الاثنين، 6 أغسطس 2012

أيها العرب.. اعرفوا أ نفسكم بأنفسكم !!
عبد الجبار الغراز *

كتبهاعبد الجبار الغراز ، في 3 مايو 2010 الساعة: 00:15 ص

تعقيبا على المقال : " اعرف غيرك " الصادر بصحيفة " الشرق الأوسط " الغراء تحت عدد 11478 بتاريخ 2_ 5 _ 2010 , يمكن القول أن الأستاذ خالد القشطيني قد أصاب الهدف وجانب الصواب , لما تناول بالتحليل و النقد , مفهوم " الغيرية " في معناه السلبي . و قدمه كمعطى سالب لكل قدرة على فهم حقيقي للذات , ذلك الفهم الذي لا يتحقق إلا إذا كان ثابتا على أساس قاعدي ألا و هو معرفة الذات لنفسها . أساس ترسم عليه كل حدود الاشتغال الممكنة, بحيث يكون في مرحلة لاحقة مقدمة ضرورية و أولية تتأسس عليه معرفة " الغير " معرفة شاملة و دقيقة.
نعم , أستاذنا الفاضل : خالد القشطيني , إذا كان مجتمعنا العربي لا يتماشى مع النصيحة السقراطية " اعرف نفسك بنفسك " الأخلاقية , فإن نخبتنا السياسية العربية تعيش جمودا طال آلتها الدبلوماسية , مما جعلها , هي الأخرى , في أمس الحاجة إلى هذه الدعوة السقراطية إلى معرفة الذات , ذاتنا الجمعوية .
في حقيقة الأمر , العرب في أمس الحاجة , أكثر من أي وقت مضى , إلى العودة إلى الذات بغية مراجعة مسارهم السياسي , و الاستفادة من الأخطاء المرتكبة , خصوصا في علاقتهم الوجودية مع إسرائيل . فالتعنت الإسرائيلي و التنكر للحقوق الفلسطينية المشروعة منشؤه هو إغفال العرب لهذا المعطى البسيكوأنثروبولوجي و الفلسفي الهام و عدم إعطائه ما يستحق من عناية و اهتمام .
الكل يعلم أن لجنة مبادرة السلام العربية قد أعطت , أمس السبت 1 _ 5 _ 2010 , الضوء الأخضر للرئيس الفلسطيني محمود عباس ببدء المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل تحت ضمانات أمريكية , و أنها ( المفاوضات ) قد لقيت معارضة من طرف دول عربية لا يستهان بها في خلق توازن إقليمي بمنطقة الشرق الأوسط و حفظ الأمن القومي العربي المهدد , بدعوى أنها عبثية و لا فائدة ترجى منها . يحدث هذا التأرجح في اتخاذ موقف عربي موحد تجاه بدء المفاوضات مع إسرائيل , في ظل التطورات الخطيرة التي باتت تهدد قضية العرب و المسلمين الأولى : القضية الفلسطينية , والتي تتجلى في تنامي المد الاستيطاني , و تهجير الفلسطينيين و سلب إسرائيل لمقدساتهم مع إضفاء شرعية دولية عليها .
فالعرب في أمس الحاجة , إذن , إلى هذه الدعوة الفلسفية السقراطية الثمينة , دعوة تدعوهم إلى رأب الصدع الذي ينخر جسمهم السياسي : فلا يجوز أن نصم الآذان و أن لا ننصت للصوت المعارض , المخالف لتوجهنا وطريقة معالجتنا للمشكلات العويصة !!! فهو , على كل حال , ذلك الحاضر الغائب , الذي يسكننا على نحو غريب , كما تقول جوليا كريستيفا , الذي يشكل , من حيث ندري أو لا ندري , الطرف القصي المشارك لنا في بناء ذاتنا الجمعية العربية . طرف يحمل في طياته , في نفس الوقت , بوادر السلب و الإيجاب , قد يستغلها هذا " الغير " المفاوض ( إسرائيل ) لصالحه إن لم نستثمرها أحسن استثمار في سبيل خلق وحدة صف قوية لمواجهة التحديات الحضارية التي تعصف بكياننا الضعيف بفعل التفكك و التشتت و التشرذم .
كما لا يجوز أيضا , في الجهة المقابلة , أن يمتطي الصوت العربي المعارض صهوة جواد "المعارضة من أجل المعارضة ", و يمضي , هائما تائها , في رحلة دونكيشوتية واهمة . فالخصم الذي أمامنا ليس وهما, بل هو عدو حقيقي مدجج بأسلحة الدهاء و المكر و التحايل, ناهيك عن الأسلحة الجرثومية و الفسفورية و النووية الفتاكة التي يلوح بها في كل وقت و حين. فالقضاء عليه لا يتأتى بالسفسطة و اقتناص تعثرات كل مبادرة ترمي إلى حل مثل هذه المشكلات العويصة, بل يتأتى بالحوار البناء و التشاور بين الإخوة الأشقاء.
فإذا كان سقراط قد كرس , من خلال فلسفته الأخلاقية , صورة نموذجية لذلك الفيلسوف الذي أنزل الحكمة من السماء إلى الأرض , مواجها , بالمنطق و الحجة العقلية , خصمه اللدود , آنذاك , السفسطائي , الذي انتهج الغوغاء غاية , و فن الخطابة المنمقة وزخرف القول , منهجا لاستمالة شباب أثينا , فإن العرب و الفلسطينيين مدعوون إلى أن ينزلوا السياسة من السماء إلى الأرض , و يواجهوا عدوا أشرس من العدو الإسرائيلي , ألا و هو " سفسطة الذات " " " الغوغائية ", قبل مواجهة الآلة الدبلوماسية الإسرائيلية وقت بدء المفاوضات .
أضف الى مفضلتك

هناك تعليقان (2):