ا لشخص بوصفه قيمة
تأطير إشكالي
القيمة
هي خاصية تقديرية ذات أساس معياري أخلاقي و ذاتي ، يفترض إن وجدت في الشيء جعلته
إما مرغوبا فيه أو غير مرغوب فيه . و هي بهذا المعنى تتجسد في الأحكام التقديرية الذاتية
المتضمنة لمعاني الاستحسان أو لمعاني الاستهجان . كما أنها تعني كل ما يمكن أن نضفيه
على الأشياء أو الأشخاص من أحكام تحدد مكانتها بالنسبة لنا ، انطلاقا من مقارنتها
بنموذج أسمى .
فبناء على هذا المعنى للقيمة ، يمكن أن نؤطر هذا
المحور من موضوع الشخص ، انطلاقا من اعتبار هذا الأخير يتأرجح وجوده القيمي بين
كونه ، من جهة أولى ، يشكل واقعة مادية نابعة
من تصور أداتي يعتمد قيمة الشخص من حيث كونه وسيلة لتكوين معرفة موضوعية عنه ، و
من جهة ثانية يشكل كينونة نفسية متميزة نابعة من تصور تأويلي تفهمي ، يعتمد تلك
القيمة من حيث اعتبار الشخص غاية في حد ذاته .
فهذا
التصور الأخير يجعل من الشخص ذاتا حقوقية لديها ما يكفي من التبصر الأخلاقي و
المسؤولية عن كل ما يصدر عنها من أقوال و أفعال . لأن أساس الوحدة الكلية للشخص هو
ذلك البناء الإرادي الذي يكون مؤطرا بقيم المجتمع و نظمه المعيارية التي يرتكز
عليها. هذا الإقرار، حتى و إن كان ينفي كل قيمة مطلقة محسوبة على الشخص تريد أن تتجاوز
حقوق الغير، فإنه لا يستبعد استقلالية الشخص عن الآخرين ، تلك الاستقلالية التي
تكون مستمدة منهم، انطلاقا من مشاركة الشخص معهم .
فبين هذين التصورين تكمن إشكالية الشخص بوصفه
قيمة . فهل تكمن قيمة الشخص في كونه غاية أو في كونه وسيلة ؟
يجيبنا عن هذه
الإشكالية الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط ( 1724 – 1804 ) خاصة في كتابه "
أسس ميتافيزيقا الأخلاق " حيث يقدم لنا نظرة فلسفية طموحة حول قيمة الشخص
يتجاوز من خلالها أطروحة ديكارت . فقيمة الشخص ، بحسبه ، لا تتحدد في فعل التفكير و
الوعي بالذات ، ذلك الفعل الذي حاول ديكارت أن يجعل الإنسان به كائنا ساميا فوق
جميع الكائنات . فما يجعل الشخص ساميا ، حسب كانط ، هو ما يتمتع به من كرامة و
حرية ، حيث لا يعتبر الوعي الفكري سوى مدخل لهما . فاعتبار الشخص كذات لعقل أخلاقي
عملي سوف لن يجعل منه وسيلة لتحقيق غايات الآخرين أو غاياته الخاصة ، بل سيجعل منه
ذاتا تتجاوز كل سعر ، أي سيجعل منه غاية في حد ذاته .
فالكرامة ، كقيمة داخلية مطلقة غير مشروطة
بضرورات معينة ، تعمل على تحرر الذات من قوانين الطبيعة ، و قد استمدها كانط من
محاولته صياغة مبادئ أخلاقية كونية ، التي تضم أوامر قطعية هي ، في الأساس ، أوامر
أخلاقية . فالخير بالفعل هو خير بالقصد . و الشخص ، بناء على هذا التصور الكانطي ،
هو غاية في ذاته و ليس وسيلة .
أما الفيلسوف الألماني هيجل ( 1770 – 1830 )
فإنه يعتبر في كتابه " العقل في
التاريخ " أن الشخص يستمد قيمته من خلال الامتثال لشعبه ، عبر تمثيله له ،
باحتلال مراتب معينة . هذه الأخيرة تكون نتيجة الاختيارات الحرة للشخص .
فالشخص ، من خلال هذا المعنى ، يشكل عقلا
مجردا متميزا عن طبيعته المادية ، إنه وجود غير مباشر ، وعي و حرية و انفتاح على
الواقع و على الآخرين ، و ذلك من خلال الدخول في علاقة جدلية أساسها تبادل التأثير
و التأثر .
بينما يرى الفيلسوف الفرنسي جورج غوسدورف (
1912 – 2000 ) في كتابه " مقالة في الوجود الأخلاقي " أن قيمة الشخص
تكمن في استقلاليته التي يعتبرها تشكل نقطة وصول في مسار طويل في التعلم الذي يخضع
له الشخص . هذه الاستقلالية لا يمكن أن تتحقق إلا بواسطة تجليها في أخلاق ملموسة
تحدد الجهد المبذول لأجل الوصول إلى الكمال الشخصي . فالشخص الأخلاقي لا يدرك إلا
بالمشاركة القابلة لكل وجود نسبي و المتخلية عن كل استكفاء وهمي يدعي القدرة على
العيش ماديا و معنويا في معزل عن الآخرين. فهذا هو السبيل الوحيد ، في نظر جورج
غوسدورف، الذي يضمن للشخص الانفتاح بذاته عن الكون و استقبال الغير .
و من زاوية تركيبية لحقول
دلالية متعددة فلسفية و اجتماعية و قانونية و سياسية، لصياغة تصور تركيبي موحد حول
قيمة الشخص ، يرى الفيلسوف الأمريكي جون راولز ( 1921 – 2002 ) في كتابه الهام
" نظرية العدالة " ضرورة انفتاح الشخص على الآخرين و الالتزام بمبادئ
الأخلاق و الإيمان بالتعاون و حب الخير و العدالة الاجتماعية .
أما قيمة الشخص ، حسب
الفيلسوف الفرنسي الشخصاني أمانويل مونيي ( 1905 – 1950 ) فإنها تتحدد باعتباره
كائنا مريدا و واعيا يتجاوز بإرادته و وعيه شروط وجوده ، و ليس باعتباره موضوعا
خارجيا أو كائنا متطابقا مع ذاته . فالشخص ،عبر آلية التشخصن ، يكتسب سمات شخصيته
بحيث يغنيها بتجربته في الوجود ، لأنه ليس معطى جاهزا بل هو عملية اكتساب و مراكمة
مستمرة لسماته الخاصة .
نفس السياق الذي إليه غيمانويل
مونييه ، يذهب إليه الفيلسوف المغربي محمد عزيز لحبابي ( ) في كتابه " من الكائن إلى الشخص "
. فالشخص هو ذلك الكائن المتميز المعروف بهدفيته ، و المتميز بخصوصيته الفردية و
سماته العقلية و الوجدانية و الجسمية الخاصة به وحده ، بحيث لا نستطيع أن نحدده
موضوعيا إلى ما يماثله أو يشبهه لأنه شخص متجدد يحيا في المستقبل يشعر دائما بتوتر
داخلي و بقوة تدفعه إلى إبداع الشخصية التي يرمي لأن يصبحها