذي سوف يجعل من شعوب اتحاد المغرب العربي شعبا واحدا بناء
على وحدة المصير و التاريخ و الجغرافيا و اللغة و التراث الثقافي المشترك . و لم نر
, على المستوى الدولي , أي تعاون دبلوماسي جدي يوحد الصف و يجعل اتحاد المغرب
العربي , قوة تفاوضية و شريك حقيقي لباقي التكتلات الإقليمية الأخرى , كالاتحاد
الأروبي و مجلس التعاون الخليجي .
لسنا هنا بصدد البحث في أسباب تعثر
هذا الاتحاد المغاربي و التوسع فيها , فقد استفاظ في ذلك غيرنا من المهتين و
المتخصصين في الشأن المغاربي ، جيث كشفوا الملابسات و تتبعوا مختلف تشعبات هذه
الظاهرة المغاربية الفريدة من نوعها ، و أبرزوا تداخل الاقتصادي مع السياسي و
الأيديولوجي مع الثقافي التاريخي . باختصار شديد ، لقد تعددت الأسباب و التعثر
الذريع واحد ! و لكن ما
يهمنا هو أن نربط بين هذا التعثر و بين طبيعة النخب السياسية المغاربية التي تتحكم
في دواليب الأمور السياسية و مراكز اتخاذ القرارات الحاسمة التي تذهب
بالبلدان والعباد صوب اتجاهات غير واضحة المعالم تخبط خبط عشواء. فهناك ، و لا شك ،
خيوط رفيعة متشابكة و خفية ناظمة للجوانب الايديولوجية للجوانب السياسية . فلا
يمكن أن يستقيم ,في نظرنا , مبدأ التكاملية المفترض كأساس لكل اتحاد إقليمي يتخيى
التكتل الإقليمي كخياره الاستراتيجي لمجابهة تحديات العولمة , و لم يتم ، لحد الآن
، الحسم ، من طرف نخبنا السياسية التي تعاقبت على هذا الملف الشائك ، في المعطيات
الايديولوجية و السياسية التي كانت نتاجا أفرزته في ستينيات و سبعينيات القرن
الماضي الحرب الباردة . فتجاوز السلبيات الطافية على سطح المشهد السياسي المغاربي و
المؤثرة عل دول و شعوب هذا الاتحاد المشلول مرتبط ، جدليا ، بهذا التوجه العقلاني
الذي سيحسم , بشكل جدي و مسؤول في قضايا أصبحت متجاوزة بفعل التقادم , و أولها و
ليس آخرها مشكل الصحراء .
ولا يفوتني أن أشير ، في هذا الصدد
، أن المغرب قد خطى خطوة متقدمة في سبيل حل مشكل هذا الملف ، و ذلك بطرحه للحكم
الذاتي في الأراضي الصحراوية . فتعنت الطبقة السياسية في الجزائر الشقيقة ما يزال
صلبا ، فقد ترى هذه الطبقة عكس ما يراه المغرب , لكن تعنتها يبقى في الأخير بدون
مبررات معقولة ، و هذا ما يزكي لدينا الطرح الذي نعتبر من خلاله أن مشكل تحديث
النخب السياسية في البلدان المغاربية هو مشكل مركزي و أساسي ينبغي حله وفق مقاربة
تشاركية .
هذا ، و ينبغي أن يعلم خصوم
الوحدة الترابية للمغرب بأن الحراك الاجتماعي و الشعبي الذي تعيشه دول الاتحاد
المغاربي نتيجة الثورات الشبابية التي تجتاح العالم العربي منذ مطلع هذه السنة (
2011 ) , قد عرى ما كان بالأمس القريب مستورا , و كشف عن الميكانيزمات التي كانت
تشتغل عليها النخب السياسية المغاربية . ميكانيزمات أصبحت منذ وقت غير قصير عقيمة و
بالية أمام ما تشهده كل المنظومات العالمية من تحول و تغير في بنياتها الاقتصادية و
السياسية و الاجتماعية و الثقافية و المعرفية . تحول أصبح أساسه الآن تملك
التكنولوجيا ، خاصة تكنولوجيا الإعلام ، و عقد الاتفاقيات و إبرام الصفقات و
المبادلات التجارية الحرة التي تستلزم خلق تكتلات إقليمية لمواجهة تحديات هذا
الاقتصاد المعولم .
فإذا كانت تونس و ليبيا ، بفضل
الفيسبوك و التويتر و اليوتوب ، تعيشان مخاضا سياسيا مباركا , سقط على إثره نظام بن
علي الديكتاتوري و أصبح نظام معمر القذافي قاب قوسين أو أدنى من السقوط , و سينتهي
الأمر بهما، إن شاء الله بفضل هذا الشباب الواعد ،إلى إرساء أنظمة ديمقراطية عادلة
ز نموذجية في المنطقة ، فإن موريطانيا و الجزائر مدعوتان ، اليوم و ليس غدا ، إلى
أن تستجيب كل واحدة منهما إلى نداء القدر , كما يقول أبو القاسم الشابي . هذا
النداء المغاربي الذي يخرج من أعماق قلوب كل المغاربيات و المغاربيين الشرفاء
الحاث على الاسراع بتفعيل المنظومة الاصلاحية الشاملة و تكريس ثقافة الديمقراطية و
العدالة الاجتماعية و توسيع مجال الحريات العامة .
أما المغرب ، فإن سلسلة الاصلاحات
التي ابتدأت منذ النصف الأول من تسعينيات القرن المنصرم لا تجعله في حكم الاستثناء
, فالاحتجاجات الشبابية التي تماهى مدها مع الحراك الشعبي الذي يعرفه العالم العربي
، قد تقلب كل المعادلات و كل الموازين و تربك كل الحسابات ، في رفعها ، كل حين ،
سقف مطالبها . " فليست دائما الدنيا هانية ّ"كما يقال بالدارجة المغربية , في مغرب
اليوم . وهذا يدعونا إلى طرح التساؤلات التالية : ما موقع المغرب من هذا الجو
الضبابي العام الذي يتخبط فيه اتحاد المغرب العربي , خصوصا بعد موجات الربيع العربي
التي عصفت و لا تزال تعصف بأنظمة سياسية عربية تجذرت بشكل مشوه و سلبي في الوعي
السياسي العربي ؟ و هل سيساعد الترتيب الداخلي للبيت السياسي المغربي ، و الذي
ابتدأ بسلسلة إصلاحات و انتهى بتتويجها بسن دستور جديد تعاقدي بين الملك و الشعب ،
على تعزيز الجبهات الوطنية الداخلية و تقويتها , لتجعل المغرب يمتلك زمام المبادرة
لإحياء روح اتحاد المغرب العربي و بعثها من جديد و ضخ دماء التجديد في عروقه ؟ و هل
سيشكل انضمام المغرب المرتقب لمجلس التعاون الخليجي حجر عثرة تعوق تعزيز العلاقات
بين دول الاتحاد المغاربي ؟
كإجابة عن هذه
التساؤلات ، ينبغي تسجيل نقطة هامة ندرجها في صالح المغرب و التي يمكن إجمالها في
كونه يعتبر من أكثر
البلدلن العربية , عموما , و المغاربية خصوصا , استقرارا على المستوى السياسي . لكن
في المقابل يمكن تسجيل نقطة سوداء ليست في صالحه و هي كون المغرب ، يعيش هشاشة على
مستوى التوازنات الاجتماعية و الاقتصادية , الشيء الذي يجعله في أمس الحاجة إلى جلب
رؤوس أموال أجنبية تضخ دم التجديد في جسده الاقتصادي و الطاقة في جسده الاجتماعي و
هذا سيدفعه ، حتما إلى انفتاح أكبر و خطير جدا على محيطه البعيد ، و نقصد هنا
انضمامه إلى مجلس التعاون الخليجي . و هذه هي بداية الطريق الثاني الملغوم .
ينبغي
التنبيه، في هذه النقطة الهامة ، إلى شيء مركزي ألا و هو أن هذا الانفتاح قد يضر
بمصالح المغرب الحيوية إذا لم تكن الخطوات مدروسة أو مسبوقة بطرح فرضيات أساسها
التوجه العقلاني و الحكامة المستنيرة . فإذا كان المغرب قد أبدى إعرابه عن استعداده
المبدئي لرسم الخطوط العريضة لوضع إطار تعاون بينه و بين مجلس التعاون الخليجي
تلبية لدعوة هذا الأخير , فإن ذلك لا يعني أن الأبواب قد تفتح له على كل الاحتمالات
الممكنة الايجابية , فقط ، بل ، و هذا هو الأساسي , ينبغي عليه أن يضع في الحسبان
كل الاحتمالات الممكنة السلبية أيضا . فقد يشكل هذا الانضمام المرتقب خطوة كبيرة
للمغرب تدفعه إلى الأمام نحو تعزيز استقراره السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي ,
بفضل ما قد يعود عليه من نفع كبير و خير عميم , و ذلك من خلال الاستثمارات و رؤوس
الأموال الخليجية التي ستضخ ، و لا شك ، دما جديدا في شرايين جسده الاقتصادي و
الاجتماعي . كما قد يشكل هذا الانضمام ، وبالا عليه , يدفعه مكرها إلى الدخول في
وضعيات صعبة قد لا يخرج منها إلا بتبعات قد تسبب له , لا سمح الله , أزمات سياسية و
اقتصادية هو في غنى عنها . فالواقع يقر بحقيقة لا مفر منها و لا ينبغي نكرانها و
هي أن الدعوة الخليجية الدسمة هاته للمغرب ، قد ارتبطت , كما يشير أهل الاختصاص في
العلاقات الدولية , بالظرفية السياسية التي تعيشها دول الخليج و بالحراك المجتمعي
الذي بدأت تفرزه ثوارات الشعوب العربية . فالمغرب مدعو ، إذن ، إلى
التفكير في
تجديد نخبته السياسية و الاقتصادية ، قبل الاقدام على هذه الخطوة الملغومة . فهذا
التجديد سيبعده ،لا محالة ، عن الرؤية التي قد تدخله في متاهات البراغماتية
الاقتصادية و السياسية الضيقة التي ستجعل منه مجرد شريك عسكري ومخابراتي , أو "
حارس ليلي " يحرس بمقابل أجر سخي يتقاضاه ، امبراطوريات النفط " العظيمة ّ"
.
و نعود من
جديد لنطل من الزاوية المؤطرة للمشهد المغاربي ، و نقول , في الأخير , أنه بالرغم
من الوضعية الحرجة التي سبق ذكرها , التي يعيشها اتحاد المغرب العربي ، نرى المغرب
مصرا على تشبته بعضويته في هذا الاتحاد . معتبرا إياها مسألة مبدئية أولا و آخرا ,
لكن ما نخشاه هو أن يصبح مع مرور الوقت , و بسبب معضلة الصحراء التي لم يتم إيجاد
حل نهائي لها ، أمام اتحاد مغاربي باعتباره خيارا استراتيجيا مركزيا , لكن , مع
كامل الأسف ، تنقصه الفائدة . فهذا الاتحاد المشلول تعوزه القدرة على خلق أسياسيات
ذاتية و اندماجية فعليتين ، تقوي مختلف الجبهات الداخلية ، التي استساهم في تمتين
الجسور و ستقود شعوب المنطقة نحو الازدهار و التقدم و الرفاه الاقتصاديين .
و في الأخير ، يمكن القول ,
كاستنتاج عام ، أن الدول التواقة إلى فعل التغير , بدأت تعي جيدا مثبطات النهوض و
تسعى جادة إلى قراءة محيطها الجيوسياسي و الجيواقتصادي قراءة تأخذ بعين الاعتبار
مختلف الجوانب المشتركة بينها و بين هذا المحيط دون إغفال الخصوصيات الثقافية و
الإيديولوجية . فالنظرة المندمجة لكل الأمور الصغيرة و الكبيرة قد تعتبرعاملا فاعلا
في حل الإشكالات و المعضلات الكبرى التي قد تفرزها وضعيات جد معقدة تعوق سيرورة كل
تكتل ينشد الوحدة و التعاون المشترك . فالحوار الجاد و المسؤول و صيانة السيادة و
الاستقلال لكل دولة من دول أعضاء الاتحاد , و كذا صيانة الهويات و الخصوصيات
الثقافية , و تشجيع للتعليم و الرفع من المستوى الثقافي و التحصيل العلمي لإنتاج و
إعادة إنتاج بنيات ثقافية ترسخ ثقافة المشاركة و التشارك و تعميم سبل تعميقها و
تجدرها في وعي و لاوعي الأفراد و الجماعات , هذه كلها عوامل مركزية مساعدة على
تحقيق توافق و انسجام بين الدول الأعضاء لكل اتحاد ينشد الرقي و الازدهار
.
أضف الى مفضلتك
كتبهاعبد الجبار الغراز ، في 17 يوليو 2011 الساعة: 22:02 م
مغرب اليوم بين طريقين ملغومين
عبد الجبار الغراز
كما يشير العنوان أعلاه ، يمكن اعتبار
مغرب اليوم الذي تحيط به من كل جانب نيران الثورات الربيعية التي تنتقل كالهشيم من
بلد عربي إلى آخر , أنه يوجد الآن ، بين طريقين. يتمثل الأول في عضويته في اتحاد
المغرب العربي التي بدأت تثقل كاهله جراء الوضع المشلول الذي يعيشه هذا الاتحاد , و
يتمثل الثاني في عضويته المرتقبة في مجلس التعاون الخليجي و ما ترسمه من آفاق قد
تبدو في ظاهرها عنصرا دالا على وضعية مريحة سيعرفها المغرب ، قد توفر له كل
أسباب الرخاء و الازدهار ، لكن باطنها لا يعلمه إلا الله و الراسخون في علم البواطن
. طريقان إذن يتضمنان حقولا ملغومة و على المغرب أن يسير الهوينى و بكل حذر شديد و
حنكة سياسية و بكل دبلوماسية حكيمة، حتى لا تضيع في متاهاتها و دروبها قدماه، و حتى
يتفادى كل ما من شأنه أن يزلهما تجنبا لكل كارثة متوقعة.
لقد سلك المغرب مع باقي بلدان المغرب
العربي الأخرى بتأسيسه معها لاتحاد المغرب العربي ، الطريق الأسلم حين راهن، منذ
البداية ، على خيار التقدم و الرقي لأبناء شعبه , بقصد بناء تكتل جهوي قوي . لكن
هذا الطريق قد أصبح ذا مسالك وعرة و شابته الآن العراقيل مما جعل هذا الجسد
المغاربي الهزيل أصلا، تصيبه مختلف الأمراض المزمنة التي لازمته طوال هذه الفترة
الطويلة من التأسيس إلى الآن . و لم نعد نرى في الأفق تباشير الغد المشرق الذي بشر
به مهندسو هذا الاتحاد. فجل الأهداف التي سطروها ، السياسية منها و الاقتصادية و
الثقافية و الاجتماعية ، هي الآن مجرد حبر على ورق و رهينة خطب رنانة تلقى في كل
محفل دولي . خطب حاجبة للتناقضات و مزيفة للحقائق .
. فمنذ لقاء طنجة ( أبريل 1958 ) الذي
جمع المغرب ، الجزائر و تونس , مرورا بلقاء وزاراء الاقتصاد و المالية لنفس الدول
مع تسجيل انضمام ليبيا ( شتنبر 1964 ) ومؤتمر هؤلاء الوزراء الخامس المنعقد بتونس (
نونبر 1967 ) و قمة زرالدة التحضيرية لتأسيس إتحاد الغرب العربي ( يونيو 1988 ) و
انتهاء بلقاء زعماء الدول الخمس بمراكش في 17 فبراير 1989 تاريخ توقيع معاهدة اتحاد
المغرب العربي ، لم نر , على مستوى الواقع , تحقيق أي هدف من الأهداف المسطرة
: فأفراد شعوب المنطقة يعانون من انعدام حرية التنقل بسبب عدم فتح الحدود بين الدول
الخمسة المشكلة للاتحاد . نفس المشكل نراه مع التجار و أهل الاقتصاد و أصحاب
الأموال ، الذين يعانون هم أيضا من انعدام حرية تنقل سلعهم و رؤوس أموالهم بشكل
طبيعي كما تنص الاتفاقيات المبرمة للاتحاد . أما التنسيق الأمني بين الدول الأعضاء
لهذا الاتحاد فحدث و لا حرج , فهو الآخر لم يرق إلى مستوى عال و مسؤول ينسجم و
تطلعات الشعوب ، يشجع على تعزيز الثقة المتبادلة التي تعتبر شرطا لازما لتحقيق
التعاون المشترك في شتى الميادين . و لم نر , ترتيبا على ما سبق ذكره , تمتينا
لأواصر الأخوة و القربى الذي سوف يجعل من شعوب اتحاد المغرب العربي شعبا واحدا بناء
على وحدة المصير و التاريخ و الجغرافيا و اللغة و التراث الثقافي المشترك . و لم نر
, على المستوى الدولي , أي تعاون دبلوماسي جدي يوحد الصف و يجعل اتحاد المغرب
العربي , قوة تفاوضية و شريك حقيقي لباقي التكتلات الإقليمية الأخرى , كالاتحاد
الأروبي و مجلس التعاون الخليجي .
لسنا هنا بصدد البحث في أسباب تعثر
هذا الاتحاد المغاربي و التوسع فيها , فقد استفاظ في ذلك غيرنا من المهتين و
المتخصصين في الشأن المغاربي ، جيث كشفوا الملابسات و تتبعوا مختلف تشعبات هذه
الظاهرة المغاربية الفريدة من نوعها ، و أبرزوا تداخل الاقتصادي مع السياسي و
الأيديولوجي مع الثقافي التاريخي . باختصار شديد ، لقد تعددت الأسباب و التعثر
الذريع واحد ! و لكن ما
يهمنا هو أن نربط بين هذا التعثر و بين طبيعة النخب السياسية المغاربية التي تتحكم
في دواليب الأمور السياسية و مراكز اتخاذ القرارات الحاسمة التي تذهب
بالبلدان والعباد صوب اتجاهات غير واضحة المعالم تخبط خبط عشواء. فهناك ، و لا شك ،
خيوط رفيعة متشابكة و خفية ناظمة للجوانب الايديولوجية للجوانب السياسية . فلا
يمكن أن يستقيم ,في نظرنا , مبدأ التكاملية المفترض كأساس لكل اتحاد إقليمي يتخيى
التكتل الإقليمي كخياره الاستراتيجي لمجابهة تحديات العولمة , و لم يتم ، لحد الآن
، الحسم ، من طرف نخبنا السياسية التي تعاقبت على هذا الملف الشائك ، في المعطيات
الايديولوجية و السياسية التي كانت نتاجا أفرزته في ستينيات و سبعينيات القرن
الماضي الحرب الباردة . فتجاوز السلبيات الطافية على سطح المشهد السياسي المغاربي و
المؤثرة عل دول و شعوب هذا الاتحاد المشلول مرتبط ، جدليا ، بهذا التوجه العقلاني
الذي سيحسم , بشكل جدي و مسؤول في قضايا أصبحت متجاوزة بفعل التقادم , و أولها و
ليس آخرها مشكل الصحراء .
ولا يفوتني أن أشير ، في هذا الصدد
، أن المغرب قد خطى خطوة متقدمة في سبيل حل مشكل هذا الملف ، و ذلك بطرحه للحكم
الذاتي في الأراضي الصحراوية . فتعنت الطبقة السياسية في الجزائر الشقيقة ما يزال
صلبا ، فقد ترى هذه الطبقة عكس ما يراه المغرب , لكن تعنتها يبقى في الأخير بدون
مبررات معقولة ، و هذا ما يزكي لدينا الطرح الذي نعتبر من خلاله أن مشكل تحديث
النخب السياسية في البلدان المغاربية هو مشكل مركزي و أساسي ينبغي حله وفق مقاربة
تشاركية .
هذا ، و ينبغي أن يعلم خصوم
الوحدة الترابية للمغرب بأن الحراك الاجتماعي و الشعبي الذي تعيشه دول الاتحاد
المغاربي نتيجة الثورات الشبابية التي تجتاح العالم العربي منذ مطلع هذه السنة (
2011 ) , قد عرى ما كان بالأمس القريب مستورا , و كشف عن الميكانيزمات التي كانت
تشتغل عليها النخب السياسية المغاربية . ميكانيزمات أصبحت منذ وقت غير قصير عقيمة و
بالية أمام ما تشهده كل المنظومات العالمية من تحول و تغير في بنياتها الاقتصادية و
السياسية و الاجتماعية و الثقافية و المعرفية . تحول أصبح أساسه الآن تملك
التكنولوجيا ، خاصة تكنولوجيا الإعلام ، و عقد الاتفاقيات و إبرام الصفقات و
المبادلات التجارية الحرة التي تستلزم خلق تكتلات إقليمية لمواجهة تحديات هذا
الاقتصاد المعولم .
فإذا كانت تونس و ليبيا ، بفضل
الفيسبوك و التويتر و اليوتوب ، تعيشان مخاضا سياسيا مباركا , سقط على إثره نظام بن
علي الديكتاتوري و أصبح نظام معمر القذافي قاب قوسين أو أدنى من السقوط , و سينتهي
الأمر بهما، إن شاء الله بفضل هذا الشباب الواعد ،إلى إرساء أنظمة ديمقراطية عادلة
ز نموذجية في المنطقة ، فإن موريطانيا و الجزائر مدعوتان ، اليوم و ليس غدا ، إلى
أن تستجيب كل واحدة منهما إلى نداء القدر , كما يقول أبو القاسم الشابي . هذا
النداء المغاربي الذي يخرج من أعماق قلوب كل المغاربيات و المغاربيين الشرفاء
الحاث على الاسراع بتفعيل المنظومة الاصلاحية الشاملة و تكريس ثقافة الديمقراطية و
العدالة الاجتماعية و توسيع مجال الحريات العامة .
أما المغرب ، فإن سلسلة الاصلاحات
التي ابتدأت منذ النصف الأول من تسعينيات القرن المنصرم لا تجعله في حكم الاستثناء
, فالاحتجاجات الشبابية التي تماهى مدها مع الحراك الشعبي الذي يعرفه العالم العربي
، قد تقلب كل المعادلات و كل الموازين و تربك كل الحسابات ، في رفعها ، كل حين ،
سقف مطالبها . " فليست دائما الدنيا هانية ّ"كما يقال بالدارجة المغربية , في مغرب
اليوم . وهذا يدعونا إلى طرح التساؤلات التالية : ما موقع المغرب من هذا الجو
الضبابي العام الذي يتخبط فيه اتحاد المغرب العربي , خصوصا بعد موجات الربيع العربي
التي عصفت و لا تزال تعصف بأنظمة سياسية عربية تجذرت بشكل مشوه و سلبي في الوعي
السياسي العربي ؟ و هل سيساعد الترتيب الداخلي للبيت السياسي المغربي ، و الذي
ابتدأ بسلسلة إصلاحات و انتهى بتتويجها بسن دستور جديد تعاقدي بين الملك و الشعب ،
على تعزيز الجبهات الوطنية الداخلية و تقويتها , لتجعل المغرب يمتلك زمام المبادرة
لإحياء روح اتحاد المغرب العربي و بعثها من جديد و ضخ دماء التجديد في عروقه ؟ و هل
سيشكل انضمام المغرب المرتقب لمجلس التعاون الخليجي حجر عثرة تعوق تعزيز العلاقات
بين دول الاتحاد المغاربي ؟
كإجابة عن هذه
التساؤلات ، ينبغي تسجيل نقطة هامة ندرجها في صالح المغرب و التي يمكن إجمالها في
كونه يعتبر من أكثر
البلدلن العربية , عموما , و المغاربية خصوصا , استقرارا على المستوى السياسي . لكن
في المقابل يمكن تسجيل نقطة سوداء ليست في صالحه و هي كون المغرب ، يعيش هشاشة على
مستوى التوازنات الاجتماعية و الاقتصادية , الشيء الذي يجعله في أمس الحاجة إلى جلب
رؤوس أموال أجنبية تضخ دم التجديد في جسده الاقتصادي و الطاقة في جسده الاجتماعي و
هذا سيدفعه ، حتما إلى انفتاح أكبر و خطير جدا على محيطه البعيد ، و نقصد هنا
انضمامه إلى مجلس التعاون الخليجي . و هذه هي بداية الطريق الثاني الملغوم .
ينبغي
التنبيه، في هذه النقطة الهامة ، إلى شيء مركزي ألا و هو أن هذا الانفتاح قد يضر
بمصالح المغرب الحيوية إذا لم تكن الخطوات مدروسة أو مسبوقة بطرح فرضيات أساسها
التوجه العقلاني و الحكامة المستنيرة . فإذا كان المغرب قد أبدى إعرابه عن استعداده
المبدئي لرسم الخطوط العريضة لوضع إطار تعاون بينه و بين مجلس التعاون الخليجي
تلبية لدعوة هذا الأخير , فإن ذلك لا يعني أن الأبواب قد تفتح له على كل الاحتمالات
الممكنة الايجابية , فقط ، بل ، و هذا هو الأساسي , ينبغي عليه أن يضع في الحسبان
كل الاحتمالات الممكنة السلبية أيضا . فقد يشكل هذا الانضمام المرتقب خطوة كبيرة
للمغرب تدفعه إلى الأمام نحو تعزيز استقراره السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي ,
بفضل ما قد يعود عليه من نفع كبير و خير عميم , و ذلك من خلال الاستثمارات و رؤوس
الأموال الخليجية التي ستضخ ، و لا شك ، دما جديدا في شرايين جسده الاقتصادي و
الاجتماعي . كما قد يشكل هذا الانضمام ، وبالا عليه , يدفعه مكرها إلى الدخول في
وضعيات صعبة قد لا يخرج منها إلا بتبعات قد تسبب له , لا سمح الله , أزمات سياسية و
اقتصادية هو في غنى عنها . فالواقع يقر بحقيقة لا مفر منها و لا ينبغي نكرانها و
هي أن الدعوة الخليجية الدسمة هاته للمغرب ، قد ارتبطت , كما يشير أهل الاختصاص في
العلاقات الدولية , بالظرفية السياسية التي تعيشها دول الخليج و بالحراك المجتمعي
الذي بدأت تفرزه ثوارات الشعوب العربية . فالمغرب مدعو ، إذن ، إلى
التفكير في
تجديد نخبته السياسية و الاقتصادية ، قبل الاقدام على هذه الخطوة الملغومة . فهذا
التجديد سيبعده ،لا محالة ، عن الرؤية التي قد تدخله في متاهات البراغماتية
الاقتصادية و السياسية الضيقة التي ستجعل منه مجرد شريك عسكري ومخابراتي , أو "
حارس ليلي " يحرس بمقابل أجر سخي يتقاضاه ، امبراطوريات النفط " العظيمة ّ"
.
و نعود من
جديد لنطل من الزاوية المؤطرة للمشهد المغاربي ، و نقول , في الأخير , أنه بالرغم
من الوضعية الحرجة التي سبق ذكرها , التي يعيشها اتحاد المغرب العربي ، نرى المغرب
مصرا على تشبته بعضويته في هذا الاتحاد . معتبرا إياها مسألة مبدئية أولا و آخرا ,
لكن ما نخشاه هو أن يصبح مع مرور الوقت , و بسبب معضلة الصحراء التي لم يتم إيجاد
حل نهائي لها ، أمام اتحاد مغاربي باعتباره خيارا استراتيجيا مركزيا , لكن , مع
كامل الأسف ، تنقصه الفائدة . فهذا الاتحاد المشلول تعوزه القدرة على خلق أسياسيات
ذاتية و اندماجية فعليتين ، تقوي مختلف الجبهات الداخلية ، التي استساهم في تمتين
الجسور و ستقود شعوب المنطقة نحو الازدهار و التقدم و الرفاه الاقتصاديين .
و في الأخير ، يمكن القول ,
كاستنتاج عام ، أن الدول التواقة إلى فعل التغير , بدأت تعي جيدا مثبطات النهوض و
تسعى جادة إلى قراءة محيطها الجيوسياسي و الجيواقتصادي قراءة تأخذ بعين الاعتبار
مختلف الجوانب المشتركة بينها و بين هذا المحيط دون إغفال الخصوصيات الثقافية و
الإيديولوجية . فالنظرة المندمجة لكل الأمور الصغيرة و الكبيرة قد تعتبرعاملا فاعلا
في حل الإشكالات و المعضلات الكبرى التي قد تفرزها وضعيات جد معقدة تعوق سيرورة كل
تكتل ينشد الوحدة و التعاون المشترك . فالحوار الجاد و المسؤول و صيانة السيادة و
الاستقلال لكل دولة من دول أعضاء الاتحاد , و كذا صيانة الهويات و الخصوصيات
الثقافية , و تشجيع للتعليم و الرفع من المستوى الثقافي و التحصيل العلمي لإنتاج و
إعادة إنتاج بنيات ثقافية ترسخ ثقافة المشاركة و التشارك و تعميم سبل تعميقها و
تجدرها في وعي و لاوعي الأفراد و الجماعات , هذه كلها عوامل مركزية مساعدة على
تحقيق توافق و انسجام بين الدول الأعضاء لكل اتحاد ينشد الرقي و الازدهار
.
أضف الى مفضلتك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق