الأربعاء، 13 فبراير 2013


أي دور للفلسفة في بناء الإنسان العربي ؟

 

      يقوم موقع" الحوار المتمدن "  ببادرة حميدة ، ألا و هي استضافة مفكرين و كتاب مرموقين لإجراء حوارات معهم ، و ذلك بقصد معالجة قضايا العصر و الساعة . فهو ، من خلال هذا الفعل التنويري الهادف ، يسعى إلى تعزيز التفاعل البناء و الهادف ، بين هؤلاء المثقفين و بين قارئاته و قراءه الكثر، تكريسا لثقافة الاختلاف ، التي  حاولت قوى الاستبداد ، لغرض في نفسها ، أن تطمسها ، حتى تنفر منه قاعدة عريضة من هاته الشعوب المستضعفة ، و لا تستفيد من ثمارها الفكرية و تستنير من إشعاعها الحضاري و التاريخي كباقي شعوب المعمور .

    

   و هكذا،  فقد وجدناه ، في عدده الحالي ( 3999 بتاريخ  2013 – 02 –  10 ) ،  يستضيف المفكر خلدون النبواني ليشارك القارئات و القراء البحث و المقاربة في موضوع مهم مرتبط بدور الفلسفة في تحريك الشوارع العربية ، التي قامت بثورات لتدفع عنها الظلم و الطغيان و الاستبداد الذي هيمن لعقود طويلة ، فكتم الأنفاس و قتل في الإنسان العربي المقهور ، تلك الروح التواقة إلى الانعتاق و الحرية .

سأعمل ، في عجالة ، على تلخيص أهم الأفكار التي جاءت في هذا الحوار ، على أ، أتبعه بتعقيب على تلك الأفكار ، التي أراها أصيلة لأنها شكلت ، في رأيي ، إضافة نوعية للتقليد الفلسفي الذي راكم معرفة لا يستهان بها في مجال فلسفة الثورات .

 

      لقد تساءل المفكر خلدون النبواني ، في بداية هذا الحوار ، عن جدوى و فائدة الفلسفة في عصر بدأ يستعين بمعطيات تكنولوجيا الإعلام ليفرض قيمه " الجديدة " بكل سلبياتها و إيجابياتها : فهل يكفي الفلسفة  الاضطلاع بمهمة تفسير العالم ( هيجل ) أم بمهمة تغييره ( ماركس ) أم بمهمة تأصيله ( هيدجر ) أم بمهمة التحديق فيه ما دامت لا حول لها و لا قوة إزاء ه ( فتجنشتاين ) ؟

 

       و قبل الإجابة عن هذا التساؤل المهم ، لخص هذا المفكر المرموق ، الوضعية التفككية التي عاشها اليسار بشكل عام و اليسار العربي بشكل خاص ، بعيد سقوط جدار برلين و اندحار المنظومة الاشتراكية ، و شرح تراجع دوره في الحفاظ على التوازنات الدولية ،  تاركا كل المجال للمنظومة الرأسمالية لكي تطبق نموذجها " الحضاري " الرامي إلى الاستفراد بالعالم و مقدراته و الهيمنة عليه بشكل أبدي . ليخلص ، في النهاية إلى اعتبار أن هذه  الوضعية قد شكلت ، على الرغم من طابعها التفكيكي ،  ظاهرة صحية ، ما دامت ستسمح لهذا اليسار بإعادة هيكلة نفسه وفق نموذج تحليلي ماركسي أصيل ، سيستفيد من متغيرات الواقع و من نماذج معرفية و تحليلية أخرى ، لديها ما يكفي من المصداقية الفكرية والمنهجية و النجاعة العلمية لمقاربة الوقائع الجديدة. فمع بزوغ شمس الربيع العربي ، انتعش اليسار العربي و استعاد روحه و استرد " أطيافه " و" أشباحه " التي كانت تستوطن الفكر الفلسفي ، ليعيش، هذه المرة ، و من الداخل ، مكر التاريخ .

و كمحاولة للإجابة عن التساؤل المطروح ، اعتبر المفكر خلدون النبواني ، أن دور الفلسفة في تغيير العالم  كان خفيا ، لأنه لم يتحقق بشكل ثوري مباشر ، و إنما تحقق بشكل تراكمي :  فالفلسفة ، بحمولتها الفكرية ، قد لعبت دور الممهد لهذا التغيير القادم و المرتقب ، و ذلك عبر إمدادها لهذه المرحلة الانتقالية الطويلة ، بالعدة المفهومية اللازمة . فإنسان الشارع الذي قاد ثورات الربيع العربي لا يستطيع أن ينحت في الجسم الثقافي العربي مفاهيم مثل الحرية ، الديمقراطية ، العدالة ، المساواة ... والتي تولدت مع زخم الشارع ، لو لم يتم تأطير ثورته فلسفيا ، من طرف تلك الأطياف و تلك الأشباح القادمة من عمق التاريخ : ابتداء من الفلسفة اليونانية ومرورا من الفلسفة الإسلامية في العصر الوسيط و الفلسفة العقلانية و التنويرية في العصر الحديث و انتهاء بفلسفات الاختلاف و التفكيك في فترتنا المعاصرة .

       مما لا شك فيه ، يعتبرالتفلسف  مطلبا مجتمعيا أساسيا و استجابة وجودية و معرفية للحاجات الروحية لدى الإنسان ، كما يعتبر سدا لتلك الثغرات النفسية التي جعلت الكائن يتيه في دروب الحياة، حيث لا مخرج له منها سوى بالتأمل  للانفلات  من متاهاتها القاتلة .فتقدم الأمم يقاس بمدى سمو ثقافتها ، و هذه الأخيرة يقاس إشعاعها بمدى شيوع روح التفلسف بين أبناءها . ألم يعتبر ديكارت الفلسفة هي ذلك النمط الفكري الوحيد الذي يميزنا عن الأقوام البدائية و المتوحشة ؟

      ففي ظل المفاهيم الثورية الجديدة التي بدأت تتشكل و تتبلور مع ثورات الربيع العربي، ينبغي على المثقف العربي أن يربط الواقع الحالي للمجتمع العربي برؤية جديدة تأخذ بعين الاعتبار البعد القيمي من أجل فهم أن الإشكالية الحقيقية التي ينبغي مواجهتها مستقبلا ، هي مرتبطة بالمعايير الأخلاقية و المثل العليا التي نسعى ، عبر الخطاب الفلسفي ، إلى تكرسيها في وجدان الجيل الحالي و في وجدان الأجيال القادمة من الشعوب العربية .

     الفلسفة تدفع بالوعي إلى أن يتمثل ذاته انطلاقا من تمثل الواقع كمحيط يتغير باستمرار لاستيعاب مضامينه المتجددة . فهي ، بهذا المعنى ، تعتبر تلك القوة الداخلية التي تزود الإنسان بطاقة فكرية لازمة عند كل منعطف تاريخي و حضاري يعيشه ، فهي ، إذ تقوم بذلك ،  تجعله يبتكر آليات التفلسف المناسبة للمرحلة ، فعبر تلك الآليات ، يتساءل الإنسان عن مصيره فاحصا أدوات تفكيره التي يشتغل عليها و معيدا النظر في قناعاته الفكرية و المبدئية .

     لقد اعتبرت الفلسفة منذ فجرها الأول مع سقراط إلى الآن أن الإنسان هو قيمة القيم فالحق و الخير و الجمال و السعادة و الحرية و الديمقراطية ...ستبقى قيما جوفاء إذا لم تساهم بدورها في إغناء التجربة الوجودية للكائن الإنساني ، و ستصبح بدون جدوى أو نفع  في عالم بلا معنى ، كإيديولوجيات يوظفها الموظفون حفاظا على مصالحهم الحيوية، أو لاستبقاء امتيازاتهم الفئوية.

   لقد أدخلت السياسات البالية للديكتاتوريات العربية ، الإنسان العربي في متاهات راوبط الضرورة الحيوية ، و أصبح جهده منصبا على تحقيق الحد الأدنى من ضرورياته الحياتية ، الشيء الذي صيره مجرد عبد لشهواته البدنية و كائنا إنسانيا مفتقر إلى أساسيات الحياة الرفيعة و السامية التي لا تكون إلا بالارتقاء بفكره والسمو بمثله العليا.

  و عليه ، ينبغي تأصيل التفكير الفلسفي و تجذيره في الوعي و اللاوعي الجماهيري ، و ذلك بربط الفلسفة بالقيم و بالواقع العملي . و في هذا الصدد ، لا ينبغي أن ينسلخ المثقف العربي من واقعه و يتنكر لمبادئه و يخالف ضميره الأخلاقي .فالمجاهدة الفكرية الفردية للوصول إلى الحقيقة ستكون إهدارا للطاقة الروحية و الفكرية ، و ستصبح مجرد عبث فكري مترف ، إذا لم يتحاور هذا المثقف العربي ، مع أبناء جلدته الذين يقتسم معهم الهم في تغيير أوضاعهم الحياتية ، لبناء تصور و نظرة  جديدة للحياة .

الكل يعلم ، أن الغرب الرأسمالي ، عبر قيمه المادية السلبية ، قد أفرغ الإنسان العربي من كل معنى حقيقي قد يضفيه على نفسه ، و ذلك بتحويل مسار ثورات الربيع العربي إلى مجرد انتفاضات أقصى ما تطالب به هو تحسين الظروف المعيشية للشعوب العربية .  فالثورات العربية ينبغي أن تتحول إلى ثورات ثقافية تبني في الإنسان ذلك الشخص القادر على أن ينبعث ، كالعنقاء ، من رماده، أكثر قوة و أكثر صلابة ، مدفوعا بذلك الجهد الروحي الذي سيثمر قيما جديدة في مجتمع جديد .

و هنا يحق التساؤل حول مدى استجابة المثقفين العرب المعاصرين للتطلعات المستقبلية التي رسمتها ثورات الربيع العربي :  هل هناك أطار عام يرسم ملامح الجو الفكري ، و أرضية مشتركة تثبت عليها تداعياتهم الفكرية توحد تصورهم للغد و للمستقبل القريب ؟ 

العالم المحيط بنا لا يتطلب المعجزات ، بقصد المساهمة في فهمه و بالتالي في المشاركة ، كباقي شعوب الأرض ، في تغييره ، لأنه  ليس مسرحا يجسد صراعا بين كائنات ما ورائية ، بل هو مسرح يشخص الفعل البشري المستند إلى نقط ارتكاز ثقافية و أخلاقية و قيمية ، و أساسها الحرية كقيمة القيم .

تعمل الفلسفة على ترسيخ قيم العقل و النقد و الديمقراطية و الحرية و المسؤولية و الاستقلال بالراي لاتخاد الإنسان مواقف أخلاقية واعية من معيشه للانفتاح على قيم اخلاقية و جمالية و فكرية ، لإغناء التجربة الوجودية للكائن . فهاته الممارسة الوجودية الحياتية  تقتضي منهجا جديدا في العمل و التفكير يتميز بنوع من الدقة و وضوح في الرؤية للحاضر وللمستقبل ، لرسم الاهداف . و لن يتاتى ذلك ، حتما ، الا بتدريب العقل على اكتساب مهارات أساسية  لتنمية قدراته على التكيف السريع مع مستجدات المحيط  و اتخاد مواقف أخلاقية واعية تجاه الذات و اتجاه الآخر الحاضر بالقوة و بالفعل في وجداننا كشعوب مستضعفة ، تريد أن تبحث لها عن موطئ قدم صلبة في هذا العالم .

 

أي دور للفلسفة في بناء الإنسان العربي ؟

 

      يقوم موقع" الحوار المتمدن "  ببادرة حميدة ، ألا و هي استضافة مفكرين و كتاب مرموقين لإجراء حوارات معهم ، و ذلك بقصد معالجة قضايا العصر و الساعة . فهو ، من خلال هذا الفعل التنويري الهادف ، يسعى إلى تعزيز التفاعل البناء و الهادف ، بين هؤلاء المثقفين و بين قارئاته و قراءه الكثر، تكريسا لثقافة الاختلاف ، التي  حاولت قوى الاستبداد ، لغرض في نفسها ، أن تطمسها ، حتى تنفر منه قاعدة عريضة من هاته الشعوب المستضعفة ، و لا تستفيد من ثمارها الفكرية و تستنير من إشعاعها الحضاري و التاريخي كباقي شعوب المعمور .

    

   و هكذا،  فقد وجدناه ، في عدده الحالي ( 3999 بتاريخ  2013 – 02 –  10 ) ،  يستضيف المفكر خلدون النبواني ليشارك القارئات و القراء البحث و المقاربة في موضوع مهم مرتبط بدور الفلسفة في تحريك الشوارع العربية ، التي قامت بثورات لتدفع عنها الظلم و الطغيان و الاستبداد الذي هيمن لعقود طويلة ، فكتم الأنفاس و قتل في الإنسان العربي المقهور ، تلك الروح التواقة إلى الانعتاق و الحرية .

سأعمل ، في عجالة ، على تلخيص أهم الأفكار التي جاءت في هذا الحوار ، على أ، أتبعه بتعقيب على تلك الأفكار ، التي أراها أصيلة لأنها شكلت ، في رأيي ، إضافة نوعية للتقليد الفلسفي الذي راكم معرفة لا يستهان بها في مجال فلسفة الثورات .

 

      لقد تساءل المفكر خلدون النبواني ، في بداية هذا الحوار ، عن جدوى و فائدة الفلسفة في عصر بدأ يستعين بمعطيات تكنولوجيا الإعلام ليفرض قيمه " الجديدة " بكل سلبياتها و إيجابياتها : فهل يكفي الفلسفة  الاضطلاع بمهمة تفسير العالم ( هيجل ) أم بمهمة تغييره ( ماركس ) أم بمهمة تأصيله ( هيدجر ) أم بمهمة التحديق فيه ما دامت لا حول لها و لا قوة إزاء ه ( فتجنشتاين ) ؟

 

       و قبل الإجابة عن هذا التساؤل المهم ، لخص هذا المفكر المرموق ، الوضعية التفككية التي عاشها اليسار بشكل عام و اليسار العربي بشكل خاص ، بعيد سقوط جدار برلين و اندحار المنظومة الاشتراكية ، و شرح تراجع دوره في الحفاظ على التوازنات الدولية ،  تاركا كل المجال للمنظومة الرأسمالية لكي تطبق نموذجها " الحضاري " الرامي إلى الاستفراد بالعالم و مقدراته و الهيمنة عليه بشكل أبدي . ليخلص ، في النهاية إلى اعتبار أن هذه  الوضعية قد شكلت ، على الرغم من طابعها التفكيكي ،  ظاهرة صحية ، ما دامت ستسمح لهذا اليسار بإعادة هيكلة نفسه وفق نموذج تحليلي ماركسي أصيل ، سيستفيد من متغيرات الواقع و من نماذج معرفية و تحليلية أخرى ، لديها ما يكفي من المصداقية الفكرية والمنهجية و النجاعة العلمية لمقاربة الوقائع الجديدة. فمع بزوغ شمس الربيع العربي ، انتعش اليسار العربي و استعاد روحه و استرد " أطيافه " و" أشباحه " التي كانت تستوطن الفكر الفلسفي ، ليعيش، هذه المرة ، و من الداخل ، مكر التاريخ .

و كمحاولة للإجابة عن التساؤل المطروح ، اعتبر المفكر خلدون النبواني ، أن دور الفلسفة في تغيير العالم  كان خفيا ، لأنه لم يتحقق بشكل ثوري مباشر ، و إنما تحقق بشكل تراكمي :  فالفلسفة ، بحمولتها الفكرية ، قد لعبت دور الممهد لهذا التغيير القادم و المرتقب ، و ذلك عبر إمدادها لهذه المرحلة الانتقالية الطويلة ، بالعدة المفهومية اللازمة . فإنسان الشارع الذي قاد ثورات الربيع العربي لا يستطيع أن ينحت في الجسم الثقافي العربي مفاهيم مثل الحرية ، الديمقراطية ، العدالة ، المساواة ... والتي تولدت مع زخم الشارع ، لو لم يتم تأطير ثورته فلسفيا ، من طرف تلك الأطياف و تلك الأشباح القادمة من عمق التاريخ : ابتداء من الفلسفة اليونانية ومرورا من الفلسفة الإسلامية في العصر الوسيط و الفلسفة العقلانية و التنويرية في العصر الحديث و انتهاء بفلسفات الاختلاف و التفكيك في فترتنا المعاصرة .

       مما لا شك فيه ، يعتبرالتفلسف  مطلبا مجتمعيا أساسيا و استجابة وجودية و معرفية للحاجات الروحية لدى الإنسان ، كما يعتبر سدا لتلك الثغرات النفسية التي جعلت الكائن يتيه في دروب الحياة، حيث لا مخرج له منها سوى بالتأمل  للانفلات  من متاهاتها القاتلة .فتقدم الأمم يقاس بمدى سمو ثقافتها ، و هذه الأخيرة يقاس إشعاعها بمدى شيوع روح التفلسف بين أبناءها . ألم يعتبر ديكارت الفلسفة هي ذلك النمط الفكري الوحيد الذي يميزنا عن الأقوام البدائية و المتوحشة ؟

      ففي ظل المفاهيم الثورية الجديدة التي بدأت تتشكل و تتبلور مع ثورات الربيع العربي، ينبغي على المثقف العربي أن يربط الواقع الحالي للمجتمع العربي برؤية جديدة تأخذ بعين الاعتبار البعد القيمي من أجل فهم أن الإشكالية الحقيقية التي ينبغي مواجهتها مستقبلا ، هي مرتبطة بالمعايير الأخلاقية و المثل العليا التي نسعى ، عبر الخطاب الفلسفي ، إلى تكرسيها في وجدان الجيل الحالي و في وجدان الأجيال القادمة من الشعوب العربية .

     الفلسفة تدفع بالوعي إلى أن يتمثل ذاته انطلاقا من تمثل الواقع كمحيط يتغير باستمرار لاستيعاب مضامينه المتجددة . فهي ، بهذا المعنى ، تعتبر تلك القوة الداخلية التي تزود الإنسان بطاقة فكرية لازمة عند كل منعطف تاريخي و حضاري يعيشه ، فهي ، إذ تقوم بذلك ،  تجعله يبتكر آليات التفلسف المناسبة للمرحلة ، فعبر تلك الآليات ، يتساءل الإنسان عن مصيره فاحصا أدوات تفكيره التي يشتغل عليها و معيدا النظر في قناعاته الفكرية و المبدئية .

     لقد اعتبرت الفلسفة منذ فجرها الأول مع سقراط إلى الآن أن الإنسان هو قيمة القيم فالحق و الخير و الجمال و السعادة و الحرية و الديمقراطية ...ستبقى قيما جوفاء إذا لم تساهم بدورها في إغناء التجربة الوجودية للكائن الإنساني ، و ستصبح بدون جدوى أو نفع  في عالم بلا معنى ، كإيديولوجيات يوظفها الموظفون حفاظا على مصالحهم الحيوية، أو لاستبقاء امتيازاتهم الفئوية.

   لقد أدخلت السياسات البالية للديكتاتوريات العربية ، الإنسان العربي في متاهات راوبط الضرورة الحيوية ، و أصبح جهده منصبا على تحقيق الحد الأدنى من ضرورياته الحياتية ، الشيء الذي صيره مجرد عبد لشهواته البدنية و كائنا إنسانيا مفتقر إلى أساسيات الحياة الرفيعة و السامية التي لا تكون إلا بالارتقاء بفكره والسمو بمثله العليا.

  و عليه ، ينبغي تأصيل التفكير الفلسفي و تجذيره في الوعي و اللاوعي الجماهيري ، و ذلك بربط الفلسفة بالقيم و بالواقع العملي . و في هذا الصدد ، لا ينبغي أن ينسلخ المثقف العربي من واقعه و يتنكر لمبادئه و يخالف ضميره الأخلاقي .فالمجاهدة الفكرية الفردية للوصول إلى الحقيقة ستكون إهدارا للطاقة الروحية و الفكرية ، و ستصبح مجرد عبث فكري مترف ، إذا لم يتحاور هذا المثقف العربي ، مع أبناء جلدته الذين يقتسم معهم الهم في تغيير أوضاعهم الحياتية ، لبناء تصور و نظرة  جديدة للحياة .

الكل يعلم ، أن الغرب الرأسمالي ، عبر قيمه المادية السلبية ، قد أفرغ الإنسان العربي من كل معنى حقيقي قد يضفيه على نفسه ، و ذلك بتحويل مسار ثورات الربيع العربي إلى مجرد انتفاضات أقصى ما تطالب به هو تحسين الظروف المعيشية للشعوب العربية .  فالثورات العربية ينبغي أن تتحول إلى ثورات ثقافية تبني في الإنسان ذلك الشخص القادر على أن ينبعث ، كالعنقاء ، من رماده، أكثر قوة و أكثر صلابة ، مدفوعا بذلك الجهد الروحي الذي سيثمر قيما جديدة في مجتمع جديد .

و هنا يحق التساؤل حول مدى استجابة المثقفين العرب المعاصرين للتطلعات المستقبلية التي رسمتها ثورات الربيع العربي :  هل هناك أطار عام يرسم ملامح الجو الفكري ، و أرضية مشتركة تثبت عليها تداعياتهم الفكرية توحد تصورهم للغد و للمستقبل القريب ؟ 

العالم المحيط بنا لا يتطلب المعجزات ، بقصد المساهمة في فهمه و بالتالي في المشاركة ، كباقي شعوب الأرض ، في تغييره ، لأنه  ليس مسرحا يجسد صراعا بين كائنات ما ورائية ، بل هو مسرح يشخص الفعل البشري المستند إلى نقط ارتكاز ثقافية و أخلاقية و قيمية ، و أساسها الحرية كقيمة القيم .

تعمل الفلسفة على ترسيخ قيم العقل و النقد و الديمقراطية و الحرية و المسؤولية و الاستقلال بالراي لاتخاد الإنسان مواقف أخلاقية واعية من معيشه للانفتاح على قيم اخلاقية و جمالية و فكرية ، لإغناء التجربة الوجودية للكائن . فهاته الممارسة الوجودية الحياتية  تقتضي منهجا جديدا في العمل و التفكير يتميز بنوع من الدقة و وضوح في الرؤية للحاضر وللمستقبل ، لرسم الاهداف . و لن يتاتى ذلك ، حتما ، الا بتدريب العقل على اكتساب مهارات أساسية  لتنمية قدراته على التكيف السريع مع مستجدات المحيط  و اتخاد مواقف أخلاقية واعية تجاه الذات و اتجاه الآخر الحاضر بالقوة و بالفعل في وجداننا كشعوب مستضعفة ، تريد أن تبحث لها عن موطئ قدم صلبة في هذا العالم .