الأحد، 8 يونيو 2014

اللغة و الفكر .. أية علاقة ؟



يستلزم ، الجواب على هذا السؤال ، منا التسليم أن اللغة هي خاصية إنسانية ، أي اعتبار أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي استطاع ، دون غيره من الكائنات الأخرى ، أن يبدع الكلام و يستعمل الرموز و العلامات في شكل نظام صارم يكون قابلا للتعلم انطلاقا من ضوابط و قواعد يخضع لها الناشئ عبر ما يسميه علماء الاجتماع ب " التنشئة الاجتماعية "


اللغة ، بهذا المعنى ، ترتبط بالفكر ما دامت هي ، في أساسها ، ترجمة فعلية لعقليات الشعوب و ثقافاتهم ، و تعبيرا عن مستوى نموها الفكري ،و الأخلاقي و الحضاري .


و بناءا على ما تقدم ، تعتبر اللغة، كعلامات لسانية ، نتاجا للفكر و إحالة عليه. فما هي، إذن ، أوجه الارتباط بينها و بين الفكر؟


يعتبر ديكارت ، كمحاولة منه الإجابة عن هذا التساؤل ، أن الارتباط بين اللغة و الفكر هو ارتباط بين شيئين لا ينتميان إلى نفس الطبيعة . الأول مادي محسوس و هو اللغة و الثاني لامادي و هو الفكر .


فالفكر جوهر خاصيته هي التفكير . أما اللغة فهي عرض خاصيته هي التعبير و الإظهار . فهذه الطبيعة المغايرة لكل منهما جعلت ديكارت يعطي للغة قيمة ثانوية مقارنة مع الفكر ، و ذلك بأن جعلها فقط مجرد أداة تعبيرية لمكنونات الفكر .


أما هنري برغسون ، فقد حاول تجاوز نظرة ديكارت للغة ، بالرغم من اتفاقه معه ،على المستوى الأداتي للغة ، إلى نظرة فلسفية تعتبر اللغة جد محدودة وظيفيا و تعبيريا. فالفكر أعمق و أوسع من أن تشمله و تعبر عنه و عن مكنوناته لغة بهذه المواصفات ، خاصة الجزء المتعلق منه بالوجدان و العاطفة . فقد يكون لدينا من الأفكار ما نريد التعبيرعنها لكن نجد أنفسنا غير قادرين على فعل ذلك لأن اللغة تعوزنا في الإحاطة بكل دقة بتلك الأفكار . و مرد هذا العوز ، حسب هنري برغسون ، إلى أن حياتنا النفسية تعتبر حياة باطنية تتميز بالديمومة و التفرد و الانسياب و الحرية ، و الفكر ، في هذه الحالة ، في حاجة إلى أن يبدع لغة خاصة بتلك الحوانب النفسية و الباطنية كلغة التشكيل و الموسيقى و غيرها لكي تكون الأداة الأليق لترجمة دواخله .


و بعيدا عن الأطروحات التي ترى أن اللغة أداة تعبير و أن الفكر جوهر ثابت، يرى عالم اللسانيات فردناند دي سوسير أن الفكر لا يدرك إلا كفعالية و نشاط دائمين . و بهذا التصور الجديد للفكر تكون اللغة الأداة المصاحبة و الملازمة لهذه الصفة الديناميكية للفكر ، و ليس مجرد أداة تعبيرية تواصلية ، ذلك لأنهما أصبحا ( الفكر و اللغة ) يشكلان شيئا واحدا ، فبدون اللغة يكون الفكر مجرد سديم ، و اللغة بدون الفكر تكون مجرد كلمات بلا معنى .


فما الذي يجعل اللغة و الفكر عنصرين متحدين اتحادا عضويا ؟ يجيبنا فرديناند دي سوسير بأن الذي يجعلهما كذلك هو وحدة الصوت و الدلالة المتكونة من الدال و المدلول ، من المبنى و المعنى .


اللغة ، كبنية صوتية و أخرى دلالية ، لها ، في هذا الإطار ، فعالية تحويل أشياء الواقع إلى رموز و علامات . هذه الأخيرة تساعد العقل على التعبير عن نفسه بشكل مجرد . كما أن لها أيضا فعالية تصنيف الكائنات والأشياء الموجودة في العالم الخارجي . كما أما الفكر له فعالية إثراء اللغة بالمصطلحات الجديدة القادرة على استيعاب المعطيات الجديدة التي تتيحها وضعية من الوضعيات، و جعلها قادرة على العطاء و الإبداع و توليد الأفكار و المعاني من رحم الأشياء و المواقف المختلفة .


و لتعميق هذه النظرة اللسانية لعلاقة اللغة بالفكر ، فلسفيا ، يعتبر موريس ميرلوبونتي أن الكلام هو الوجود الخارجي للفكر ، أي حضور الفكر داخل هذا العالم المحسوس .


يترتب عن هذ القول ما يلي :


- عدم اعتبار اللغة و الكلام متطابقين و متلازمين و ليس اعتبارهما كشيئين منفصلين . فليس هناك فكر ، كشيء داخلي ، خارج العالم و الكلمات . فاللغة هي الفكر و الفكر هو اللغة .


- اعتبار أن الكلام ليس هو طريقة للإشارة إلى موضوعات الفكر . فنحن ، حسب هذا المعنى، نفكر بلغة صامتة و نتكلم بفكر مسموع .


يتضح مما سبق عرضه من تصورات مختلفة ، فلسفية كانت أم علمية لسانية ، أن علاقة الفكر باللغة تكون مطبوعة بالتعدد و الاختلاف . فإذا كان التصور الأداتي للغة يتعامل مع الفكر كجوهر و كماهية ثابتة ، و كوجود مستقل و مغاير للمادة ، فإن التصور اللساني المعاصر يربط بين اللغة و الفكر ربطا عضويا .هذا الفهم الجديد للفكر جعل جعل من اللغة تقوم بمجموعة وظائف مختلفة منها :


- التبليغ : للغة ، حسب جاكوبسون ، وظيفة تواصلية أي تبادل رسائل مشفرة بين مرسل و متلق .


- الإنتاج : ارتكاز اللغة ، حسب كل من بنيفنيست و مارتيني ، على الصوت و تحرر العلامة اللسانية من الموضوع الخارجي و قالبلية اللسان إلى التفكيك إلى وحدات صوتية دالة و غير دالة قابلة للتأليف و إعادة التأليف .


- الإخفاء و الإضمار : اللغة ، حسب دكرو ، لا تستخدم ، دائما ، بغرض التصريح و التواصل الشفاف بل أيضا بغرض الإخفاء و الإضمار . و هي لا تكون كذلك تحت تأثير شعوري إرادي ، بل تحت تأثير اللاشعور .


- السلطة و الخضوع : اللغة ، حسب بارط ، تنتج علاقة سلطة و سيطرة . فأن نتكلم معناه أن نسود و أن نسيطر و ليس أن نتواصل .


هناك 4 تعليقات: