الجمعة، 1 نوفمبر 2013

الشخص بين الضرورة و الحتمية


الشخص بين الضرورة و الحتمية

تأطير إشكالي

     يولد الشخص مزودا بفطرة و رغبات ، و ينمو و يكبر داخل مجتمع له معاييره و عاداته و طقوسه و رموزه الثقافية . فمن منظور التحليل النفسي ، و كما سبق الذكر ، يعتبر الشخص محكوما بإكراهات بيولوجية و ثقافية تتجلى في هيمنة اللاشعور الذي يمثل الرغبات المكبوتة .

    إذا كانت التصورات الفلسفية السابقة التي تناولت الشخص على مستوى هويته و مستوى قيمته ، تعتبره ذاتا معرفية و أخلاقية تنبع من إرادة مشكلة لصورة مثالية له، منطلقة مما يجب أن يكون ، فهل يمكن اعتبار هذه الصورة متحققة على أرض الواقع ؟ إذا كان الأمر كذلك ، فما مدى حرية الشخص في تركيب و تحقيق تلك الصورة ؟ أليست هناك ضرورات و حتميات نفسية و اجتماعية و ثقافية و تاريخية تفرض على الشخص تصرفات لا دخل له فيها ؟

   كإجابة عن تساؤلات هذه الإشكالية التي تحصر الشخص في كونه فاعلا و مريدا و حرا و في نفس الوقت خاضعا لضرورات و حتميات تكبل له تلك الإرادة و تلك الحرية ،  ينتقد الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا ( 1632 – 1677 ) التصورات العامية التي تعتبر أن الإنسان حر في اختياراته ، يتصرف وفق مشيئته . فلا توجد حرية إنسانية تجعل من الشخص كائنا أسمى من الطبيعة . فأن يكون الإنسان حر معناه أن يمتثل للضرورة التي تفرضها عليه طبيعته. فسلوك الإنسان يكون محكوما بالرغبات و الشهوات . فكل شيء جزئي مهما تعددت استعداداته هو بالضرورة مجبر من طرف علة خارجية على أن يكون و على أن يتصرف على نحو معين . يصدق هذا الكلام على الإرادة و الوعي الإنسانيين .

    أما فيلسوف الشخصانية ، إيمانويل مونييه ( 1905 – 1945 ) ، فهو يرى أن الشخص ، حتى و إن كان يعيش وسط جماعة ، فإنه يحافظ على استقلاليته و تميزه ، بل أكثر من ذلك ، يجب على المجتمع أن يساعده على ذلك و ذلك بوضع نظام شرعي قانوني . فحرية الفرد ، حسب مونييه ، تتم انطلاقا من تطوير قدراته و ميولاته بشكل فردي و بإرادة شخصية و بمساعدة المجتمع .

   أما فيلسوف الوجودية جان بول سارتر ( 1905 – 1980 ) فإنه يعتبر أن ماهية الشخص هي حريته . و الشخص لا يعتبر مشروعا يتحدد دائما به ، إلا إذا كان هذا المشروع من اختياره . فالشخص بهذا المعنى ، هو دائم التجاوز لوضعيته الأصلية بواسطة الأنشطة التي يمارسها .

   يتميز الشخص ، حسب ، سارتر ، بالتعالي عن وضعيته ، فهو بواسطة الفعل و الحركة و الخلق يستطيع أن يختار ماهيته و بالتالي مشروعه ، و يتحمل ، بالتالي مسؤولية الأفعال التي تصدر عنه كشخص يبني مصيره بيده ، فليس الإنسان شيئا آخر إلا ما هو صانع بنفسه .

   أما سيغموند فرويد فإنه يعتبر أن الشخص محكوم ، بيولوجيا ، بواسطة نظام الهو ، ذلك الخزان من الغرائز البيولوجية و الرغبات المكبوتة . و معنى هذا أن اللاوعي هو الموجه الرسمي للوعي و أن الأنا لا يعتبر سيد نفسه . فوراء حياة الشعور حياة لاشعورية تختزن كل الرغبات المكبوتة منذ عهد الطفولة المبكرة . فهذه الدوافع اللاشعورية تتحكم فيه غريزتان أساسيتان : غريزة اللبيدو و هي قوى بيولوجية تسعى إلى تحقيق اللذة الجنسية . و غريزة الموت و هي تلك الميول العدوانية الرامية إلى الكراهية و تدير الذات .

  خلاصة تركيبة

  نستخلص من خلال تحليل مفهوم الشخص ، سواء على مستوى هويته الذاتية أو على مستوى قيمته أو على مستوى خضوعه أم عدم خضوعه للضرورات و للحتميات ن الاستخلاصات التالية :

-           صعوبة تحديد هذا المفهوم الفلسفي ، النابعة من كونه مفهوما مركبا يفترض مقاربات عديدة حقوقية و و أخلاقية و سياسية و علمية إلى جانب المقاربة الفلسفية ، لتحديده .

-          هوية الشخص تشكل مفارقة فلسفية كبيرة ، لكون ارتباطها من جهة ، بالشعور و بالذاكرة ، و من جهة أخرى ارتباطها بالإرادة التواقة إلى التحرر و التغيير .

-          الشخص كائن له قيمة يستمدها من كفاءته العقلية و كفاءته الأخلاقية اللذان يتحدان معا ليشكلا ذلك الكائن العاقل  و الأخلاقي الذي يسهم مع غيره من الأشخاص في بناء الذات و المجتمع و التاريخ و الحضارة الإنسانية .

هناك 3 تعليقات:

  1. موضوع رااااااائع شكرا على مجهودك عندي سؤال شغل تفكيري منذ ايام اسطتيع الاجابه عنه دينيا لكنني اريد جوابا فلسفيا السؤال يقول ما الغاية من وجود الانسان

    ردحذف
  2. موضوع رااااااائع شكرا على مجهودك عندي سؤال شغل تفكيري منذ ايام اسطتيع الاجابه عنه دينيا لكنني اريد جوابا فلسفيا السؤال يقول ما الغاية من وجود الانسان

    ردحذف
  3. من الناحية الدينية الإسلامية ، الغاية من وجود الإنسان هي العبادة : " و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون " أما من الناحية الفلسفية ، فنرى انه لكل فيلسوف جواب على هذا السؤال . و الفلسفة ، ليست ، كالدين ، لا تميل إلى البحث عن الأجوبة اليقينية القطعية ، بل هل هي تميل إلى البحث عن الحقائق الكامنة وراء الأشياء .. الفلسفة بهذا المعنى خطاب نقدي و إشكالي همه هو إنتاج الاسئلة و ليس الاجوبة .. فالغاية من وجود الإنسان هو ان يسعى بتفكيره العقلاني و حسه النقدي إلى خلق عالم تسوده الفضيلة لتحقيق القيم الإنسانية النبيلة بعيدا عن التعصب و الكراهية و الحروب الطائفية و المذهبية .. أتمنى ان أكون قد وفقت في الإجابة على تساؤلك ..

    ردحذف