الثلاثاء، 15 أكتوبر 2013

مجزوءة الوضع البشري


                                             مجزوءة الوضع البشري

تقديم

     إذا أردنا أن نقدم تعريفا لمفهوم "الوضع البشري " ، ينبغي علينا أن
نعتبره مفهوما فلسفيا يحصر الذات البشرية و يحددها في مختلف مستويات الوجود و
 أبعاده المختلفة البيولوجية و النفسية و الاجتماعية و التاريخية .

    هذه الأبعاد جعلت الوجود البشري يتسم بالتعقيد مع استحالة فهم جوهره والتحكم فيه ، و بالتالي وضعت الإنسان أمام ازدواجية لا مفر من ترتيباتها ، وأشرطته بسلسة من الضرورات و الحتميات :  فقد جعلته يكون ،من جهة أولى ، الكائن الوحيد وسط هذه الكائنات ، الذي يستطيع اختيار نمط وجوده في هذا العالم بفضل ما يمتلكه من تفكير و وعي  ، و بفضل ما ينسجه من علاقات اجتماعية التي يقوم بتطويرها باستمرار ، و  جعلته يكون ، من جهة ثانية مقابلة ، ذاتا غير منعزلة تعيش مع الآخرين و خاضعة لللإكراهات و للظروف المحيطة بها .

     انطلاقا من هذا الوضع ، يتحدد الإنسان من خلال مستويين : ذاتي و آخر موضوعي .
     ففي المستوى الأول ، يبرز بوصفه شخصا أخلاقيا و حقوقيا له اختيارات ، تعتبر بمثابة مشروع ، يحاول ساعيا بواسطته مواجهة الظروف الخارجية المحيطة به ، إما بالرفض و إما بالقبول و إما بالتجاوز.
     أما في المستوى الثاني ، فإن اختياراته تتقلص ، بسبب دخوله القسري في
علاقات و تفاعلات مع الغير . فإما أن يرسيها على أسس متينة فتجعل منه هذه
الوضعية ، كائنا اجتماعيا و تاريخيا تضفي على المجتمع و على التاريخ معنى ما، و
إما أن يرسيها على أسس واهية فتجعل منه هذه الوضعية ، كائنا محكوم بإشراطاتها
و حتمياتها القاهرة الطامسة لذاته و حريته و إرادته و فاعليته في المجتمع و
التاريخ .  

     فالوجود البشري ، إذن ، و انطلاقا مما تقدم ، يعني في جوهره تقاطع مجموعة
من الشروط و الأبعاد :  منها ما هو فردي شخصي ، و منها ما هو علائقي يربط
الشخص  بالغير ، و منها ما هو زماني يجعل من الإنسان كائنا مرتبطا بتاريخه. 

     و هكذا ، و بناء عليه ، يظهر الكائن البشري كفرد، بمظهر الشخص ذو الوحدة السيكولوجية و الوجدانية و العقلية ، كما يظهر أيضا بمظهر ذلك الكائن الحر و المتمتع بالإرادة و بالكرامة ، المستقل بذاته ، و المتطور و النامي بشكل تدريجي و متصاعد ، و  المتميز عن باقي الكائنات الأخرى باكتسابه للوعي و للغة . لكنه ، في نفس الوقت ، يظهر أيضا ككائن مشروط بمحددات بيولوجية و اجتماعية لاواعية تكبل إرادته الميالة بطبعها إلى التحرر . فقد اقتضت  سيرورة تطوره كشخص أن تكون مشروطة بوجود الغير، و  مشروطة أيضا، كسيرورة نفسية طويلة الأمد ، بمحيطه السوسيو- ثقافي الذي ينتمي إليه. فلا وجود ، إذن ، و الحالة هذه ،  لشخص بدون أغيار يتقاسمون و يؤسسون معه الحياة الاجتماعية . فالشخص و الغير يشكلان معا جزء من هذا النظام الجماعي المبني على أسس اقتصادية و سياسية و ثقافية الذي يسمى بالمجتمع .

     فالوضع البشري ، الذي قمنا ، الآن ، بعرض أهم خصائصه فلسفيا ، يجعلنا أمام
تقابلات ،و مفارقات ، و بالتالي يضعنا أمام إشكاليتين فلسفيتين ، إشكالية الشخص و
إشكالية الغير .
    و هكذا سنتساءل في الأولى عن الشخص في مستوياته الثلاثة : هويته ، قيمته،و تأرجحه بين الحرية و بين الحتمية . بينما نتساءل في الثانية عن الغير في مستوى
وجوده و مستوى معرفته و مستوى العلاقات الممكنة التي يمكن أن ننسجها معه .

     فما الشخص  إذن؟ و ما الأساس الذي تقوم عليه هويته ؟ و بأي معنى يمكن
اعتباره ذو قيمة معرفية و أخلاقية ؟ و هل له القدرة على التحرر من إكراهات
الضرورة و الحتمية ؟ و هل يمكن تصوره معطى ثابتا أم يمكن تصوره ذاتا متطورة و
مبدعة ؟
    و ما الغير ؟ و هل يشكل وجوده بعدا أساسيا في حياتنا ؟ وهل يمكن إقامة
معرفة ممكنة عنه ؟ و ماهي طبيعة العلاقة معه ؟ هل يشوبها التكامل  أم الصراع 
مع الذات ؟  
هوامش : اعتمدنا في بناء هذا الدرس الفلسفي على المراجع االمدرسية التالية  :
مباهج الفلسفة . مسلك الآداب و العلوم الإنسانية الثانية باكالوريا . افريقيا الشرق  ص  : 9
منار الفلسفة . مسلك الآداب و العلوم الإنسانية الثانية باكالوريا . افريقيا الشرق ص  : 9
في رحاب الفلسفة . مسلك الآداب و العلوم الإنسانية الثانية باكالوريا . افريقيا الشرق ص ص :  8 -9

هناك تعليق واحد: