السبت، 4 أبريل 2015

جدلية العتمة و الضوء



أهدي هذه القصيدة ..
إلى كل قلم شريف .. 
و إلى كل شرفاء وطننا المكابر ..  

                                          جدلية العتمة و الضوء

 للمفسدين ،
صائدي هذا الوطن المسكين
، الذين انسلوا هاربين،
 قبيل فجر ذلك اليوم الأليم ،
من باب جبنهم الهجين ،
بعد أن جففوا ينابيع الفرات
و كنزوا الدينار ..
و الدولار اللعين ..
 و طرزوا على رقعة هذا الوطن
 الفوضى ،
 الألم و الأنين ..
و لم يخلفوا وراءهم ..
سوى هذا الحزن الدفين ،
 ليحصد الخيبات ..
 تلو الخيبات ، 
لهم أقول :   
" أنا فارس الحرف،
الكتابة بالنسبة لي
 ساحة وغى 
أصول فيها أنا ..
 و أجول ..
سأتعقب آثاركم
لأفضحكم
 يا فرسان الجبن
 يا من يحملون سكين الغدر
 ليفصلوا هامات أفكارنا عن أجسادها
و هوياتنا عن تربتها ..
فلتعلموا إذن ..
 يا فرسان الموت
أن تاريخنا ، الذي بيننا،  شاهد 
 لم يكن في يوم من الأيام
 محطة خفاء ..
 أو عتمة للاختباء..
إنه ضوء ينسج خيوطه الذهبية
  الشعراء
 بقصائد علت فوق كل سماء
لتنير كل هاتي الأجواء.
 فلا تعبثوا يا وجه الوسخ
بماضي الشرفاء .
و لا تنسوا ..  
أن تاريخنا الأليم ،
 مكر ..
و ليس كر
 و لا فر
  فأين المفر ؟
القصيدة منشورة في جريد " الأخبار " المغربية عدد : 768 الخميس 14 ماي 2015 

طفولة قاتلة .. و مقتولة !





طفولة قاتلة .. و مقتولة !
عبد الجبار الغراز


       يأبى " الإرهاب  " ، هذه المرة ، إلا أن يقدم للعالم دراما دموية ، في صورة جديدة ، حيث أظهر ، بنرجسيته المتعطشة للدماء ، الطفولة قاتلة، و في نفس الآن ، أظهرها  مقتولة ..
       فما معنى أن تكون الطفولة قاتلة و مقتولة في نفس الآن ؟
     
       طرحت على نفسي هذا السؤال بعدما شاهدت الفيديو الصادم الذي يصور مشهدا مروعا لطفل صغير يقتل ببرودة أعصاب رهينة ، بعد أن تسلم مسدسا أوتوماتيكيا من أحد عناصر تنظيم داعش ،  ولم  أجد لسؤالي هذا،  جوابا شافيا  يبدد أعاصير تلك النوبة الهيستيرية التي انتابتني . فالمنظر ، لو ندري ، فظيع بكل المقاييس ..
   
       نوبة لم أستطع الخروج منها إلا و في القلب غصة وفي الوجدان جروح أمدتني بحزمة من أسئلة من قبيل: 
     كيف يصيرسلاح فتاك يدا بيضاء ناعمة إلى يد خشنة  جبارة ، لا تعرف غير  لغة البطش والفتك وإزهاق الأرواح  ؟
      وكيف تتحول ،هكذا فجأة ، عينا ملاك رباني ، كانتا تفيضان ببريق البراءة والطهر، إلى عيني شيطان تقذفان الشرر والتوحش والغدر؟
      أ إلى هذا الحد يحول الإرهاب سكينة النفوس ، كما شكلتها يد الخالق ، إلى  زمهرير في ليلة عاصفة ؟
  
     لقد عودنا الإعلام المرئي ، في عصر طغيان ثقافة الصورة ، أن نرى أجساد الأطفال ، ضحايا الحروب الظالمة ، مرمية في الشوارع ، هنا ..  وهناك ، لكننا لم نتعود ، أبدا ، على رؤية طفل ينتحل ، قسرا ، صفة جلاد ليعدم بأعصاب باردة رهينته .
  
     فما أقبحه من سلوك  سالب للبراءة وللعفوية هذا الذي قامت به يد " الإرهاب "  !!! وما أغربه من سلوك يؤصل العنف والعدوان في جسم الطفولة البريئة !

    فقد يموت " الإرهاب"، لكن سيترك فراخه، وقد تلبس شيطان العنف والفتك والقسوة ، التي لا حدود لها ،  أرواحها البائسة . 
   أما كان من الأجدى أن تحمل يدا هذا الطفل المسكين، بدل المسدس ، أقلاما ملونة لترسم بها وطنا متوجا بالغد المشرق   الجميل ؟
     
    إن هذا المشهد الرهيب ، يدعونا إلى التفكير في مفهوم الإرهاب  لإعادة النظر فيه بقصد إعطائه  دلالة أخرى تقودنا إلى معرفة أن لهذا الأخير جذورا تغذت على ثقافة سلبية ما تزال ، للأسف الشديد مجتمعاتنا العربية والإسلامية أسيرة لها .. ثقافة تحكم ، مسبقا ، على الطفولة بالإعدام مع وقف التنفيذ ..


       " الإرهاب "، هذا الذي عرفناه ، انطلاقا من وسائل الإعلام ، والذي يتجسد في صورة وجه ملثم يخفي عن الأنظار ملامحه،اللهم إلا من أعين يتطاير منها شرر الحقد والكراهية، أو يتجسد في صورة يد خشنة تضرب الأعناق لتفصل الرؤوس عن أجسادها ، ما هو إلا صورة مظهرية لإرهاب خفي مبثوث في ثنايا الثوب ، قابع في أعماق النفوس الآدمية . إنه، بهذا المعنى الأخير ، بنيةune structure   نجدها قد تكونت و تفاعلت عناصرها و تأسست ، أول الأمر، في أسر تشكو من نقص مزمن في فيتامين  الدفء الأسري الناعم .. أسر لم  ترضع أطفالها ، قبل اللبن ، الحب و الحنان ، ولم تلبسهم  ، قبل الكسوة ذات الجودة الرفيعة ، لباس التقوى ، ولم تفطمهم على النبل وتقدير الذات واحترام النفس الذي لا يكون إلا بتقدير واحترام الآخر.

    كما قد نجده، ثانيا ، قد تأسس في الحضانة .. في المدارس.. في الاعداديات.. في الثانويات.. في الجامعات وفي الشوارع الحاضنة للوساخة والقبح الرافض لكل ما هو مفيد وممتع و جميل .     
       
     ففي ظل مثل هذه الأوساط الموبوءة ، يعيش الإنسان بلا حس إنساني و اجتماعي و جمالي يحميه من شر نفسه و من شرور غيره ، ،كائنا مغترب الكيان ، متماه مع أفكار شيطانية تجتاحه و تستحوذ عليه وتتلبسه و تفعل به ما تشاء، ليظهر متوحدا معها في جسم ناري حارق حامل لهوية شيطانية ممسوخة ، ويصبح ، في نظر العرف الإنساني و القوانين السماوية والوضعية ، إرهابي  بامتياز . وهو ، في حقيقة الأمر ، إنسان غير مسؤول عن أشياء قد ارتكبتها يداه ..
        
     فتدريب أطفال على ذبح الدمى و على حمل السلاح و استعماله في معسكرات التدريب لا معنى له سوى تكريس احترافية القتل و تأصيلها في وجدان طفولة تساق إلى متاهات الإرهاب ، بدل إلحاقها بالفصول الدراسية من أجل اكتساب المعارف والمهارات اللازمة التي ستساعدها على استيعاب الحياة في تركيبتها جد المعقدة ..

         فعندما ستصبح هذه الطفولة يافعة و تعوزها القدرة على فهم الواقع ، وقتها سيتسلل الخطاب الديني البسيط و السطحي إلى عقلها ليسحرها، فتنساق ، من حيث لا تدري ، إلى متاهات و دروب الفكر التكفيري الذي يحولها إلى مجرد آلة مبرمجة تأتمر بأوامر أياد تحركها في خفاء .
       
        إنه لشيء مؤسف أن نرى ، بعيون المستقبل الغامض والمجهول ، أجيالا ضائعة من الأطفال ، فاقدة لمعاني الحس الإنساني المشترك ، طامسة لماهيتها ، التي هي إنسانيتها . أجيال تتورط ، و هي في عمر الزهور،  من حيث لا تدري ، في حروب و ويلات أكبر منها، بحيث لا يستطيع عقلها الناشئ استيعاب ما يجري لها. فإذا كبر الجسم وشب فيه الكائن ، بقي العقل والوجدان ثابتين لا يتغيران، وقد احتواهما قالب التكفير احتواء، فيمسي الإنسان أسيرا لذلك القالب إلى أبد الآبدين . بعدها، تغدو تلكم النفس التي كانت مطمئنة ، تسرح في ملكوت الطفولة المرحة ، نفسا أمارة بالقتل والحرق و فصل الرؤوس عن أجسادها .. نفسا شخصانية مرضية تكشف عن أورام سرطانية اجتماعية ، لم يعد من الإمكان استئصالها.
       
        فهل سيستطيع ، بعدها ، الأطباء وعلماء النفس والأخصائيون الاجتماعيون معالجة ظواهر، ستظهر على سطح الأحداث بعد حين من الدهر ، وقد تجذرت في أعماق طفولة مغتصبة ، وانغرست كالألغام في قرارها المكين ؟  

       وقبل الختام ، أوجه خطابي إلى كل سياسيي العالم ، الذي هو بمثابة صرخة مدوية في وجوههم قائلا لهم :
       " رجاء أوقفوا هذا النزيف الحاد في جسم الطفولة .. إن صمتكم هو تواطؤ مع هذا الإرهاب ومؤشر دال على موت الإنسان فيكم .

       فافعلوا شيئا لأجل هذه الطفولة المسكينة قبل فوات الأوان ". 
نشر هذا المقال بمجلة الكويت عدد يونيو 2015 - رمضان - شوال 1436 تحت عدد 381