تعقيبا على المقال " طلب زواج غير رومانسي " الصادر بجريدة " أخبار اليوم "عدد يوم الخميس 12 / 06 / 2014 تحت رقم 1395 و الذي ترى فيه صاحبته الإعلامية و الكاتبة المقتدرة فاطمة الإفريقي أن الرجل تعوزه القدرة في أن يتعامل بشكل رقيق و عذب و رومانسية مع فتاة أحلامه التي ينوي خطبتها و الزواج منها ، يمكن القول أن ما جاء في المقال قد أصاب كبد الحقيقة : فالرجل المغربي لا يستطيع بالفعل أن يعبر عن مكنونات قلبه بالرقة العاطفية و بالرومانسية التي يرغبها عدد من النساء المغربيات .
لكن ، هناك جملة تساؤلات ينبغي طرحها :
ما الذي يجعلنا ، في حقيقة الأمر ، في أعين نساءنا ، مجرد ذكور و ليس رجال ؟ لماذا يشيئ الرجل المرأة و ينظر إليها على أنها مجرد جسد مثير للغريزة الجنسية ؟ هل يمكن اعتبار الرجل ، باسم الثقافة الذكورية ، هو المسؤول عن الغبن الاجتماعي الذي تعيشه المرأة داخل مجتمعنا ؟ و هل يمكن ، دائما ، اختزال حياة رجل مع امرأة في بعد واحد و وحيد يجعل منهما مجرد كائنات اجتماعية متصارعة ؟
كمحاولة للإجابة عن هذه التساؤلات يمكن القول أن هذا التحجر العاطفي الذي يسم سلوك الرجل المغربي لم تأت من فراغ ، بل كان وليد النسق التربوي التقليدي و التنشئة الاجتماعية اللذان خضع لهما الرجل و ما يزال في طفولته .
فإذا كان المجتمع ، بشكل عام ، يحدد القاعدة السلوكية و القيمية التي ينبغي على الأفراد و الجماعات إرساء سلوكهم و توجهاتهم عليها ، فإن دور اللآباء يتجلى في تأطير سلوك الأبناء و توجيهه نحو الوجهة التي يرتأون أنها تنسجم و تلك القواعد الاجتماعية .
فضدا على هذا القانون الاجتماعي العام رسخ النسق التربوي المغربي التقليدي ثقافة الميز بين الذكر و الأنثى . و اعتبر الذكر متميزا عن الأنثى .. الشيء الذي ترتب عنه تجدر الإحساس بالدونية و بالغبن لدى الفتاة المغربية و تمركزه في لاوعيها . هذا الأخير سيفعل فعلته عندما تتزوج تلك الفتاة و تخضع لسلطة زوجها و محيطه الأسري بعدما كانت خاضعة لسلطة والدها . فعند لعبها لدور الأمومة ستحاول تأطير سلوك ابناءها الذكور و توجيهه وفق قاعدتها النفسية ، الشيء الذي قد يترتب عنه سلب هؤلاء الأمهات من حيث لا يدرين ، لرجولة أبنائهن و محاولة تملكها و الاستحواذ عليها، كإجراء انتقامي من السلطة الذكورية، بشكل يمنع هؤلاء الذكور التماهي الطبيعي مع أنوثة أمهن و محاولة تشربها عاطفيا و وجدانيا لاستثمارها لاحقا ، بشكل إيجابي ، بعد سن البلوغ عند ارتباطهم مع من يختلف معهم جنسيا .
و بدون خلفية متعصبة لجنسنا الذكوري ، و بدون تبني نظرة ازدرائية للأنوثة النسوية أقر ، تبعا لهذا النسق التربوي التقليدي المقيت ، بأن الرجل الشرقي ما يزال يسكن دواخلنا .. فنحن ، في الظاهر ، نريد من المرأة أن تكون شبيها لنا ، لكن ، في الباطن ، لا نريد ، في حقيقة الأمر ، أن ترتقي علاقتنا بها إلى مستوى الندية ..
نريدها أن تكون الزوجة التي تلعب مختلف أدوار الأم .. حتى تدخلنا ، رمزيا ، إلى عالمنا الأولي لنستكين هناك في انطوائية رحمية .. دون أن نعي أن أنثويتها هاته ستسلب ذكورتنا أو بالأحرى رجولتنا المخصية .
ذاكرتنا الجمعية ، نحن الرجال ، مصابة بخرف مزمن ، فهي تأبى إلا أن تحبك القصص تلو القصص و تعيد ترتيب الأمكنة وسط خواء زماني مطلق تسبح فيه سجلاتنا و سيرنا المقدسة الخالدة .. إذ نجدها تصور المرأة كمجرد " ضلعة عوجاء " خارجة من بين أضلعنا ..
لقد نست هذه السير، أو بالأحرى تناست ،أن المرأة هي أصلنا ومنبتنا الطبيعي ، و أنها نعيمنا الأبدي الذي حولته إلى فردوس مفقود ، فغدونا في حيواتنا الدنيا مسخا كافكاويا يستلذ الرقاد كالدببة القطبية ، على إيقاع سمفونيات شخيرنا ، يحلم بالحور العين و بالجنات النعيم بدون اعتبار للدنيا و الدين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق