مجزوءة المعرفة
تقديم
أحب ، قبل
التطرق إلى موضوع المعرفة ، أن أسوق ، هنا قولة مشهورة للفيلسوف اليوناني أرسطو ،
و التي مفادها أن اهتمام الفلاسفة الأولين
بالعلم لم يكن طلبا للمنفعة ، بل كان طلبا للمعرفة . و هذا الطلب كان له هدف واحد هو
إخراج الناس من ظلمات الجهل و الدخول بهم إلى نور المعرفة . لقد كانت الغاية الأسمى من الفلسفة عندهم ،هي الفلسفة
ذاتها .
واضح من
خلال كلام هذا الفيلسوف الفذ أن المعرفة هي فعالية إنسانية مهمة جدا بالنسبة
للكائن الإنساني ، و نشاط استطاع بواسطته أن ينفلت من ضرورات و حتميات معطيات
الواقع المادي الطبيعي ، ليلج بعقله إلى عالم المعرفة الأرحب و الأوسع ، انطلاقا
من محاولته فهم و تحليل هذا الواقع و إكتشاف
القوانين التي تتحكم فيه ، و بالتالي إنتاج النظريات العلمية .
و تاريخ
المعرفة الإنسانية سجل كبير يروي قصة الإنسان في ارتباطه بالطبيعة و بالمجتمع من
اجل دراسة مختلف ظواهرهما المعقدة و محاولة تسخير كل ذلك الجهد من أجل سعادة الإنسان ،
سواء أكان فردا أو جماعة .
و من أجل تحقيق
هذه الغاية الأسمى ، و حتى لا تتحول معارف الإنسان و ترتد إلى مجرد معطيات حسية
مباشرة يغلب عليها الرأي و المعارف العامية و السطحية ، فقد وضع المجتمع العلمي قواعد
صارمة للبحث العلمي و الموضوعي يكون أساسه قواعد و مفاهيم و قوانين و نظريات
استخلصت من مجموعة خطوات علمية ينبغي اتباعها كالملاحظة و التجربة و المقارنة و
القياس و صياغة الفرضيات التي ينبغي التحقق منها عبر اختبار الوقائع لرصد العلاقات
الثابتة بين الظواهر المدروسة التي ستتحول إلى قوانين علمية لا غبار عليها .
و ضمن هذا
الإطار العام ، و في نفس السياق سنسعى ، عبر المفاهيم التالية : النظرية ، التجربة
، التجريب ، الحقيقة و غيرها من المفاهيم المتاخمة لها ، إلى ما يلي :
- تقديم مفهوم المعرفة ، باعتبارها تطرح قضايا فلسفية أهمها قضية علاقة العلم بالمعرفة العامية و بالوهم و بالخطأ و نسبية الحقائق العلمية و معايير النظريات العلمية على مستوى مدى اتساقها منطقيا ، أو بمدى تطابقها مع الوقائع ، أو بمدى قابليتها للدحض و التفنيد ، إلى جانب التساؤل و التفكير في الشروط و الحدود و السياقات الاجتماعية لإنتاجها كمعرفة علمية تبني قطيعة إبستمولوجية بينها و بين كل تفكير ينزع إلى الإطلاقية و إلى الوثوقية .
- اعتبار النظرية العلمية نسقا فرضيا استنباطي لا يقف عند وصف الوقائع فقط ، بل يسعى إلى تفسيرها.
- التمييز بين التجربة كتعبير عن واقع حسي معطى و بين التجريب كإنشاء ذهني رياضي للواقعة العلمية .
- ابراز دور كل من معطيات الواقع التجريبي و دور الأبنية و الإنشاءات الرياضية الصورية التي يبنيها العقل البشري ، دونما حاجة إلى التجربة ، في بلورة المعرفة العلمية .
- التعرف على معايير علمية النظريات و كذا حدود صلاحيتها الإبستمولوجية .
- إبراز مفهوم الحقيقة كغاية سامية تروم البحث النظري و السلوك العملي .
- إبراز أن الحقيقة في وجهها التطابقي سواء مع الواقع أو مع مقتضيات و مبادئ و إنشاءات العقل الصورية .
- إبراز مختلف تقاطعات بعض المفاهيم مع مفهوم الحقيقة ، كمفهوم الوهم و مفهوم الخطأ و مفهوم العائق الإبستمولوجي ...
- إدراك الحقيقة في بعدها القيمي لتقديرها تقديرا نقديا إيجابيا بناء ، مع إدراك التحولات التي طال أشكلة هذا المفهوم الفلسفي في الفلسفات المعاصرة .
- تمثل مفاهيم إبستمولوجية و علمية و محاولة توظيفها في فهم مختلف التصورات الفلسفية و العلمية التي سنأتي على الاستشهاد بها و تقديمها كمقاربات فلسفية أو علمية لفهم مختلف إشكاليات مجزوءة المعرفة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق