عبد الجبار الغراز
الآن
.. و بعد قبول الملك
لاستقالة وزراء حزب الاستقلال من الحكومة الحالية ، يصح القول أن الأستاذ عبد الإله بنكيران يعيش في مأزق سياسي كبير، بل أكثر من ذلك ،يمكن القول أنه يعيش في ورطة
سياسية كبيرة ، و قد تجلت ملامحها الأولى منذ أن نصب كأول رئيس حكومة مغربي في
تاريخنا السياسي .
ورطة شلت قدرته على إنتاج فعل سياسي حقيقي يخرج
به المغرب من أزماته التي تراكمت منذ الاستقلال إلى الآن . ورطة مفادها أن لا حركة
و لا سكون إلا بإذن الأسياد أولي النعمة ، أو بالأحرى ، أولي النقمة .
هناك عدة مستويات نظر لرصد تجليات تلك الورطة :
أولا : بنكيران لا يدري الآن ماذا سيفعل بهذا الائتلاف الحكومي الثاني
المرتقب . فلن تنفعه ، هذه المرة ، تلك الطريقة التهريجية التي بات يعرف بها ، في
أن يغير من أمر التدبير الحكومي شيئا . فالرأي العام المغربي كان ، في حقيقة الأمر
، لا يستسيغها، و كان يعتبرها مجرد نكتة ثقيلة على النفس، مجرد تعبير عن آليات
نفسية دفاعية هروبية يلجأ إليها الإنسان
أوقات الشد ة . و قد كان رئيس حكومتنا يلجأ إليها عندما تشتد عليه أمور السياسة و
الحكم .
التهريج
، إذن ، في زمن هذه الورطة قد يزيد من
تضخم الأزمة و قد يعرض صاحبه ، لا قدر
الله ، إلى السخرية و تبخيس الذات .
ثانيا
: بنكيران لن يستطيع الانسحاب والاستقالة من
منصبه ليظهر للذين وثقوا فيه و منحوه أصواتهم في الانتخابات ، حسن نيته و صدق
سريرته ، لأن المغرب غير مستعد كي ينظم انتخابات سابقة لأوانها . فالتكلفة ، لو
ندري ، كبيرة جدا .
ثالثا
: بنكيران لم يعد يبق لديه ، بعد كل هذا الذي جرى له، تلك المساحة الكبيرة للمناورة السياسية ، التي
غالبا ما تكون لدى تلك الزعامات السياسية التي خرجت من معركة الانتخابات منتشية
بمذاق النصر الحلو و الأمل كله يحدوها في تحقيق الأمنيات . فالرجل قد ضيقت عليه كل تلك المساحة . فبعد أن كانت تتوفر لديه
خيارات تحفظ له " كرامته السياسية " و تصون له العهد الذي قطعه مع
منتخبيه ، فإننا نراه الآن قد سيق ، من حيث يدري أو لا يدري ، إلى إتباع خيار واحد
و وحيد ألا و هو ترميم ائتلاف حكومي ، لا يحمل من هذا المعنى إلا الاسم ، و تطعيمه بعناصر حزبية أخرى .
رابعا :
بنكيران نراه ، الآن ، قد استنفذ، كل تلك الطاقة الخلاقة التي
ستسعفه في إنتاج خطاب سياسي واعد . فالظاهر أنه قد صرفها في تفكيك رموز حيل و مكائد خصومه
السياسيين .
خامسا و
أخيرا بنكيران نراه قد استعمل كل الأوراق السياسية التي بحوزته و
حرق كل سفنه الحربية . شيء أكيد أنه سيكون هو القائد لهذا الائتلاف الحكومي الجديد
. لكن .. هذه المرة ، لن يكون ،
بعد هذا الذي جرى له، قائده الحقيقي .
فلماذا
إذن ؟
لنجب
، بسرعة ، عن هذا السؤال ، و لنقل أن هناك أياد خفية ماسكة بخيوط هذه اللعبة
السياسية من وراء ستار تحركها كيفما شاءت ، تعتبر أن" اللعبة البنكرانية "
قد انتهت صلاحيتها ، بزوال خطر الحراك الذي عرفه العالم العربي قيل سنتين و نصف ،
و الذي امتد لهيبه فلفح المغرب ، و كاد يتحول
ذلك اللهيب إلى نار مشتعلة تأتي على الأخضر قبل اليابس . و إننا لنكاد نسمع
على لسان هذه الأيادي الخفية القول الموجه
لبنكيران التالي :" شكرا لكم يا بنكيران . لقد قمتم بدوركم و أحسنتم لعبه . لقد
كنا نمتلك رؤية استباقية لما كان سيقع من
أحداث جسام في بلدنا جميعا العزيز علينا ، فارتأينا ، كمخرج من هذا النفق المظلم
أن نطرح بعض الإصلاحات الأساسية في البلاد ، و من جملتها الإصلاحات الدستورية . و
كان من ثمرة هذا الورش الإصلاحي أن تصدر
حزبكم للانتخابات التشريعية الأخيرة و
أعلنا ميلاد حكومة تترأسونها أنتم . و حتى لا ينزلق الفعل السياسي نحو متاهات لا
تحمد عقباها و يصبح أداة طيعة هي يد حزبكم ذي المرجعية الإسلامية ، ارتأينا ، نحن الأيادي الخفية ، أن ندفع بكم إلى
سلك و نهج العبث السياسي و هو كالتالي :
لقد أردنا أن تكون تركيبة حكومتكم و طريقة توزيع المسؤوليات القطاعية فيها بحسب
رصيد كل حزب من الأغلبية في الانتخابات ، لكن ، في المقابل ، أردنا ، و هذا هو
جوهر هذا العبث ، أن تكون حصة بعض الأحزاب في حكومتكم غير متناسبة مع حجمه في مجلس
النواب ، و هذا ما أعطى الفرصة لحزب الاستقلال ، منافسكم الشرس في الانتخابات ، بعد أن
تم تغيير أمانته العامة و جعل شباط ، شبيهكم في التهريج ، على رأسها ، أن يطالب في
أول الأمر بتعديل حكومي . و لما لم تلبون طلبه ، طالبكم أن تعيدو النظر في الطريقة المعمول بها في
التدبير التشاركي للملفات الكبرى ، و ذلك باعتماد مقاربة أخرى تناسب الظرفية الجديدة
التي بدأ يعيشها كحزب يتوفر على
زعامة جديدة. و لما لم يتسن لكم تحقيق
مراده خرج بقرار انسحاب وزرائه من الحكومة . و هذا ، لعمرنا ، قرار يكشف عن
التناقضات التي تتخبط فيها حكومتكم الموقرة .فكان
المراد ، في العمق ، ليس هو
المطالبة بالتعديل في الحكومة، بل كان المراد
هو إفشال أداء حكومتكم ، في كل مسعى من مساعيها الذي يجعل حزبكم يحظى بشعبية كبيرة
. فكما تعلمون ، لا نريد من كل حزب من الأحزاب سوى أن يلبس " قشابته السياسية
" وفق المقاس الذي حدد له مسبقا . فما كان مطلوب من حزبكم من تجنيب المغرب من
ويلات هذا الربيع العربي قد نفذ . فعليكم
، الآن ، أن تتكيفوا فورا مع حجمكم السابق .
و كفى الله المغاربة شرور كل فوضى و شرور كل اقتتال "
http://hespress.com/writers/85125.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق