الأربعاء، 23 يناير 2013



 


عبد الجبار الغراز

في رحاب الطفوله ..

غنيت كالهديل

أغنية لم تكبر معي ..

وفي أقصى النشوه

بنيت صحبة الأتراب ,

في الأزقه ..

في حجرة الدرس المتسخه ..

بأحجار الدرب

وطن المستحيل ..

في رحاب الجامعه ..

بعثرت أوراق كراستي

لأجمع شتات الأمكنه ..

و الأزمنه

و أعلنت ميلاد الفكره ..

سألت الأستاذ المحاضر ..

تلو الأستاذ ..

سألت ..

ثم سألت ..

ولم أتعب من طرح الأسئله ,

عن غدي المرتقب

المحمل بتباشير الفجر ..

و أحلام ليلة ماضيه ..

في رحاب زمن فارغ ..

قتلت الشوق و الأمل ..

أكثر من مره ..

ورقصت أحلامي

رقصة الديك المدبوح

و آخيت التسكع على أعتاب الجروح

في رحاب ” أم حنون ” .. هكذا تبدى لي ..

انتشلتني بالصدفه

من عام الأحزان .. و الشجون

و قدفتني إلى عالم ..

مارست فيه شغبا ” طاطويا(1) ”

اقترب من الجنون ..

و كنت في ” أمتزكين (2)”

أسأل , في كل ليلة , الجبال و الوديان ..

أسأل قلبي الحزين :

أغدا ..

سترحل عني كل هاتي .. الظنون ؟؟؟

في رحاب الموت البطيئ ..

استكان أنين جرحي ..

لما سكبت نبيذ الشوق

على قدحي ..

فأقبلت شياطين فكري ..

مسرعة تقدم لي ..

فروض الطاعه ..

وترقص ..

ثم ترقص ..

ثم ترقص ..

لتكتمل ملامح

القصيده ..

عبد الجبار الغراز :آكادير – المغرب


هوامش :
(1) طاطويا : نسبة إلى مدينة طاطا و هي مدينة صغيرة بجنوب المغرب

” (2) أمتزكين ” قرية نائية توجد في أقصى الحدود بين مدينة ” طاطا ” و مدينة ” وارزازات المغربية

عن موقع " دروب " 21 يوليوز 2009

السبت، 19 يناير 2013


عظمة الفلسفة

عبد الجبار الغراز

" تأملات ديكارتية "؟؟؟ .. يا سلام ..
لقد كانت لفظة " فلسفة" تستهويني منذ أن بدأت أعي بعضا من شروط وجودي كإنسان .. كانت تترك أثرا ساحرا في نفسي . كانت تدغدغ مشاعري , و تجتاح كل خلية من خلايا جسمي , و تأخذني إلى مجالها الرحب و الواسع حيث الأفكار تسبح و تتماوج في إيقاع موسيقي رائع .
كل هذا كان يحدث لي , و أنا فتى بدأ يتخطى عتبات الطفولة بخطى ثقيلة , و كأنها لا تريدني أن أغادر أرض الصخب و النزقية و المشاكسة . فمن منا يا سادة يا كرام لم يتذكر عهد الصبا ، ومن منا لم يترك العنان لماضويته أن تفرض عليه سلطتها و عنفها اللطيف , و من منا لم يقاوم ذلك الشعور النبيل الذي يجتاح كينونته ساعة الانحسار ؟؟؟
تأتي بعد لحظة عشق الفلسفة , لحظات سكونية , أتاحت للذات فرصة الاتحاد بالمطلق من خلال النص القرآني و الحديثي ،وتمثلهما ، وكأنها مسافرة اليوم ،  قبل غدها ، إلى ملكوت الله . فعاشت لحظات عشق الصوفي الزاهد في هذه الحياة . لا شيء يكدر صفوعيشها . كانت تنعم برحيق رباني تحس به يسري كالدم في خلاياها .
و فجأة تشاء الأقدارالربانية أن يسافر عزيز على النفس من أهلي إلى دار البقاء ( الأم ) , وتختلط الأمور و تتشابك في عقلي . و أصبحت أطرح الأسئلة تلو الأسئلة على نفسي , و كان مرشدي الأول إلى طريق الإشكاليات و التفلسف كتاب : " تأملات ميتافيزيقية " لديكارت . فقد كان جائزة من بين الجوائز التي حظيت بها أختي الكبري في" ثانوية كشكاط " العظيمة , وما زلت أحتفظ به في مكتبتي إلى الآن .كان هذا الكتاب إلى جانب ثلة من أمهات الكتب الفلسفية التي قادتني طوعا إلى خيار التفلسف . ووجدتني أتصفحه ورقة ورقة , وألتهم أفكاره التهاما . كان ديكارت , بالنسبة لي , أكبر مفت في محراب التفلسف . فقد أتاح لي أن أعيد ترتيب أبجدياتي الوجودية من جديد . ما أعظم هذا الفيلسوف و ما أروع فلسفته  . فقد كانت  هذه الأخيرة ، تمثل لي تلك الأرض الصلبة التي تأسست بفعل اليقين الذي لم يعد يركن إليه  شك ، لأنه بني على أساس قواعد منهجية صارمة . فأصبح كياني كله عينا مرتابة ، أو أذنا متصنتة تجيد فعل الاستماع إلى الهامشي قبل المركزي . فقررت ساعتها ، أن أكون ديكارت نفسي بامتياز .
لكن الأفكار تتجدد و تتغير باستمرار .. و تساءلت مع ديكارتي الكبير , الذي يسكنني , عن جدوى عقلانية صورية بدون محتوى مادي يعطي لها أسباب العيش في كياني لفترة طويلة .. فجاءت لحظة " دافيد هيوم " و " جان لوك " " و ستوارت ميل " و بعدها جاءت لحظة العقل النقدي الخالص و العقل الأخلاقي العملي الكانطيين , ليوجها معرفتي صوب الأسس المنهجية لحدوث معرفة ممكنة , فكانت طامتي الكبرى هي الإجابة العسيرة عن سؤال أعسر : كيف يمكنني أن أتجاوز فيلسوفي و أستاذي المفضل , الذي لقنني أبجديتي الفلسفية ؟
فكانت الإجابة نابعة من وحي عالمي الداخلي آتية من ديكارت نفسه يخبرني أن المسألة ليست معقدة , فطلب مني أن أعيد قراءة كتابه " قواعد في المنهج " فاهتديت ساعتها إلى اليقين .
فشيئا فشيئا بدأت أعي بأن الحواس لا تخدع , وأنها تشكل هي و الواقع الحسي الخارجي شرطا من شروط أية معرفة يقينية ممكنة . هنا أصبح فعل تجاوز أرض الكوجيطو مشروعا بالنسبة لي . فلو عاش ديكارت حتى زمن كانط لعدل من عقلانيته ,وأسس فلسفة جديدة تأخذ بعين الاعتبار الواقع الموضوعي الماثل أمام الذات العارفة .
ومع مرور الوقت و مع الاحتكاك بالأساتذة , مبارك وساط , وفقي , واعزيز , عبد السلام بنعبد العالي , سالم يفوت , بنسالم حميش ,محمد عابد الجابري , محمد جسوس , ادريس بنسعيد , بوعسلة التباري , الداشمي , المختار الهراس , رحمة بورقية ... و أصدقاء الدرب الفلسفي , أصبح المفهوم الفلسفي النتشوي و الماركسي و السارتري و الهيدجدري و الفوكوي و البارطي و الفرويدي و الفيبري و البورديوي ... يتشكل بالتدريج و يحفر آباره العميقة في كل شبر من أرض صلبة متكلسة من روحي .
فهذا الوجد الفلسفي و هذه الشعلة المتأججة في أعمق أعماق كياني , وهذه اللوثة الجهنمية التي تجتاحني حين أصبح و أمسي , أنقلها الآن إلى من بعدي من أجيال وطننا الحبيب ,بكل عشق و جنون , أولا في ثانوية محمد البقالي بآيت ملول , وثانيا بثانوية فيصل بن عبد العزيز بالدشيرة الجهادية .
فشكراجزيلا للفلسفة و الفلاسفة
..

 شكرا لأساتذة شعبة الفلسفة وعلم النفس و علم الاجتماع بكلية الآداب , جامعة محمد الخامس بالرباط , بدون استثناء ..

 شكرا لطارق جمال الإدريسي ..

 فلولاه ..

لكان بوحي الفلسفي هذا .. تحت تأثير سلطة نرجسية قاتلة.

عن موقع مطر مطر مارس 2008

الثلاثاء، 1 يناير 2013

المنظومة التربوية المغربية : من المسؤول عن تعنيف نساء و رجال التعليم ؟


المنظومة التربوية المغربية  : من المسؤول عن تعنيف نساء و رجال التعليم ؟

 

       يضع ، من جديد ، حادث تعرض أستاذ إعدادية سلا للذبح من طرف تلميذ له ، المنظومة التربوية المغربية موضع تساؤل .فالحادث ، كما نعلم جميعا ، ليس بشيء عابر ، فهو يشكل ظاهرة خطيرة تنضاف إلى جملة المصائب التي تحل على أسرة التعليم المغربية . و هذا يقتضي من المهتمين و المسؤولين الانكباب عليها من أجل تحليلها و مناقشتها ، بشكل جدي ، لتطويقها قبل أن يستفحل أمرها و يقودنا إلى ما لا تحمد عقباه .

      هذه الإشارة الهامة تدفعنا ، إلى أن نطرح السؤال التالي : من المسؤول عن هذه الظاهرة الخطيرة ؟

      و كجواب عن هذا السؤال ، يمكن القول أن ظاهرة التعنيف الممارس على نساء و رجال التعليم في المغرب ، من قبل تلامذتهم ، لم يأت من فراغ ، بل كان ثمرة مخطط ممنهج سعى إلى إفشال المدرسة العمومية المغربية ، و ذلك عبر إفراغها من كل مضمون تربوي تنويري حقيقي للإجهاز، في الأخير ، على كل ما تبقى منها ، بشكل نهائي.

 

    و لتحليل هذه القضية ، بشكل مركز، يقتضي منا الأمر العودة قليلا إلى الوراء ، لنعرف مكمن الداء .

     إن الكل يعلم ، أن المغرب قد دخل في مغامرة التنافسية ،  منذ بزوغ شمس العولمة الاقتصادية، و بداية زحفها الأولي و التدريجي على بقاع العالم ، و ذلك بداية عقد التسعينيات من القرن المنصرم . دخلها دون أن يحسب العواقب بشكل جيد . فعالم التنافسية هذا ، هو عالم الرأسمالية المتوحشة الذي لا منطق له . فالداخل إليه مفقود و الخارج منه مولود. عالم محيطه يتغير باستمرار، فعلى الداخل إليه أن يتفاعل بسرعة معه ، و يستجيب لمتغيراته مستجداته ، و يتنازل عن بعض حقوقه السيادية و الاستراتيجية في تسيير دوالب الحكم و الاقتصاد ، و يكيف أداته السياسية ، بشكل فوري ، تبعا لإملاءات السيد الجديد .

   و هكذا ، و بسرعة ، وجد  المغرب نفسه أنه مفروض عليه أن يبرم معاهدات و يصادق على اتفاقيات لم يستسغ مضامينها و لم يهضم بعد حمولتها الإيديولوجية و يدرك أبعادها الخفية و تأثيرها المباشر و غير المباشر على جيله الحالي و على أجياله اللاحقة .

    باختصار .. لم يكن المغرب في كامل استعداده المادي و لياقته الاقتصادية للدخول في هذا العهد العالمي الجديد ، لأنه ، بكل بساطة ، لم يحسم بعد، منذ الاستقلال السياسي عن فرنسا إلى الآن، في إشكاليات كبرى ورثها عن الدوائر الاستعمارية التقليدية . يتعلق الأمر بإشكالية التخلف و التنمية و التبعية . و الآن ، و بعد أن فاته قطار الحسم هذا ، ظل يعاني طيلة العقود الماضية من هذه الوضعية التي تكبل إرادته عند كل منعطف حاسم يروم فيه تحقيق التغيير الحقيقي لأوضاعه . لقد " عصرن " المغرب ، بعيد الاستقلال السياسي ،  بنياته السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ، لكنه ، في نفس الوقت ، ترك الأصيل يتعايش مع العصري و التقليدي يتعايش مع الحداثي . و الأغرب في الأمر ، أنه راهن في هذه " اللخبطة السوريالية "  على نخب سياسية و اقتصادية كانت , و لا تزال ، وريثة للاستعمار الكلاسيكي ، فترك إرادته السياسية  تتأرجح، ذات اليمين ، مرة ، و ذات الشمال ، مرة أخرى ، في ظل حرب باردة أتت على كل اخضر و يابس، و بقي على هذه الحالة ، مفتقرا للأساس الصلب الذي سيعيد له توازنه لرؤية الأمور بشكل واضح و سليم .

    انطلاقا من هذا الوضع الإشكالي ، يمكن  صب تلك السلسلة الكبيرة من الإصلاحات التي طالت حقل التربية و التكوين بغية تحسين جودة المنتوج التعليمي و جعله متكيفا مع مستجدات محيط متغير باستمرار ، و توفير موارد بشرية قادرة على الإبداع و الابتكار لتلبية رغبات السيد الجديد صاحب الشركات العابرة للقارات . لكن تلك الإصلاحات كانت ، دائما ، و  لنفس الأسباب ، تبوء بالفشل .  

       لقد أصبح، منذ ذلك الحين،  من المسلم به اعتبار حقل التربية و التكوين بالمغرب من أخطر القضايا المصيرية ، التي ينبغي على كل القوى الفاعلية في البلاد من أحزاب و نقابات و جمعيات و غيرها و  التفاعل معها، بشكل جدي و سريع ، و اعتبارها القضية الوطنية الثانية ، بعد قضية الوحدة الترابية ، خصوصا بعد التقرير الصادم للبنك الدولي الذي صدر سنة 1995 . و هكذا ظهر الميثاق الوطني للتربية و التكوين الذي أريد له أن يكون رائدا في رسم خارطة طريق تشق دروب" التنمية " المزعومة ، و فشل ، هذا الأخير ، فشلا ذريعا في هذا الصدد ، لكنه نجح في خلق أزمة ثقة بين الأسرة و المدرسة العمومية ، و انسحب من مسرح الحدث التربوي  ليفسح المجال للمخطط الاستعجالي لإتمام مهمته الخطيرة : الإجهاز على مكتسبات المدرسة العمومية .  

      فليس ببعيد أن يرى مجتمع بعين التفاؤل أبناءه يتمتعون بالميزات الحميدة التي ترفع من شانه بين مصاف المجتمعات الأخرى :  أبناء متنورون و عقلاء ، و ليس  مجرد أبناء جهلة ، حولهم اليأس إلى كائنات تتغذى أرواحها البئيسة على العنف، إذ من السهل جعلهم أداة طيعة في يد الأعداء  لتصيرها كيفما تشاء . لكن المسألة هنا ليست مرتبطة بالبعد أو بالقرب ، بل مرتبطة بأزمة اختيارات ، أزمة قناعات ، و أزمة نخب ( أو بتعبير رئيس الحكومة ، أزمة أشباح و عفاريت سيدنا سليمان ) لا هم لها سوى التماهي مع سلطة و نفوذ الرأسمال .

     لا أحد يستطيع أن ينكر أن منظومتنا التعليمية تعيش الركود في شتى الأصعدة، . فقد عجزت ، رغم سلسلة الإصلاحات ،عن إنتاج الآليات و الأدوات التي ستساهم ، بشكل أساسي و جذري في ،  خلق الروح القوية و الشجاعة في الإنسان المغربي، الهازمة لليأس و المكسرة، في الدواخل  العميقة ،  للخوف المعشعش في النفوس .

         فالتعليم في المغرب ، منذ الثمانينيات من القرن المنصرم ، كان ، بالفعل ، هادفا . لكن هدفيته تلك ، كانت تصب في اتجاه شل القدرات الفكرية للمتعلمين و المتعلمات ، بدل تحفيزها و تنميتها بشكل تصاعدي .  فلم نعد نرى ذاك اللهب ولا تلك الشرارة ، التي كانت توقظ في كل ضمائر التلميذات و التلاميذ جذوة الحماس في تحصيل العلم و تلقي المعارف . فمنذ بداية ذلك العهد ، غرق أطفالنا و شبابنا الواعد  في مستنقع التخلف الفكري و التسطيح الممنهج الذي طال وعيهم ، و لم يجد المغرب من مفر و من وسيلة للخروج من الوضع المترتب عن هذه الحالات الميؤوس منها ، سوى إثقال المغرب بالديون، و تركيع  أبناء الشعب المغلوب على أمره . و تخصيص جزء كبير من هاته الديون في جلب خبراء بقصد إعطاء الوصفة السحرية لتنويمه و تخديره ، أو شراء الأسلحة لقمع الانتفاضات و المظاهرات  المطالبة بالحقوق و صون الكرامة .

        لقد تسارعت ، في العقود الأخيرة ، وثيرة النمو الديمغرافي ، حيث احتل الشباب الصدارة  كأعلى نسبة في هرمه السكاني ، لكن في المقابل ، استفحلت ظاهرة البطالة في خريجي الجامعات . فاكتشف الشباب أن تكوينهم الجامعي لم يعد  ينسجم مع مستلزمات سوق شغل دائما يغير من معاييره وكذا طرق إدماجه لمختلف الموارد ، خاصة الموارد البشرية ، تبعا لمستجدات محيط يتغير بشكل مستمر و متجدد . فارتفع مستوى التطلعات في صفوفهم ، نتيجة ما وفرته وسائل الاتصال الجماهيرية ، خاصة الإنترنيت و التلفزيون من ثقافة التسطيح و التغييب للوعي  و ذلك من خلال ما تبثه من برامج ترفيهية و مسلسلات و أفلام أجنبية مستوردة  تزيد في تعميق الهوة بين الإنسان و الواقع ، فتضاءلت فرص العمل أمام الشباب المتخرج في تحسين وضعهم المعيشي لتحقيق عيش كريم ، و استسلم هذا الأخير ليأس قاتل .

 و حتى يتسنى تحقيق الأهداف بقصد  تطويع هذه القاعدة العريضة من الشعب و إذلالها ، خاصة شبابها ، سعت القوى المتحكمة في مراكز اتخاذ القرار إلى  توسيع الهوة بين الإنسان و واقعه عبر نسف ذلك الجسر الذي يسهل المرور من اكتساب المعارف و المهارات و الكفايات بمختلف أنواعها إلى الانفتاح على مختلف الممارسات الحياتية المتشعبة ، و الذي ترسيه و تدعمه المؤسسات التعليمية ، و ذلك عبر انتهاجها لسياسات تربوية نفخت في الجسم التربوي روح التيئيس و التبخيس .وقلصت ، بفعل ذلك ، من حجم هذا مد فكري  و وعي تنويري متصاعد بدأ يتجذر في بنياتنا الفكرية ، و ينتشر و يتوسع بسرعة  في أوساط تلاميذنتا و طلبتنا .  و ترتب عن هذا الإجراء الممنهج تراجع دور الثقافة المتنورة و الواعدة بشكل مواز مع تراجع الدور التنشيئي للأسرة و للمدرسة ليحل مكان هاته الأدوار إعلام سمعي و مرئي ترفيهي الغرض منه هو تمييع  كل ما هو جميل و هادف و جدي و جعله مبتذل و غير صالح إلا كديكور و ك " فترينة "  فانتهجت سياسة مهرجانات الموسيقى و الرقص بغرض إلهاء الشباب ، و إبعادهم عن همومهم الحقيقية . فباسم الثقافة يخضع الشباب لتخطيط ممنهج ، حيث يتم تصفية و إقبار ما تبقى من أمل في تغيير حقيقي لأوضاعهم  .

      إن ما يحصل اليوم ، في المجتمع المغربي ،  من تطورات هامة ، والتي بدأت تمس الآن هياكله السياسية و التشريعية والقانونية و الاقتصادية و الاجتماعية ، و التي توجت بسن دستور جديد ، يعتبر نتيجة الحراك الذي عاشه مؤخرا المغرب ، تماشيا مع ثورات الربيع العربي ، و الذي بفضله استطاع الإنسان المغربي أن ينفلت من حلقات سلسلة من الكوارث و الاحباطات النفسية التي أثقلت كاهله و جعلته عرضة للتفكك النفسي و الاستيلاب الاجتماعي و الغبن السياسي . فسياسات العهد القديم  كانت تطبخ ، من وراءه ، في الكواليس. و أغلب القرارات التي أخرت البلاد و العباد لسنين طويلة عن ركب الحضارة و الديمقراطية و الحرية ، كانت تتخذ في غفلة منه .

    و في الأخير ، يمكن القول ، أن  السلوك الإنساني التعاطفي الذي سلكه رئيس الحكومة تجاه الأستاذ الضحية و تجاه نساء و رجال التعليم فهو سلوك محمود ، لكنه غير كاف . فحكومته مدعوة ،أكثر من أي وقت مضى ، إلى أن تفي بالتزاماتها و عهودها تجاه ، منظومة التربية و التكوين .فالاعتداءات الشنيعة في حق مربيي الأجيال الصاعدة هو، في حد ذاته ، تعبير صريح بأن منظومة التربية و التكوين قد فشلت فشلا نهائيا ، و أن على أصحاب القرار في هذه البلاد العزيزة ، أن يراجعوا أوراقهم و يعيدوا النظر في طريقة تدبيرهم لهذا القطاع الحيوي في البلاد ، قبل فوات الأوان .