الاثنين، 6 أغسطس 2012

الفتح الويكسيليكسي المبين

كتبهاعبد الجبار الغراز ، في 18 ديسمبر 2010 الساعة: 03:49 ص


الفتح الويكسيليكسي المبين !
عبد الجبار الغراز
لن تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية و معها الغرب الرأسمالي , بعد التسريبات التي طالت وزارة خارجيتها أن تسكت صوت الحق حينما يصيح عاليا معلنا عهدا جديدا قد بدأت ملامحه تظهر:عهد الويكيليكس ؟
فلقد عشنا , نحن العرب , عبر تداعيات تسريبات موقع ويكيلييكس لحظات غريبة و رهيبة : غريبة لأنها جعلت رجل الشارع العربي يعيد النظر في كل ما يقدم إليه من أشياء على أساس أنها حقائق لا غبار عليها . و رهيبة لأنها خلخلت كل الثوابت و قوضت كل الأركان التي تثبت عليها تلك الحقائق . لقد كانت أعيننا مشدوهة أمام هذا الفتح العظيم لقلاع حصينة و محصنة ولبروج مشيدة عالية كانت عسيرة الاختراق , سرعان ما رأيناها تنهار الواحدة تلو الأخرى .
عهد" الويكيليكس " هو زمن التعرية لكل مخابئ خفافيش الظلام , زمن الكشف عن كل مستور قد اختار له مأمنا في الدهاليز و الأرشيفات , زمن تسليط الضوء على كل صغيرة و كل كبيرة من فضائح و أسرار عالم غارق حتى الأذنين في مستنقع الظلم و الفساد , زمن فقد بوصلته الأخلاقية و لم يعد قادرا سوى على إنتاج قيم سالبة لروحه و جوهر كيانه . الويكيليكس زمن لانهيار ثوابت الحكومات و الأنظمة الفاسدة و انكشاف لدسائسها و مكرها و جبروتها الخفي . زمن للفضح و المكاشفة , زمن لتجلي الحقائق و تبديد الأوهام الزائفة .
عهد" الويكيليكس , إذن , زمن مبشر , و في نفس الوقت , زمن منذر: مبشر لأنه بشر بهبوب رياح التغيير نحو ميلاد أمم جديدة ترفع عن نفسها ظلم الظالمين . انقلاب السحر على الساحر هذا الذي تقدمه لنا تسريبات الويكيليكس أظهر الدول الغربية العريقة في الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان على أنها مجرد دول استعمارية مؤلفة من غزاة جدد للعالم في ثوب حضاري شفاف . فالغرب الرأسمالي لا يوظف الديمقراطية في مداها البعيد إلا حينما يريد أن يسقط تبعات عدم تطبيقها على بلد مستضعف للتنكيل به أمام العالم و إظهاره على على أنه بلد فاسد و غارق في بحور الديكتاتورية مثل ما حدث مع العراق سابقا ومع ايران مستقبلا. الديمقراطية , في رٍأي هذا الغرب المتبجح , هي سلاح لا ينبغي أن تمتلكه الشعوب المغلوبة على أمرها , إذ تكفيها فقط ديمقراطية الواجهة لتلميع صورتها الرديئة , لتكريس جدلية السيد و العبد و ترسيخها و تثبيتها في لاوعيها الجمعي لتخضع لها الاجيال القادمة و تتقبلها على أنها قدر لا مفر منه , و شر مستطير لا يستطيع أحد درئه .
كما أنه زمن منذر لأنه أنذر بسقوط أقنعة الاستعمار الجديد الذي برزت ملامحه الأولية مع بزوغ أول خيوط فجر العولمة الاقتصادية و السياسية منذ تسعينيات القرن العشرين إلى الآن . حين دقت , باسم الحرية العمياء و باسم الديمقراطية الجوفاء, طبول الحرب واشتعلت , باسم كل مبدأ إنساني سمح , نار الفتن و حمي وطيسها , وأعلن السيد الجديد نيته إرساء عالم جديد أساسه محاربة كل متصد لهذا الزحف المعولم , ولهذا النصر المبين للرأسمالية المتوحشة على الأنظمة الشمولية . فباسم محاربة الشر انقسم العالم إلى مؤيد و معارض لهذه الرأسمالية . و تزاحمت فلول الأنظمة المتآكلة و جرت في سباق محموم للوصول للخطوط المرسومة المؤطرة لبر الأمان والفوز برضا الحاكم الجديد . فالذي يستطيع الوصول إلى تقبيل الأعتاب و تمريغ جسد أمته في أوحال الديون و القروض هو الذي سيكسب الرهان الجديد .. رهان السلم و المسالمة . و عاشت الأمم المستضعفة عهدا من الاحتضار تجتر معها قيود الذل و الهوان و ذاقت طعم الجهالة و الاستبداد , تنتظر الحلول السحرية و المنقذ من الضلال .
ولقد عشنا مشاهد درامية عربية حينما رأينا كيف تساقطت أوراق التوت عن أنظمتنا السياسية العربية" المجيدة" و بانت لكل العيان عوراتها, و تجلت حقيقتها وظهرت في صورتها القاتمة وأظهرت وجهها الحقيقي البشع . فقد كانت , في غفلة من شعوبها , تكيل لبعضها البعض الدسائس والمكائد , تقربا و تزلفا من أولياء نعمها من الأمريكان و اليهود الصهاينة و دول الغرب . فلم يعد لها , بعد هذا كله , أية مصداقية و أية مشروعية في القيادة و حمل الأمانة الملقاة على عاتقها .
عهد الويكيليكس زمن طفت على سطحه , بامتياز كبير جدا , أوجه الدناءة و المكر و الخداع المتعددة . زمن دق ناقوس الخطر معلنا ذهاب ريح أنظمتنا العربية , تدريجيا , و بداية انقراض فصيلتها السياسية التي تنتمي إليها , إذا لم تلتحم هذه الأنظمة بقضايا أممها و شعوبها .
تسريبات الويكيليكس هي أيضا رسائل تحذير لشعوبنا المستضعفة لكي تستجمع طاقتها و تنهض من جديد لترفع عنها ظلم الظالمين وجور المسؤولين الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد . لقد انهار سقف الكيانات السياسية العربية فوق رؤوس حكامها العرب , و أصبح موقع أسانج يحظى بإعجاب الشعوب العربية . فهو على الأقل قد نزع أوراق التوت عن هؤلاء الساسة العرب الذين كانوا يزرعون في الخفاء بذور الفتنة و الدسائس الطائفية , تمهيدا لاستئساد إسرائيل على كافة المنطقة العربية , و حفاظا على مواقعها و مراكزها الحساسة .
فإذا كان المواطن العربي قد راهن حياته لدى الحاكم , بالرغيف اليومي , إذ نراه يشقى و يتعب في سبيل توفيره لعياله , فإنه في العهد الجديد عهد الويكيليكس , مدعو إلى أن يتجاوز هذا الإطار البهائمي و الغرائزي المرسوم له , ويعيد النظر في أساسياته الحياتية و يدقق حساباته مع أولي الأمر من الساسة و الحكام و كافة المسؤولين الحكوميين , لكسب الرهان , الذي يتجلى في انتزاعه الحق في خلق تاريخ جديد أساسه صيانة الكرامات و حفظ الحقوق . و لن يتأتى له ذلك إلا بالتسلح بالعلم و المعرفة و امتلاك ناصيتيهما , و التحرر من كل استيلاب فكري و جمود عقائدي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق