الأربعاء، 31 يوليو 2013

بنكيران في ورطة !!!


 

 

عبد الجبار الغراز      

       الآن .. و بعد قبول الملك لاستقالة وزراء حزب الاستقلال من الحكومة الحالية ، يصح القول  أن الأستاذ عبد الإله بنكيران  يعيش في مأزق سياسي كبير، بل أكثر من ذلك ،يمكن القول أنه يعيش في ورطة سياسية كبيرة ، و قد تجلت ملامحها الأولى منذ أن نصب كأول رئيس حكومة مغربي في تاريخنا السياسي .

      ورطة شلت قدرته على إنتاج فعل سياسي حقيقي يخرج به المغرب من أزماته التي تراكمت منذ الاستقلال إلى الآن . ورطة مفادها أن لا حركة و لا سكون إلا بإذن الأسياد أولي النعمة ، أو بالأحرى ، أولي النقمة .

    هناك عدة مستويات نظر لرصد تجليات تلك الورطة :

     أولا : بنكيران لا يدري  الآن ماذا سيفعل بهذا الائتلاف الحكومي الثاني المرتقب . فلن تنفعه ، هذه المرة ، تلك الطريقة التهريجية التي بات يعرف بها ، في أن يغير من أمر التدبير الحكومي شيئا . فالرأي العام المغربي كان ، في حقيقة الأمر ، لا يستسيغها، و كان يعتبرها مجرد نكتة ثقيلة على النفس، مجرد تعبير عن آليات نفسية دفاعية هروبية يلجأ إليها  الإنسان أوقات الشد ة . و قد كان رئيس حكومتنا  يلجأ إليها عندما تشتد عليه أمور السياسة و الحكم .

   التهريج  ، إذن ، في زمن هذه الورطة قد يزيد من تضخم الأزمة و قد يعرض صاحبه  ، لا قدر الله ، إلى السخرية و تبخيس الذات .   

   ثانيا :  بنكيران لن يستطيع الانسحاب والاستقالة من منصبه ليظهر للذين وثقوا فيه و منحوه أصواتهم في الانتخابات ، حسن نيته و صدق سريرته ، لأن المغرب غير مستعد كي ينظم انتخابات سابقة لأوانها . فالتكلفة ، لو ندري ،  كبيرة جدا .

   ثالثا :  بنكيران  لم يعد يبق لديه ، بعد كل هذا الذي جرى له،  تلك المساحة الكبيرة للمناورة السياسية ، التي غالبا ما تكون لدى تلك الزعامات السياسية التي خرجت من معركة الانتخابات منتشية بمذاق النصر الحلو و الأمل كله يحدوها في تحقيق الأمنيات . فالرجل قد ضيقت عليه  كل تلك المساحة . فبعد أن كانت تتوفر لديه خيارات تحفظ له " كرامته السياسية " و تصون له العهد الذي قطعه مع منتخبيه ، فإننا نراه الآن قد سيق ، من حيث يدري أو لا يدري ، إلى إتباع خيار واحد و وحيد ألا و هو ترميم ائتلاف حكومي ، لا يحمل من هذا المعنى إلا الاسم  ، و تطعيمه بعناصر حزبية أخرى .

   رابعا :   بنكيران  نراه ، الآن  ، قد استنفذ، كل تلك الطاقة الخلاقة التي ستسعفه في إنتاج خطاب سياسي واعد . فالظاهر أنه قد  صرفها في تفكيك رموز حيل و مكائد خصومه السياسيين . 

      خامسا و أخيرا بنكيران  نراه  قد استعمل كل الأوراق السياسية التي بحوزته و حرق كل سفنه الحربية . شيء أكيد أنه سيكون هو القائد لهذا الائتلاف الحكومي الجديد .  لكن .. هذه المرة ،  لن يكون ،  بعد هذا الذي جرى له، قائده الحقيقي .            

       فلماذا إذن ؟  

        لنجب ، بسرعة ، عن هذا السؤال ، و لنقل أن هناك أياد خفية ماسكة بخيوط هذه اللعبة السياسية من وراء ستار تحركها كيفما شاءت ، تعتبر أن" اللعبة البنكرانية " قد انتهت صلاحيتها ، بزوال خطر الحراك الذي عرفه العالم العربي قيل سنتين و نصف ، و الذي  امتد لهيبه فلفح المغرب ، و كاد يتحول ذلك اللهيب إلى نار مشتعلة تأتي على الأخضر قبل اليابس . و إننا لنكاد نسمع على  لسان هذه الأيادي الخفية القول الموجه لبنكيران التالي :" شكرا لكم يا بنكيران . لقد قمتم بدوركم و أحسنتم لعبه . لقد كنا نمتلك رؤية استباقية لما كان سيقع  من أحداث جسام في بلدنا جميعا العزيز علينا ، فارتأينا ، كمخرج من هذا النفق المظلم أن نطرح بعض الإصلاحات الأساسية في البلاد ، و من جملتها الإصلاحات الدستورية . و كان من ثمرة هذا الورش الإصلاحي  أن تصدر حزبكم للانتخابات التشريعية الأخيرة  و أعلنا ميلاد حكومة تترأسونها أنتم . و حتى لا ينزلق الفعل السياسي نحو متاهات لا تحمد عقباها و يصبح أداة طيعة هي يد حزبكم  ذي المرجعية الإسلامية ،  ارتأينا ، نحن الأيادي الخفية ، أن ندفع بكم إلى سلك و نهج العبث السياسي  و هو كالتالي : لقد أردنا أن تكون تركيبة حكومتكم و طريقة توزيع المسؤوليات القطاعية فيها بحسب رصيد كل حزب من الأغلبية في الانتخابات ، لكن ، في المقابل ، أردنا ، و هذا هو جوهر هذا العبث ، أن تكون حصة بعض الأحزاب في حكومتكم غير متناسبة مع حجمه في مجلس النواب ، و هذا ما أعطى الفرصة لحزب الاستقلال ، منافسكم الشرس في الانتخابات ،  بعد أن  تم تغيير أمانته العامة و جعل شباط  ، شبيهكم في التهريج ، على رأسها ، أن يطالب في أول الأمر بتعديل حكومي . و لما لم تلبون طلبه ، طالبكم  أن تعيدو النظر في الطريقة المعمول بها في التدبير التشاركي للملفات الكبرى ، و ذلك باعتماد مقاربة أخرى تناسب الظرفية الجديدة التي بدأ يعيشها كحزب  يتوفر على زعامة  جديدة. و لما لم يتسن لكم تحقيق مراده  خرج بقرار انسحاب وزرائه  من الحكومة . و هذا ، لعمرنا ، قرار يكشف عن التناقضات التي تتخبط فيها حكومتكم الموقرة .فكان  المراد ، في العمق ،  ليس هو المطالبة بالتعديل في الحكومة،  بل كان المراد هو إفشال أداء حكومتكم ، في كل مسعى من مساعيها الذي يجعل حزبكم يحظى بشعبية كبيرة . فكما تعلمون ، لا نريد من كل حزب من الأحزاب سوى أن يلبس " قشابته السياسية " وفق المقاس الذي حدد له مسبقا . فما كان مطلوب من حزبكم من تجنيب المغرب من ويلات هذا الربيع العربي  قد نفذ . فعليكم ، الآن ، أن تتكيفوا فورا مع حجمكم السابق .  و كفى الله المغاربة شرور كل فوضى و شرور كل اقتتال "
نشر بهيسبريس الرابط :  
http://hespress.com/writers/85125.html
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق