السبت، 22 نوفمبر 2014

آكادير .. على إيقاع " ليلة الورشات الفنية "





    


عبد الجبار الغراز
      
      على أيقاع الأصباغ و الألوان  أحيت مدينة آكادير  يوم الجمعة 07 – 11 – 2014 ليلة الورشات الفنية ، حيث كان  الجمهور الأكاديري على موعد مع ثلاتين فنانا و فنانة  تشكيلين عرضوا أعمالهم سواء بمتحف الفنون و الثرات الأمزيغي أو بالمعهد الفرنسي أو بالرواق الفني  Le sous sol  ، بالإضافة إلى الورشات الفنية  التي أقيمت بمراسم أحد الفنانين .
     
      لقد أريد لهذه الليلة أن تتشكل عبرها فضاءات مفتوحة على تأويلات متعددة و مختلفة  واصل فيها هؤلاء الفنانون مشروعهم التشكيلي بكل حس إبداعي مرهف ، محاولين بذلك توسيع دائرة  ممارستهم  الإبداعية الفنية بمدينة آكادير و تأثيراتها النوعية على المشهد التشكيلي  ببلادنا .
   
      لقد كان للجمهور الأكاديري نصيب في المشاركة في هذه الليلة الفنية الجميلة، فقد أقيمت ورشة فنية  لصالح عينة منهم ، نتج عنها إبداع  إحدى عشر لوحة فنية فاضت بالحركية و بالحيوية ، حيث ارتكزت على الجسد و تعبيراته . و قد أشرف على هذا العمل الفني الفنانان التشكيليان محمد الفرقشي و سيزان سترادانجر ، اللذان قاما بتوظيف  تقنية الرسام الأمريكي جاكسون بولوك) (action painting المرتكزة على الرسم بالحركات التلقائية والجسدية والتقطير Le draping .  فقد سجل الكل ارتياحه و اعتبر التجربة مفيدة و ممتعة ساعدت على تفتق مواهب فنية واعدة  فجرت طاقاتها الفنية الكامنة في الأعماق .
      
      كما كان الجمهور الأكاديري على موعد  ، في كل من متحف الفنون الثرات الأمازيغي و المعهد الفرنسي بآكادير والرواق الفني Le sous sol  ، مع فنانين تشكيليين مرموقين محليا و وإقليميا و وطنيا أمثال  دجيمي و بروزي و الغراز و مربو و أوصالح و بلقاضي ... 
       
       سأحاول أن أقدم ورقة تحليليية لأعمال البعض منهم . يتعلق الأمر بالفنانين : عبد العزيز الغراز و عبد العزيز أوصالح و حافظ مربو .
    
        لقد تتعددت البناءات الدلالية للجسد ، بفضل المنتوج الفني المحقق لما بات يعرف ب" الجسد المفهومي "  . هذا الأخير أصبح متداولا و متناولا فنيا في عدد كبير من الابداعات التشكيلية ، إذ تم جعله موضوعا سيميائيا دسما يفيض بالمعاني .
     
        لم يخرج الفنان عبد العزيز الغراز عن هذا الإطار النظري العام لمفهومية الجسد الأنثوي ، حيث نجده قد  بصم إرساءه  " المرأة \ الشجرة "  الذي عرضه برواق المعهد الفرنسي ،  بلون إبداعي فريد اعتمد فيه على فكرة الجسد ككتابة فنية ، أي تحويل الجسد من موضوع خارجي إلى وسيلة لاكتشاف للعالم و الذات و الآخر ، و هذا الانشغال المعرفي بهذا النوع من الكتابة  يجعل من هذا الإرساء  ممارسة بحثية جديرة بالمتابعة و الاهتمام يقارب فيها الجسد كثيمة  لا تكف عن إنتاج المعاني .
    
        فالجسد \ الشجرة ، كما يصوره لنا  الفنان عبد العزيز الغراز من خلال إرساءه ، هو الجسد الأنثوي ،. لكنه جسد ليس ككل الأجساد الأنثوية الأخرى التي  تقوم على ثقافة الحضور لمشخصاته باعتبارها عناصر عريضة بادية للعيان تنشد الإثارة المجانية و المبتدلة، و إنما هو جسد مبني على ثقافة مضادة تدعونا إلى الإبحار في تفاصيله الدقيقة و الاتجاه بنظرنا صوب تخومه  و هوامشه المستعصية عن البروز .. جسد تتناسل داخليا فيه ايقاعات أخرى مندسة داخل  ثنايا الثوب  .. داخل قشرته السطحية . إنه الجسد \ الأصل  .. أليست الأنثى هي الأصل كما تدل على ذلك  النقوش و الآثار ؟
     
        يحاول الفنان عبد العزيز الغراز ، أن يعمق هذا المستوى من الرؤية البصرية ، كما طرحها إرساؤه ، لكن هذه المرة ، عبر لوحاته معروض البعض  منها  برواق المعهد الفرنسي و البعض الآخر  بالرواق الفني  Le sous sol   ، انطلاقا من خلق تقاطعات ممكنة بين العملين الإبداعيين  ( الإرساء  و اللوحات ) . تقاطعات تجعل من تلك الإيقاعات تكشف عن وجه سالب لهذا الجسد  .. وجه يقودنا ، كمتلقين ، إلى جسد آخر .. أرض أخرى .. و جغرافية أخرى .. إنها جغرافيا الرغبة كبعد سيميولوجي  تتحول  فيه منظورات رؤانا البصرية  نحو الطاقة الفنية الكامنة و المبثوتة فيه إبداعيا .. إنها لغة مكتوبة بالجسد تحكي تاريخ الأنثى و المآسي التي عاشتها ..  لغة صامتة ينطق بها هذا الجسد ،  تكشف عن جدل الظاهر و الباطن .. الخفاء و التجلي ..  لغة تتأرجح ما بين البوح الصامت و الغواية الفاضحة . فعبر وجع القماش الملطخ  بالألوان و بالإيقاع يبحث  هذا الفنان في عوالمه الباطنية عن ثمة خلاص تنشده ضربات الفرشاة كتداعيات فنية تتغيى الإشراق الفني في أبهى حلته .
      
        أما الفنان عبد العزيز أوصالح فإنه يميل في لوحاته إلى تكسير قواعد الفن الكلاسيكية داعيا المتلقي إلى الانخراط معه في هذا الورطة  الفنية الجميلة المحتكمة فقط إلى أزمنته النفسية الذاتية المتداخلة  فيما بينها لإنتاج بنية تعبيرية فنية جديدة تشكل هندسة  هذا العطاء الإبداعي القريب من الطفولة و شغبها .
     
        اللوحة بالنسبة لهذا الفنان ليست مجرد لخبطات  لونية  أو إشارات و علامات و إيقاعات عشوائية ، بل  هي زخم تشكيلي جامع  لكل مفردات السند ، وغير مانع  لكل لحظة فنية  تهيئ أرضية الإبداع و الخلق .. زخم  يحول الفعل التشكيلي إلى طاقة فياضة بالمعاني الكثيفة  connotatif ، و بركانا  ، ينفجر دلالة ،  تنساب  أنهر ألوانه سيولا متوقدة  لهبا خارجة للتو من حمم الذات المبدعة .
      
         أمام هذه اللجة اللونية المتموجة  تتماهى مختلف الحركات الخارجية ، و ما تتركه من آثار منطبعة على القماش ، مع ما يعتمل في الباطن من أحاسيس و حالات نفسية ، فيغذو السطح  طاقة ترميزية خرجت للتو من حالة كمون إلى انزلاقية تعبيرية جسدية انفلتت من سلطة الابتذال و منحت اللوحة فرحتها التعبيرية و قيمتها الجمالية  .
      
         يحاول الفنان أولحاج أن يفرغ الجسد من حمولته القيمية اتشييئية و يصيره عنصرا دالا على رؤيا لا ضوابط لها إلا ما يعكسه  فضاء اللوحة من انزياحات حاملة للمعنى و ذلك من خلال ما تتركه آثارها من متلاشيات متشظية  .    
       
         أما الفنان حافظ مربو ، فإن انتاجه الجديد الذي يعتبر امتدادا لإنتاجه  الفني " تحولات "والذي سبق أن تم عرضه بالرباط شهر ماي المنصرم ،  يشكل ، بالنسبة لنا ، مرورا من الداخل نحو الخارج يصاحبه قلق ما .. يود الفنان مربو التعبير عنه بلغته الخاصة ..
        
          قد تتبدى للمتلقي العادي ، لأول وهلة ،  لوحات هذا الفنان و كأنها مقاطع لونية بدون هوية ما ، أو بدون بوصلة تعبيرية تقود  بأمان ،  صاحبها إلى شط الغواية المنشوذ، لكنها في أعين المتبصر المتملك لناصية الحرف التشكيلي تعتبر  تجذيفا في بحر ظلمات لا قرار له ، أو مغامرة لا تملك سوى اندفاعها اللوني لاجتياز العتبة الإيقاعية التي هي صورة تعبيرية حقيقية  لما يعتمل في الدواخل من تفاعلات .
       
          لوحات مربو هي مقاطع موسيقية  تولدت بفعل  هذا الانشطار الوجودي و كأنها لغة جسدية ستنفجر إبداعا بعد حين  و ستترك أثارها على السند كبؤر هامشية ينساب المعنى من خلالها رقراقا في حركة لولبية سهلة الولوج إلى القاع دون أن تترك تصدعات في هذا الجسد المفهومي .
     
          لوحات الفنان مربو ، بهذا المعنى ، هي سيل لوني جارف يمسح تضاريس المعاني القديمة و المبتذلة لإثبات كينونته الجديدة التي تتغذى على الألم و الخوف و حرقة الأسئلة. 
    
          لا تعوز هذا الفنان الموهوب الطرق التعبيرية ، فهو كتوأمه الفنان عبد العزيز الغراز قد استطاع أن يعبر عن هذه اللجة التي تسكن أعماقه بواسطة اعتماد وسيلة تعبيرية أخرى لا تقل أهمية على مستوى الخصوصية الاستيتيقية . فإرساؤه المقام بمرسمه يجعلك مشدودا إلى تعبيراته البليغة : فأن تعلق برميلا أسودا على سقف المرسم بواسطة ثلاث سلاسل من حديد و تجعل فتحته التي هي في الأسفل تسكب سائلا أسودا على كومة من الكتب لتتشكل بقع سوداء يتزايد تدريجيا حجمها ، هو في حد ذاته  تجسيم استعاري جد بليغ يعبر  عن المستوى المتدني لثقافتنا  ، فكريا و حضاريا ، بسبب سيادة ثقافة نفطية جعلت كل شيء  ، في زمن الابتذال و الرداءة ، مبتذلا و رخيصا .
     
         و قبل الختام ، نود أن نشير أن هذه التظاهرة الفنية قد غيرت بشكل جذري صورة مدينة آكادير .. فليلة الورشات الفنية هي ليلة الإشعاع التشكيلي  ، حيث أتيح لهؤلاء الفنانين و الفنانات  فرصة الإنصات لكل منسي و كل مكبوت في ثقافتنا ، حتى تتغذى هذه الحركية التشكيلية في المستقبل على إيقاعات متصاعدة جديدة .



      
      

الخميس، 6 نوفمبر 2014

إيبولا و داعش .. أية علاقة ؟





عبد الجبار الغراز
       يظهر ، الآن ، على إيقاع  الأزمات الاقتصادية المتكررة  التي يعيشها ، عالمنا المعاصر ،  خطر يتهدده :  اسمه فيروس " إيبولا " .
       و يقفز على مسرح الأحداث السياسية التي عاشها العالم  العربي ، و التي على أثرها عاشت  بعض دوله ربيعا ديموقراطيا ، سرعان ما عرف انحسارا و تراجعا في مده الثوري ، شبح اسمه  " تنظيم داعش "
     كلاهما (  إيبولا" و" داعش" ) قد ظهر  بشكل متزامن مع ظهور الآخر ، و بشكل مفاجئ أيضا. و هذا الأمر ،  هو ما دفعنا إلى افتراض أن هناك علاقة ترابطية تجمعهما ، تستلزم  تسليط الضوء عليها لاستجلاء ما غمض من جوانبها المظلمة .
       و للبحث في هذه العلاقة  المفترضة ، يمكن الانطلاق من طرح  تساؤلات  حول الظرفية الدقيقة التي ساعدت على ظهورهما ، و كذا حول طريقة توظيفهما و استعمالهما من طرف  القوى العظمى حماية لمصالحها .
          تساؤلات لا تشكك في مصداقية  ما يروج في وسائل الإعلام من أخبار تصور " إيبولا " كفيروس خطير و معدي و سريع الانتشار،   يستلزم من الناس  اتخاذ الاحتياطات منه و التدابير اللازمة للحد من خطورته المتفاقمة .. كما أنها  لا تشكك في مصداقية ما جاء ، مؤخرا ، على لسان الرئيس الأمريكي باراك أوباما  من تصريحات اعتبرت الدولة الإسلامية " داعش "  "سرطانا خبيثا " يهدد بلده أمريكا و حلفائها .. و لكنها تساؤلات تريد أن تصل إلى حقيقة الأشياء ، انطلاقا من التحقق من مدى صدقية ما يبث ،  في وسائل الإعلام بمختلف أنواعها و مشاربها ، و ما ينشر ، عبر الشبكة العنكبوتية الإنترنيت و مختلف  مواقع الاتصال الاجتماعية المرتبطة بها ، حول " إيبولا " و " داعش " . 
           و الأسئلة التي نود طرحها هي كالتالي: هل " إيبولا " ، بالفعل ، فيروس عابر للقارات و لا دواء ناجع له ؟  و هل الدولة الإسلامية " داعش " " إرهاب " لا حدود جغرافية له ؟ و بأي معنى يمكن فهم  أن " إيبولا " و  " داعش " هما  عنصران يشكلان خطورة حقيقية تهدد الأمن العالمي ؟  و إلى أي حد يمكن الذهاب بالفكرة التي  تعتبرهما مجرد  صنيعتين لغرب رأسمالي  فاحش ، لا هم له سوى البحث عن حيل جديدة يضمن بها  استمراريته في الاستحواذ و السيطرة على مقدرات الأمم و الشعوب المستضعفة ، و ذريعتين الغرض منهما تخويف العالم للمزيد من تسويق الأدوية و الأسلحة لإنعاش اقتصاد يتداعى للسقوط ؟
            كإجابة عن هذه التساؤلات ، يقتضي منا الأمر تحليل هذه العلاقة الترابطية المفترضة بين  " إيبولا "  و " داعش " تحليلا سيسعفنا في فهم مختلف السياقات التي تبلورا  معا فيها ، و تداعيات ذلك ، على المستويين الاقتصادي و السياسي العالمين .. و بهذا المعنى ستكشف لنا تلك العلاقة  أن  لهذين العنصرين الخصائص و المتلازمات المشتركة التالية :
-      القتل و الفتك بالناس .
-      الانتشار السريع  .
-      إثارة الهلع و نشر الذعر بين الناس .
          هذه الخصائص تجعلنا نقول ، بعد هذا كله ،  أن " إيبولا "  كغيره من أجيال الفيروسات الأخرى السابقة ( سارس ، الجمرة الخبيثة ، أنفلوانزا الطيور ، انفلوانزا الخنازير ) هو فيروس أصبح الآن يستهدف حياة الإنسان بعد أن  كان يستهدف في الأصل فصائل حيوانية ( قردة مثلا ،  خفافيش ... )  و السبب في ذلك هو أنه فيروس " مفبرك " .. صنع من طرف شركات طبية و صيدلية عالمية استلهمت هذا" الاختراع"  من أحدث مبتكرات الهندسة الوراثية لصناعة الفيروسات ، استجابة لطلب دوائر رأسمالية عليا متحكمة في دواليب الاقتصاد العالمي .. فيروس معدل جينيا ليتوافق و العناصر الوراثية لدى الإنسان حتى يسهل عليه اختراق البنية الوراثية الإنسانية ..
           لكن أي إنسان أريد له أن يكون المستهدف من طرف هذا الوباء الخطير ، حتى يكون  ذريعة للتخويف و نشر الذعر بين الناس ؟  إنه إنسان الدرجة الرابعة  ..  الخامسة  .. الألف .. لا أدري ..
            ليكن ، إذن ، إنسان أفريقيا الغربية  .. إنسان ليبيريا و سيراليون و غينيا و نيجيريا  المرشح الأوفر فقرا و جهلا و أمية ..  و بعض من إنسان الغرب  ( سياح ، دبلوماسيون ، أطباء  و ممرضون معالجون ... ) الأوفر دراية أو إنسانية .. و إنسان بقية العالم الأوفر سذاجة و تصديقا لكل ما يروج ، القادر على تصدير هذا الذعر و هذا  الهلع إلى كل أرجاء  العالم ، لتسهيل ترويج الأدوية القاضية على هذا الوباء الخطير و ضمان حسن تسويقها .
            إن المشاهد الدراماتيكية ، التي يصورها الإعلام المتواطئ مع هذا الاقتصاد المعولم لضحايا  "إيبولا " ، تسجل بالواضح ، اشتراك الماركوتينغ و علم الوراثة في ارتكاب هذه الجرائم في حق أناس أبرياء يدفعون ، من حيث لا يدرون ، حياتهم ثمنا من أجل إنجاح إخراج  مسرحية سخيفة اسمها فيروس " إيبولا "    
           و هذه الخصائص ، أيضا ، تجعلنا نقول ، كما قلنا عن" إيبولا"  أن  " داعش "  هو  أيضا فيروس  قد تمت فبركته في دهاليز استخباراتية .. وإنه ، بناء على ذلك ، اعتبر ذريعة غربية لاستهداف شرق أوسط  ممانع يرفض الانصياع ، و يأبىأن  يتكيف فورا مع متغيرات محيط معولم بقيادة أمريكية إسرائيلية .
            إنه ، بحسب أمريكا و من يدور في فلكها من إعلام غربي ، فيروس خطير من نوع آخر .. و خطورته تكمن في كونه يقوم بتكفير كل مخالف لتوجهاته الإيديولوجية ، و  جعل هذا التكفير مقدمة للذبح أو الصلب أو الرجم و سبي النساء ، و خاتمة لترويع و تخويف العالم ، و الحكم  ، بالتالي ، على " الإسلام السياسي " بأنه " إرهابي "
             و الإرهاب كما تفهمه أمريكا و من يدور في فلكها ، قد تحول شكله و لم يتغير جوهره : فقد كان يعني المنظومة الشرقية التي كان يقودها الشيطان الأحمر " الاتحاد السوفياتي " ، أصبح يعني بعد اندحارها أوائل تسعينيات القرن العشرين المنظومة الإسلامية الشيعية التي تقودها إيران كما أصبح يعني تنظيم القاعدة و ها هو الآن يعني ، بعد تصفية بن لادن ،  تنظيم داعش .        
               " داعش " ، بهذا المعنى الأمريكي ، هو " إرهاب" ،  تحاول أمريكا أن تقنع العىلم بأنه  يشكل  تهديدا حقيقيا للكيان العربي الإسلامي في وجوده ..  و ينبئ بأن الوضع  في المنطقة العربية كارثي و المستقبل ا غامض، و بأن الثوابت التي تأسست ، منذ عهد خلت ، الدول الوطنية في هذه البلدان بعد الاستقلال ، قد أصبحت قد نسفت من أساسها .
                  لقد خسرت أمريكا  الكثير من العتاد و من عناصر جيشها  في حربها على العراق ، على الرغم من تحقيقفها الانتصار على صدام حسين و إزالة نظامه . و حتى لا يتكرر سيناريو العراق في الحرب على سوريا و غيرها من الدول العربية ، حاولت أمريكا أن تجعل من أبناء العرب و المسلمين الغاضبين و الناقمين على دولهم  أداة لقتل بعضهم البعض ، و وسيلة لفرض سياسة الأمر الواقع على الدول العربية و شعوبها لتغيير أوضاعها ضدا عن إرادتها . فالأمر يقتضي أن يتنازع الأطراف لاختلاف المذاهب ، و يقتل بعضهم البعض، و تتدخل أمريكا  ، بالقوة  لفض النزاع ، بعد أن  يستنفذ الكل طاقته و يصبح جاهزا لأن يسيطر عليه.   
          هؤلاء الغاضبون و الناقمون ليسوا سوى  شباب هذه المنطقة العربية ، قد  عاش و لا يزال ، فراغا كبيرا في حياته ، و خواء معرفيا و عقائديا في كيانه العقلي و الروحي . فانضمامه لما بات يعرف الآن بالدولة الإسلامية ( داعش )  هو ، في حد ذاته ، بحث عن  معنى جديد  لحياته .ينسيه حياة الذل و القهر التي يعيشها في بلده الأصلي ..
             ف" داعش "  بالنسبة إليه ، هي تحقيق ل" دولة الخلافة" التي ستسترد له حقوقه المهضومة.  ففشل الخيارات المتعاقبة تاريخيا لأنظمة الحكم الاستبدادية في تحديث المجتمعات العربية  ، قد دفعته إلى تبني أطروحات رادكالية تجمع ما بين التصور الغامض للأفكار المتطرفة و النزوع إلى تطبيقها حرفيا ، و بشكل دموي .   
              نحن الآن ، أمام صناعة و فبركة جديدة ، لا تقل دناءة عن صناعة فيروس " إيبولا " التي تحدثنا عنها سابقا .. إنها  صناعة الفوضى التي بدأت تعم المنطقة العربية  و تجعل أهلها يغرقون  في ظلماتها حتى النخاع .. إنها  صناعة الاضطراب و التطرف و الغلو في التدين .. صناعة جعلت الشرق الأوسط ،  في مهب الريح ..  و تركته ملكا مشاعا لكل من هب و دب من الغاضبين و الناقمين على أنطمة الحكم الاستبدادية التي أفرزتها الحرب الباردة .
             قبل الختام ، نحب أن نطرح السؤال التالي: هل هناك مجال هنا لصناعة و إبداع كيانات سياسية مستقلة و حرة ، تكون بديلا حقيقيا لأنظمة  الحكم العربية الفاسدة ،  تنشد الحرية و تحافظ على كرامة الإنسان في هذه البلدان . و جوابنا لمن أراد معرفته هو قولنا الآتي:  قبل أن يولد من رحم هذه الفوضى شرق أوسط جديد ، ليس كما أرادته أمريكا و إسرائيل ، و لكن كما أراد ذلك أبناؤه الأحرار ، ستولد ألف كذبة و كذبة و يعم الخراب و الدمار .. لكن ستنبعث من رماد السنين إرادة شرق أوسطية جديدة توحد القوى المتعددة و تحدد معالم جديدة تقود إلى الحرية و الانعتاق من ربقة الاستعمار الجديد بعد الامساك ببوصلة السلم و الأمان لتحديد الاتجاهات الأصلح .

      
.