الاثنين، 6 أغسطس 2012

العرب وإشكالية الخروج من وضعية التخلف المركبة

كتبهاعبد الجبار الغراز ، في 12 نوفمبر 2009 الساعة: 16:27 م


تعيش المجتمعات العربية, تخلفا حضاريا جد مركب, جعلها في وضع بين الأمم و الحضارات الأخرى لا تحسد عليه. تخبطت فيه منذ قرون عديدة. وقد ظهر هذا التخلف بصور و أشكال مختلفة , بحسب طبيعة و خصوصية كل فترة تاريخية من فترات هذه الحقبة الطويلة المظلمة .كان أبرزها دخول هذه المجتمعات, منذ الاستقلال حتى الآن, في مسلسل " تحديث « للبنيات العتيقة, السياسية, والاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية التي تتسم بها, حاولت فيه تطبيق نماذج حضارية غربية شملت مختلف مظاهر الحياة العصرية ( إدارة, عسكر, تعليم… ) بشكل تعسفي جعل, في النهاية, التعايش ما بين "العصري" و "التقليدي" العتيق يتسم بالمفارقة, و جعل, بالتالي, المشهد الحضاري العربي الآني يبدو قاتما .
فمنذ أن استفاق العرب من " كومتهم العميقة " التي سببتها ضربات " الغزو المغولي, انتهجوا طرقا و سياسات و استراتيجيات مختلفة بغية التقليص من هذه المسافات و التباعدات الحضارية بينهم وبين المجتمعات المتحضرة . فمنهم من فتح شرفات الوطن لتهب نسمات الغرب بنكهة ليبرالية و رأسمالية , و منهم من أوصد كل المنافذ و سد جميع الثغرات و اكتفى بمغازلة الحاضر على إيقاعات نوستالجية اشتراكية , و منهم من توسد " عقائديات " خالدة و افترش أمجاد و بطولات الأجداد , و راح في نوم " دوغماتي " عميق لم يستفيق بعد منه .
كل هذه الأصناف , تمثلت لها صورة الغرب , على أنه ذلك "الآخر المزعج " الذي تغلغل في النسيج الثقافي و فجره تفجيرا , و استباح المعايير والنظم الأخلاقية والمقدسات المصونة,بعيدا عن كل التصورات الواقعية التي ستخرجها من مأزق تنمية غير محسوبة النتائج و العواقب , لا تقود إلى التحديث الحقيقي المستدام .
وقد ازدادت حدة مفعولات هذه "الإستيهامات " الرافضة , لا شعوريا , للغرب و عصرنته , مع بداية هذه الألفية الثالثة , نتيجة ما عرفته الحضارة الغربية الرأسمالية من طفرات و فجوات رقمية استجابة للتطورات التي شهدتها الثورات العلمية في مجال الاتصالات و التكنولوجيات الرقمية .
فإذا كان مفهوم" الحضارة " , كما عرفه الأنثروبولوجيون , يعني الإنتاج المادي و الروحي لدى شعب من الشعوب , و العمل على توريث هذه المكتسبات الثقافية للأجيال اللاحقة , فإن هذا التعريف يسمح بطرح التساؤلات التالية :
- هل يمكن الحديث عن حضارة ما و إغفال ذلك الإنسان الذي قام ببنائها؟
- كيف يمكن, إذن, فهم بناء حضارة دون فهم بناء الإنسان ؟
- وهل يمكن فهم الإنسان دون فهم دقيق لعالم الطفولة ؟
- ألا تشكل الخصائص و السمات النفسية , التي يكتسبها الأطفال , في المراحل الأولى و المتوسطة و المتأخرة من طفولتهم , بنيات تحتية و قاعدة مرجعية لوجودهم الفكري و الروحي و الأخلاقي الإنساني يصعب , مستقبلا , تغيير مواقفها و اتجاهاتها التي تستند عليها ؟
- وهل السلوك الإنساني هو ترجمة, إجرائيا و عمليا, لتلك التصورات الذهنية التي تتشكل, مند الطفولة إلى الرشد, من ثقافة المجتمع ؟
فبناء على هذه التساؤلات , يمكن تحليل وضعية أطفال العالم العربي , الذين يتعرضون لتنشئة اجتماعية , تستند , الآن , على وسائل جد متطورة فرضتها العولمة , أثرت في عقولهم و أنظمة إدراكهم , و أدت إلى تذويب الخصوصيات الثقافية , باسم" التنوع الثقافي ".
لقد بات هذا الإجراء الممنهج من قبل العولمة , تهديدا للمقومات الحضارية التي تستند عليها كل حضارة ما , تروم التجديد و التجدد , و بالتالي نسفا لتلك التي يسميها "كلود لفي ستروس " , ب"القاعدة الثقافية " التي تتأسس عليها هوياتهم و مرجعياتهم الثقافية و الروحية و الحضارية ؟
فإذا كانت العولمة,هي تعميم لنموذج ثقافي و جعله " عالميا " عبر نقله من مجال "الخصوصية " إلى مجال "الكونية ", وإذا كانت , أيضا , تشكل تعبيرا عن مرحلة " ما بعد الحداثة " كمرحلة تعيشها الدول الغربية , على مستويات عدة , في انسجام تاريخي مع شروط وجودها , كما يقول" عبد الله العروي ", فإنه لا يمكن أن تبدو لنا كعرب , إلا " تسويقا " لنموذجها الثقافي .
لا يقتضي منا, و الحالة هذه, لكي نخرج من وضعية التخلف المركبة, الاستهانة و الاستخفاف بالطفولة . فطابعها البنائي المتجه صوب تنمية مختلف القدرات و المهارات في الشخصية , يعزز الفعل التكويني للثقافة .هذا الأخير الذي لا يمكن بتاتا , رده إلى مجرد مكتسب معرفي , كما دأبت المقررات الدراسية في العالم العربي على ترسيخه في الفعل الديداكتيكي و البيداغوجي التربوي , بل يجب اعتباره نتاجا لتكثيف ثقافي ينحت الهويات في جسم الطفولة و يِؤصلها . فالإنسان هو صانع الحضارة و العكس أيضا صحيح.
عبد الجبار الغراز :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق