الشخص
تأطير إشكالي
يشير
مفهوم الشخص ، على مستوى دلالته اللغوية ، حسب " لسان العرب " لابن
منظور ، إلى معاني الظهور و البروز و التعين و التشخصن . كما يشير ، أيضا ، إلى
القناع ، كما تحيل إلى ذلك لفظة Persona اللاتينية . هذا المعنى اللغوي المزدوج ، يكشف عن مفارقة
واضحة مفادها أن لفظة " الشخص " ترتبط ، من جهة أولى، بالتشخيص المسرحي
. فالشخص هو ذلك القناع الذي يستخدمه الممثل ليخفي ملامحه الحقيقية كشخص حقيقي
لتختفي وراء " شخوص المسرحية " المفروض عليه تقمصها ، كما أنه ، من جهة أخرى
، هو ذلك الفرد الماثل أمامنا البارز بشخصيته ، أو أيضا ، ذلك الجوهر الكامن في
دواخل الإنسان المتميز بوعيه ،و المتحمل لمسؤولية
كل ما يصدر عنه من أقوال و أفعال .
هذه المفارقة التي يقدمها هذا المفهوم ،
لغويا ، تدفعنا لكي نطرح التساؤل الإشكالي التالي: كيف يفيد الشخص شيئين متضادين
في نفس الوقت : الظهور و التشخصن ، من جهة ، و التنكر و التواري خلف الأقنعة ، من
جهة أخرى ? فما الشخص إذن ؟
و للإجابة على هذا التساؤل ، ينبغي مقاربة
مفهوم الشخص فلسفيا ، حتى نكون على بينة من خلفياته الفلسفية التي تؤطره .
لقد اقتصر الشخص ، كمفهوم فلسفي ، على
الكائن البشري ، دون ان يشمل باقي الكائنات الحية الاخرى . و ينبغي في هذا الإطار
، التمييز بين معنيين لمفهوم الشخص: معنى فلسفي ميتافيزيقي ، و معنى سيكلوجي .
فالمعنى الأول يهتم بالذات الإنسانية باعتبارها وحدة صورية بغض النظر عن كل مضمون
يشرحها.
و قد ظهرت بوادره مع أفلاطون في نظريته في
خلود النفس و تطهيرها من الجسد بواسطة التفكير . كما ظهرت بوادره أيضا مع سقراط من
خلال قولته المشهورة " أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك "
لكن مفهوم الشخص لم يتبلور إلا مع فلاسفة
العصور الحديثة. فديكارت قد اعتبر الشخص "أنا مفكر " مرتكز على الذات الحرة
المتمتعة باستقلاليتها الفكرية الأصيلة . أما
الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط فقد
اعتبره مبدأ مؤسسا لكل أخلاق يمتثل عبرها الشخص ، بشكل مطلق ، لنداء للواجب و لروح
المسؤولية .
أما المعنى الثاني لهذا المفهوم ، فهو سيكولوجي
، الذي انصب جهده على إبراز سمات و صفات" الأنا " محاولا تمييزها عن سمات و صفات" أنا " أخرى.
يتوفر مفهوم الشخص على هوية نابعة إما من
فكره أو إحساسه أو نابعة من ما هو داخلي فيه كإراداته و حريته و كرامته. هذه
الهوية هي محط نقاش فلسفي دار حول مقوماتها و أساسياتها ،الذي قد يفترض إما وجود أنا
ماهوية ثابتة كما قد يفترض ذاتا تطبعها الدينامية أو يفترض رؤية تحليلية نفسية
تنزع عن تلك الأنا مركزيتها و تقوض تطابقها مع نفسها.
كما يتوفر مفهوم الشخص أيضا على قيمة
يستمدها من كفاءته الفكرية ، كذات تتوفر على معارف ، أو يستمدها من ذاته الحقوقية
المتشبعة بأخلاق المسؤولية و الواجب . فهذه القيمة المعطاة للشخص ، حتى و إن كانت
مطلقة فهي لا تتجاوز وضعها إلى حقوق الغير.
غير أن الشخص ، رغم توفره على هوية و على
قيمة خاصتين به ، فهو ينتمي إلى جماعة بشرية و يتعايش معها وفق شروط موضوعية تحد
من حريته تجعله يدرك أن وجوده يكون مشروطا بضرورات وحتميات ، فهل يعني هذا أن لا
مكان للحرية في حياته ، ام يعني أن حريته تكون محدودة بالمشروع الذي يكون من إبداعه
و من صنعه ؟ فما السبيل ، إذن ، إلى تجاوز تلك المحددات و تلك الشروط الموضوعية
لتحقيق هوية حقيقية ليستعيد بها الشخص قيمته و يمارس حريته ؟
للاجابة عن
هذا التساؤل المركزي حول مفهوم الشخص ، يقتضي منا مقاربته :
-
أولا على مستوى هويته .
-
و ثانيا على مستوى قيمته .
-
و ثالثا على مستوى حدوده ، أي على مستوى تأرجحه
بين الضرورة و الحرية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق