الأحد، 12 يناير 2014

مجزوءة المعرفة


مجزوءة  المعرفة

تقديم

     أحب ، قبل التطرق إلى موضوع المعرفة ، أن أسوق ، هنا قولة مشهورة للفيلسوف اليوناني أرسطو ، و التي مفادها أن اهتمام  الفلاسفة الأولين بالعلم لم يكن طلبا للمنفعة ، بل كان طلبا للمعرفة . و هذا الطلب  كان له هدف واحد هو إخراج الناس من ظلمات الجهل و الدخول بهم إلى نور المعرفة . لقد كانت الغاية الأسمى  من الفلسفة عندهم ،هي الفلسفة ذاتها .

      واضح من خلال كلام هذا الفيلسوف الفذ أن المعرفة هي فعالية إنسانية مهمة جدا بالنسبة للكائن الإنساني ، و نشاط استطاع بواسطته أن ينفلت من ضرورات و حتميات معطيات الواقع المادي الطبيعي ، ليلج بعقله إلى عالم المعرفة الأرحب و الأوسع ، انطلاقا من محاولته فهم و تحليل هذا الواقع  و إكتشاف القوانين التي تتحكم فيه ، و بالتالي إنتاج النظريات العلمية .

      و تاريخ المعرفة الإنسانية سجل كبير يروي قصة الإنسان في ارتباطه بالطبيعة و بالمجتمع من اجل دراسة مختلف ظواهرهما المعقدة و محاولة تسخير كل ذلك الجهد من أجل سعادة الإنسان ، سواء أكان فردا أو جماعة .

     و من أجل تحقيق هذه الغاية الأسمى ، و حتى لا تتحول معارف الإنسان و ترتد إلى مجرد معطيات حسية مباشرة يغلب عليها الرأي و المعارف العامية و السطحية ، فقد وضع المجتمع العلمي قواعد صارمة للبحث العلمي و الموضوعي يكون أساسه قواعد و مفاهيم و قوانين و نظريات استخلصت من مجموعة خطوات علمية ينبغي اتباعها كالملاحظة و التجربة و المقارنة و القياس و صياغة الفرضيات التي ينبغي التحقق منها عبر اختبار الوقائع لرصد العلاقات الثابتة بين الظواهر المدروسة التي ستتحول إلى قوانين علمية لا غبار عليها .

      و ضمن هذا الإطار العام ، و في نفس السياق سنسعى ، عبر المفاهيم التالية : النظرية ، التجربة ، التجريب ، الحقيقة و غيرها من المفاهيم المتاخمة لها ، إلى ما يلي :

  • تقديم مفهوم المعرفة ، باعتبارها  تطرح قضايا فلسفية أهمها قضية علاقة العلم بالمعرفة العامية و بالوهم و بالخطأ و نسبية الحقائق العلمية و معايير النظريات العلمية على مستوى مدى اتساقها منطقيا ، أو بمدى تطابقها مع الوقائع ، أو  بمدى قابليتها للدحض و التفنيد ، إلى جانب التساؤل و التفكير في الشروط و الحدود و السياقات الاجتماعية لإنتاجها كمعرفة علمية تبني قطيعة إبستمولوجية بينها و بين كل تفكير ينزع إلى الإطلاقية و إلى الوثوقية .
  • اعتبار النظرية العلمية نسقا فرضيا استنباطي لا يقف عند وصف الوقائع فقط ، بل يسعى إلى تفسيرها.
  • التمييز بين التجربة كتعبير عن واقع حسي معطى و بين التجريب كإنشاء  ذهني رياضي للواقعة العلمية .
  • ابراز دور كل من معطيات الواقع التجريبي و دور الأبنية و الإنشاءات الرياضية الصورية التي يبنيها العقل البشري ،  دونما حاجة إلى التجربة  ، في بلورة المعرفة العلمية .
  • التعرف على معايير علمية النظريات و كذا حدود صلاحيتها الإبستمولوجية .
  • إبراز مفهوم الحقيقة كغاية سامية تروم البحث النظري و السلوك العملي .
  • إبراز أن الحقيقة في وجهها التطابقي سواء مع الواقع أو مع مقتضيات و مبادئ و إنشاءات العقل الصورية .
  • إبراز مختلف تقاطعات بعض المفاهيم مع مفهوم الحقيقة ، كمفهوم الوهم و مفهوم الخطأ و مفهوم العائق الإبستمولوجي ...
  • إدراك الحقيقة في بعدها القيمي لتقديرها تقديرا نقديا إيجابيا بناء ، مع إدراك التحولات التي طال أشكلة هذا المفهوم الفلسفي في الفلسفات المعاصرة .
  • تمثل مفاهيم إبستمولوجية و علمية و محاولة توظيفها في فهم مختلف التصورات الفلسفية و العلمية التي سنأتي على الاستشهاد بها و تقديمها كمقاربات فلسفية أو علمية لفهم مختلف إشكاليات مجزوءة المعرفة .