الخميس، 17 أكتوبر 2013

الشخص


 

الشخص

تأطير إشكالي

 

        يشير مفهوم الشخص ، على مستوى دلالته اللغوية ، حسب " لسان العرب " لابن منظور ، إلى معاني الظهور و البروز و التعين و التشخصن . كما يشير ، أيضا ، إلى القناع ، كما تحيل إلى ذلك لفظة Persona اللاتينية . هذا المعنى اللغوي المزدوج ، يكشف عن مفارقة واضحة مفادها أن لفظة " الشخص " ترتبط ، من جهة أولى، بالتشخيص المسرحي . فالشخص هو ذلك القناع الذي يستخدمه الممثل ليخفي ملامحه الحقيقية كشخص حقيقي لتختفي وراء " شخوص المسرحية " المفروض عليه تقمصها ، كما أنه ، من جهة أخرى ، هو ذلك الفرد الماثل أمامنا البارز بشخصيته ، أو أيضا ، ذلك الجوهر الكامن في دواخل الإنسان المتميز بوعيه ،و المتحمل  لمسؤولية كل ما يصدر عنه من أقوال و أفعال .

 

       هذه المفارقة التي يقدمها هذا المفهوم ، لغويا ، تدفعنا لكي نطرح التساؤل الإشكالي التالي: كيف يفيد الشخص شيئين متضادين في نفس الوقت : الظهور و التشخصن ، من جهة ، و التنكر و التواري خلف الأقنعة ، من جهة أخرى ? فما الشخص إذن ؟

 

       و للإجابة على هذا التساؤل ، ينبغي مقاربة مفهوم الشخص فلسفيا ، حتى نكون على بينة من خلفياته الفلسفية التي تؤطره .

     

        لقد اقتصر الشخص ، كمفهوم فلسفي ، على الكائن البشري ، دون ان يشمل باقي الكائنات الحية الاخرى . و ينبغي في هذا الإطار ، التمييز بين معنيين لمفهوم الشخص: معنى فلسفي ميتافيزيقي ، و معنى سيكلوجي . فالمعنى الأول يهتم بالذات الإنسانية باعتبارها وحدة صورية بغض النظر عن كل مضمون يشرحها.  و قد ظهرت بوادره مع أفلاطون في نظريته في خلود النفس و تطهيرها من الجسد بواسطة التفكير . كما ظهرت بوادره أيضا مع سقراط من خلال قولته المشهورة " أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك "

 

       لكن مفهوم الشخص لم يتبلور إلا مع فلاسفة العصور الحديثة. فديكارت قد اعتبر الشخص  "أنا مفكر " مرتكز على الذات الحرة المتمتعة باستقلاليتها  الفكرية الأصيلة . أما الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط  فقد اعتبره مبدأ مؤسسا لكل أخلاق يمتثل عبرها الشخص ، بشكل مطلق ، لنداء للواجب و لروح المسؤولية .

 

       أما المعنى الثاني لهذا المفهوم ، فهو سيكولوجي ، الذي انصب جهده على إبراز سمات و صفات" الأنا " محاولا  تمييزها عن سمات و صفات" أنا " أخرى.

 

       يتوفر مفهوم الشخص على هوية نابعة إما من فكره أو إحساسه أو نابعة من ما هو داخلي فيه كإراداته و حريته و كرامته. هذه الهوية هي محط نقاش فلسفي دار حول مقوماتها و أساسياتها ،الذي قد يفترض إما وجود أنا ماهوية ثابتة كما قد يفترض ذاتا تطبعها الدينامية أو يفترض رؤية تحليلية نفسية تنزع عن تلك الأنا مركزيتها و تقوض تطابقها مع نفسها.

 

       كما يتوفر مفهوم الشخص أيضا على قيمة يستمدها من كفاءته الفكرية ، كذات تتوفر على معارف ، أو يستمدها من ذاته الحقوقية المتشبعة بأخلاق المسؤولية و الواجب . فهذه القيمة المعطاة للشخص ، حتى و إن كانت مطلقة فهي لا تتجاوز وضعها إلى حقوق الغير.

 

      غير أن الشخص ، رغم توفره على هوية و على قيمة خاصتين به ، فهو ينتمي إلى جماعة بشرية و يتعايش معها وفق شروط موضوعية تحد من حريته تجعله يدرك أن وجوده يكون مشروطا بضرورات وحتميات ، فهل يعني هذا أن لا مكان للحرية في حياته ، ام يعني أن حريته تكون محدودة بالمشروع الذي يكون من إبداعه و من صنعه ؟ فما السبيل ، إذن ، إلى تجاوز تلك المحددات و تلك الشروط الموضوعية لتحقيق هوية حقيقية ليستعيد بها الشخص قيمته و يمارس حريته ؟

 

      للاجابة عن هذا التساؤل المركزي حول مفهوم الشخص ، يقتضي منا مقاربته :

-          أولا على مستوى هويته  .

-           و ثانيا على مستوى قيمته .

-          و ثالثا على مستوى حدوده ، أي على مستوى تأرجحه بين الضرورة و الحرية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق