الثلاثاء، 16 يونيو 2020

الغرب.. وهويتنا العربية البيضاء


الغرب.. وهويتنا العربية البيضاء

عندما تعرفنا كعرب على الغرب، قدم لنا هذا الأخير ثقافته بشكل فج، عن طريق تغلغله "في نسيجنا الثقافي، على أنها تمثيل نموذجي عالمي في التدبير الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي والعلمي.. حدث ذلك بطرق مختلفة زاوجت ما بين الترغيب المتجلي في التبشير بقيم حداثية عالمية كالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وبين الترهيب المتجلي في التدخل العسكري واستعمال القوة المفرطة المؤدية إلى عنف وعنف مضاد. 
وعندما أحرزنا استقلالنا السياسي، أردنا أن نسلك النهج الذي يقود إلى معاصرة لا تقلل من قيمة ما هو متجذر ومتأصل فينا، فجربنا الخوض مع الخائضين في تجارب عدة: ليبرالية، اشتراكية، قومية، وتبنينا نماذج دولاتية قطرية، ولم نكن والحقيقة تقال في وضعية حقيقية للاختيار بين النموذج الأنسب لنا، بل كانت تتقاذفنا رياح اليمين واليسار طيلة سنوات الحرب الباردة.

وعندما بشر فوكوياما بنهاية التاريخ، نهاية الأيديولوجيات، وبتحرر الأسواق وتعولم العالم، كانت الأحادية القطبية لنا بالمرصاد تتعقب كل تحرر جدي يروم تقدمنا المنشود.. لحظتها علمنا أنه لم يحدث أي تثاقف حقيقي بين عالمنا وعالم الغرب، فازداد نسيجنا الثقافي تمزيقا، وأصبحنا في وضعية جبرية لا تسمح بحرية الاختيار بين نموذجه الليبرالي وبين نموذجنا الأصيل. فساد التوتر والتباعد بيننا وبينه.

النكوص والارتداد والمكر اللاشعوري والحيل الدفاعية من أجل الحفاظ على هوية عربية "بيضاء" لا يشوبها كدر ولا تتخللها نواقص، ما عادت آليات دفاعية تليق بنا

نرغب الآن، في عصر الثورة المعلوماتية، وبعد هذه التجارب المتأرجحة بين النجاح والفشل، أن نشارك العالم ونقتسم معه هذا الإرث الحضاري العالمي الإنساني، المناهض للعبودية والمساءل مساءلة نقدية لكل أشكال التطرف والغطرسة. لكن، كيف السبيل إلى ذلك ونحن لا نسعى إلى تجديد أدوات اشتغالنا السياسي، لتوسيع آفاق الرؤية والفهم الموضوعي للأشياء المحيطة بنا، ومحاربة كل جمود سياسي وتحجر عقائدي؟

وكيف سنستطيع الوقوف من جديد ونحن لم ندبر بشكل عقلاني اقتصادنا وثقافتنا لحل إشكالياتنا الكبرى كالفقر والأمية والتخلف والتبعية، ولم نصلح منظوماتنا السياسية والتربوية والثقافية والفكرية على ضوء متغيرات هذا العصر المعولم؟ ينبغي أن نتحلى، قبل فوات الأوان، بالشجاعة وبالحزم وبالمرونة لتكون لنا موطئ قدم صلبة في هذا العالم، ونصنع لأنفسنا مستقبلا زاهرا يليق بنا.

لقد آن الأوان أن نكف كعرب عن توجيه قاذفات النقد نحو بعضنا البعض، ونعلم جميعا أن سبب كل هذا التردي وهذا الضعف الذي لحق بنا هو تلك الصورة النمطية التي رسمها الغرب عنا وأظهرنا من خلالها ككائنات آدمية لا عمق تاريخي وحضاري لها.  صورة سنورثها ولا شك بوعي منا أو بدونه، إلى أجيالنا اللاحقة، إذا لم نع ظرفيتنا الدقيقة التي نتواجد فيها حاليا. فالنكوص والارتداد والمكر اللاشعوري والحيل الدفاعية من أجل الحفاظ على هوية عربية "بيضاء" لا يشوبها كدر ولا تتخللها نواقص، ما عادت آليات دفاعية تليق بنا. والأمة التي تنشد الحياة هي تلك التي تبحث باستمرار عن نفسها.. فبالفحص وبالتأمل المبطن بالنقد الذاتي لأحوال وجودنا تكمن القيمة الحقيقية لنا. 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق