كتبهاعبد الجبار الغراز ، في 18 ديسمبر 2010 الساعة: 03:49 ص
الفتح الويكسيليكسي
المبين !
عبد الجبار الغراز
لن تستطيع الولايات
المتحدة الأمريكية و معها الغرب الرأسمالي , بعد التسريبات التي طالت وزارة
خارجيتها أن تسكت صوت الحق حينما يصيح عاليا معلنا عهدا جديدا قد بدأت ملامحه
تظهر:عهد الويكيليكس ؟
فلقد عشنا ,
نحن العرب , عبر تداعيات تسريبات موقع ويكيلييكس لحظات غريبة و رهيبة : غريبة لأنها
جعلت رجل الشارع العربي يعيد النظر في كل ما يقدم إليه من أشياء على
أساس أنها حقائق لا غبار عليها . و رهيبة لأنها خلخلت كل الثوابت و قوضت كل الأركان
التي تثبت عليها تلك الحقائق . لقد كانت أعيننا مشدوهة أمام هذا الفتح العظيم لقلاع حصينة و محصنة ولبروج
مشيدة عالية كانت عسيرة الاختراق , سرعان ما رأيناها تنهار الواحدة تلو الأخرى
.
عهد" الويكيليكس " هو زمن التعرية لكل مخابئ
خفافيش الظلام , زمن الكشف عن كل مستور قد اختار له مأمنا في الدهاليز و الأرشيفات
, زمن تسليط الضوء على كل صغيرة و كل كبيرة من فضائح و أسرار عالم غارق حتى الأذنين
في مستنقع الظلم و الفساد , زمن فقد بوصلته الأخلاقية و لم يعد قادرا سوى على إنتاج
قيم سالبة لروحه و جوهر كيانه . الويكيليكس زمن لانهيار ثوابت الحكومات و الأنظمة
الفاسدة و انكشاف لدسائسها و مكرها و جبروتها الخفي . زمن للفضح و المكاشفة , زمن
لتجلي الحقائق و تبديد الأوهام الزائفة .
عهد" الويكيليكس , إذن , زمن مبشر , و
في نفس الوقت , زمن منذر: مبشر لأنه بشر بهبوب رياح التغيير نحو ميلاد أمم جديدة
ترفع عن نفسها ظلم الظالمين . انقلاب السحر على الساحر هذا الذي تقدمه لنا تسريبات
الويكيليكس أظهر الدول الغربية العريقة في الديمقراطية و احترام حقوق
الإنسان على أنها مجرد دول استعمارية مؤلفة من غزاة جدد للعالم في ثوب حضاري شفاف .
فالغرب الرأسمالي لا يوظف الديمقراطية في مداها البعيد إلا حينما يريد أن يسقط
تبعات عدم تطبيقها على بلد مستضعف للتنكيل به أمام العالم و إظهاره على على
أنه بلد فاسد و غارق في بحور الديكتاتورية مثل ما حدث مع العراق
سابقا ومع ايران مستقبلا. الديمقراطية , في رٍأي هذا الغرب المتبجح , هي سلاح لا
ينبغي أن تمتلكه الشعوب المغلوبة على أمرها , إذ تكفيها فقط ديمقراطية الواجهة
لتلميع صورتها الرديئة , لتكريس جدلية السيد و العبد و ترسيخها و تثبيتها في
لاوعيها الجمعي لتخضع لها الاجيال القادمة و تتقبلها على أنها قدر لا مفر منه , و
شر مستطير لا يستطيع أحد درئه .
كما أنه زمن
منذر لأنه أنذر بسقوط أقنعة الاستعمار الجديد الذي برزت ملامحه الأولية مع بزوغ أول
خيوط فجر العولمة الاقتصادية و السياسية منذ تسعينيات القرن العشرين
إلى الآن . حين دقت , باسم الحرية العمياء و باسم الديمقراطية الجوفاء, طبول
الحرب واشتعلت , باسم كل مبدأ إنساني سمح , نار الفتن و حمي وطيسها , وأعلن السيد
الجديد نيته إرساء عالم جديد أساسه محاربة كل متصد لهذا الزحف المعولم , ولهذا
النصر المبين للرأسمالية المتوحشة على الأنظمة الشمولية . فباسم محاربة الشر انقسم
العالم إلى مؤيد و معارض لهذه الرأسمالية . و تزاحمت فلول الأنظمة المتآكلة و جرت
في سباق محموم للوصول للخطوط المرسومة المؤطرة لبر الأمان والفوز برضا الحاكم
الجديد . فالذي يستطيع الوصول إلى تقبيل الأعتاب و تمريغ جسد أمته في أوحال الديون
و القروض هو الذي سيكسب الرهان الجديد .. رهان السلم و المسالمة . و عاشت الأمم
المستضعفة عهدا من الاحتضار تجتر معها قيود الذل و الهوان و ذاقت طعم
الجهالة و الاستبداد , تنتظر الحلول السحرية و المنقذ من الضلال
.
ولقد عشنا مشاهد درامية
عربية حينما رأينا كيف تساقطت أوراق التوت عن أنظمتنا السياسية العربية" المجيدة" و
بانت لكل العيان عوراتها, و تجلت حقيقتها وظهرت في صورتها القاتمة
وأظهرت
وجهها الحقيقي البشع . فقد
كانت , في غفلة من شعوبها , تكيل لبعضها البعض الدسائس والمكائد , تقربا و تزلفا من
أولياء نعمها من الأمريكان و اليهود الصهاينة و دول الغرب . فلم يعد لها , بعد هذا
كله , أية مصداقية و أية مشروعية في القيادة و حمل الأمانة الملقاة على عاتقها
.
عهد الويكيليكس زمن طفت
على سطحه , بامتياز كبير جدا , أوجه الدناءة و المكر و الخداع المتعددة .
زمن دق ناقوس الخطر معلنا ذهاب ريح أنظمتنا العربية , تدريجيا , و
بداية انقراض فصيلتها السياسية التي تنتمي إليها , إذا لم تلتحم هذه الأنظمة بقضايا
أممها و شعوبها .
تسريبات الويكيليكس هي
أيضا رسائل تحذير لشعوبنا المستضعفة لكي تستجمع طاقتها و تنهض من جديد لترفع
عنها ظلم الظالمين وجور المسؤولين الذين طغوا في
البلاد فأكثروا فيها الفساد . لقد انهار سقف الكيانات السياسية العربية فوق رؤوس
حكامها العرب , و أصبح موقع أسانج يحظى بإعجاب الشعوب العربية . فهو على الأقل قد
نزع أوراق التوت عن هؤلاء الساسة العرب الذين كانوا يزرعون في الخفاء بذور الفتنة و
الدسائس الطائفية , تمهيدا لاستئساد إسرائيل على كافة المنطقة العربية , و حفاظا
على مواقعها و مراكزها الحساسة .
فإذا كان المواطن العربي
قد راهن حياته لدى الحاكم , بالرغيف اليومي , إذ نراه يشقى و يتعب في سبيل توفيره
لعياله , فإنه في العهد الجديد عهد الويكيليكس , مدعو إلى أن يتجاوز هذا الإطار
البهائمي و الغرائزي المرسوم له , ويعيد النظر في أساسياته الحياتية و يدقق حساباته
مع أولي الأمر من الساسة و الحكام و كافة المسؤولين الحكوميين , لكسب الرهان , الذي
يتجلى في انتزاعه الحق في خلق تاريخ جديد أساسه صيانة الكرامات و حفظ الحقوق . و لن
يتأتى له ذلك إلا بالتسلح بالعلم و المعرفة و امتلاك ناصيتيهما , و التحرر من كل
استيلاب فكري و جمود عقائدي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق