الاثنين، 6 أغسطس 2012

جاهلية القرن الواحد و العشرين

جاهلية القرن الواحد و العشرين

كتبهاعبد الجبار الغراز ، في 3 فبراير 2011 الساعة: 23:31 م


أريد أن أسجل , منذ البداية , أن ما حدث , أمس الأربعاء , في ميدان التحرير حيث يجتمع آلاف الشباب المصري في تظاهرة سلمية تطالب الرئيس المصري محمد حسني مبارك بالتنحي عن السلطة , من أعمال العنف و البلطجة التي قام بها مؤيدو الرئيس , من بوليس سري و أعضاء من الحزب الوطني الحاكم , يعتبر جريمة نكراء يستنكرها كل ضمير إنساني حي . جريمة يمكن نعتهها بأنها جاهلية القرن الواحد و العشرين مورست ضد أشخاص عزل لم يقترفوا أي ذنب سوى أنهم طالبوا بتغيير سياسي على أرضهم يعيد لهم كرامتهم التي اغتصبت منذ ثلاثة عقود .
لقد كنت أتابع على الشاشة الصغيرة , بفخر و اعتزاز , كأي مواطن عربي يحمل هم التغيير و يؤمن بالحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية , وعيناي مشدوهتان إلى هاته النخبة الشبابية المباركة التي حطمت كل الحواجز و كل الموانع و تخلصت من عقدة الخوف التي كانت تحجب عنها الرؤية الواضحة للأمور التي تعنيها , و تفجرت فجأة طاقتها الكامنة فيها مستلهمة ما جرى في تونس من مواجهة للظلم و الاستبداد . و كنت أدعو الله , في سري و في علني , أن يحفظ هذه الانتفاظة الشعبية المباركة التي حدثت في مصر , من كل مكروه , متمنيا لها النجاح لتحقيق ما كانت تصبو إليه من تطور و ازدهار و ارتقاء حضاري . فمصر بالنسبة لي كانت هي ذلك البلد المحوري الذي كانت تدور في فلكه كل شعوبنا العربية , فهي البلد الرمز الذي كان يصبو , زمان الثورة الناصرية , إلى الانعتاق و الحرية و الازدهار .
تعيش الانتفاضة المصرية المباركة ضد النظام السياسي الحالي يومها العاشر , و الرئيس حسني مبارك ما يزال مصرا على تشبته بالحكم رغم التظاهرة المليونية التي نظمت الثلاثاء المنصرم و التي أعطت إشارة واضحة لهذا النظام المباركي المتعنث , أنه غير مرغوب فيه من قبل أطياف واسعة من الشباب المصري .
الشارع المصري يرسل , عبر انتفاظته السلمية , رسالة مباشرة للرئيس المصري, و أيضا لباقي حكام العرب , الذين لم يستوعبوا جيدا الدروس و العبر التي تقدمها هذه الانتفاظة الشبابية المبهرة و مفادها أن الدول و الأمم تتأسس و تتقوى بشعوبها و ليس بحكامها . و أن مصدر السلطات هو الشعب . فالديمقراطية الحقيقية هي حكم الشعب لنفسه , و ليس بهذه البلطجة وهذه الثورة المضادة التي شاهدناها أمس , و التي أشعل نار فتنتها أشخاص مجهولون , محسوبون على النظام , كانوا يسعون إلى تفريق الجموع الغفيرة المرابطة في ميدان التحرير , بالعصي و السكاكين و السيوف .
لقد قدم الشعب المصري الأبي , خلال عشرة أيام من المظاهرات أصدق مثال , قل نظيره في ايامنا هذه , عن الانضباط و التحلي بروح المسؤولية العالية , و ذلك من خلال تشكيل الشباب المتظاهر للجان شعبية مهمتها تقديم المساعدات و تنظيم حركات المرور في الشوارع و في الطرقات . فكم هو عجيب و كم هو غريب أن ترى شياب مثقل بهمومه و أوضاعه المزرية التي تسببت فيها سياسات غير مدروسة , يستجيب بشكل عفوي , للتعاون مع أجهزة الشرطة في تنظيم إيقاعات المرور . شيء جميل جدا أن نرى و أن نسمع عن هذا التنطيم الراقي لهؤلاء للشباب . لكن , و يا للأسف , نراه يقابل بالبلطجة و التخويف لتفويت الفرصة عليه في أن يستنشق عبير الحرية و الكرامة و الاتصاف و العدل . إنه لشيء مخجل أن يشاهد العالم هذا الذي جرى اأمس في ميدان التحرير , بعد أتسجيله انطباعات جد ايجابية تحسب لصالح الشارع المصري .
تستبد بي أسئلة عفوية , بعد هذا الذي شاهدته من عنف و عتف مضاد , و أريد أن أطرحها وهي كالتالي : ألآ يستحق مثل هذا الشباب الراقي في سلوكه , أن يقود المرحلة الحالية نحو مصر المستقبل : مصر الجديدة ؟؟؟ أليست مصر في حاجة إلى هؤلاء الشباب الذين برهنوا للعرب وللعالم أجمع , أنهم رجال و نساء هذه المرحلة . برهنوا أن التغيير لا يمكن أن يكون إلا جذريا . ذلك التغيير السياسي الراديكالي الذي سيخلخل كل التوابث و كل الأركان التي أقيم عليها صرح مجتمعي , منذ عقود خلت , كانت تفوح منه روائح العفن و النتانة ؟؟؟ إن هذا الشباب المصري المتظاهر الذي حافظ على ممتلكات بلده في هذه الأوقات العصيبة , من خلال تشكيله للجان شعبية, والتي تتبعنا تنسيقاتها العالية فيما بينها , هو الذي يستحق أن يكون لديه كامل الحق في امتلاك المشروعية في ترتيب الأوضاع في مصر المحروسة بعد رحيل و ترك حسن مبارك للسلطة , و لا يمكن , في كل الأحوال , مقارنته بتلك الشرذمة التي حاولت خنق و إسكات صوته بقوة الحديد و النار .
فالاعتداء على المتظاهرين من طرف شرطة نزعت زيها الرسمي و لبست لباسا مدنيا , مستعينة بالجمال و بالأسلحة البيضاء لتفريق المظاهرات وقمع حركة تحرير الشعب المصري , قد ساهم , بشكل كبير , في إسقاط مشروعية حسني مبارك باعتباره رئيس دولة و تدنت , بفعل هذا العمل الذي يمكن نعته بجاهلية القرن الواحد و العشرين, قيمته في أعين شعبه و في أعين العالم بأسره , و أصبح نظامه, بعد كل هذه البلطجية الممنهجة, نظاما متآكلا .
أما هذه الانتفاظة الشعبية المصرية فهي تعتبر في نظر الكثير من المتتبعين من أعظم الثورات الخلاقة في التاريخ المعاصر , لأنها حاولت , من خلال عفويتها , تجاوز الأنماط التقليدية التي عرفتها ثورات العالم .
فمثل هؤلاء الشباب الواعد لن يقبل أن تمرر عليه هكذا إصلاحات و ترميمات سياسية جزئية لا تمس البنيات الراكدة في عمقها , لأنها تغييرات سياسية توهم أكثر مما تقدم حلولا حقيقية للمشكلات و للمعضلات التي يعاني منها المجتمع المصري . فمظاهرات شباب مصر , لا تنادي بالاصلاح و الترميم , بل هي مظاهرات تطالب باستراتيجية جديدة في إدارة الحكم ,لم يعد يستوعبها نظام حسني مبارك , لأن رؤيته في إدارة الأمور السياسية للبلد لم تعد تنسجم و التطلعات المستقبلية لهؤلاء الشباب المتظاهر , فدعوة المجتمع الدولي له إلى تسريع انتقال سلمي للسلطة , يكشف بوضوح أن هذا النظام أصبح الأن عبئا ثقيلا على الشعب المصري . فما على الرئيس إلا الاستجابة لمطالب شعبه و الرحيل اليوم قبل الغد .
عبد الجبار الغراز
المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية و الاقتصادية
الرابط : http://www.democraticac.com/ar/2010-01-19-15-02-05/5559-2011-02-05-16-56-26

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق