الأحد، 28 أبريل 2013

كرنفالات فاتح ماي .. نحو تأسيس خطاب مناهض لعنف الشغل


كرنفالات فاتح ماي .. نحو تأسيس خطاب مناهض لعنف الشغل

 

   بقلم : عبد الجبار الغراز

        

      تتظاهر الشغيلة في كل أرجاء المعمور في اليوم الأول من شهر ماي من كل سنة  ، احتفالا بعيد الشغل . فهذا العيد الأممي  يشكل بالنسبة إليها فرصة للاحتفال  و الاعتزاز بمختلف الإنجازات الكبيرة التي تم تحقيقها ، و في نفس الوقت يشكل فرصة للتعبير عن مطالبها المشروعة و العادلة في تكريس العدالة الاجتماعية و المنصفة و تحقيق المساواة .  

     و نحن في هذه المناسبة السعيدة ، نقف وقفة المتأمل في كل ما يرمز إليه هذا العيد الأممي من دلالات و معان . و لعلها أهمها ينصب ، على المستوى الفلسفي ، على نقد مفاهيم تتاخم مفهوم الشغل كمفهوم مركزي ، يتعلق الأمر بمفهومي  "الاستلاب " و  " الحرية " . فبين هذين المفهومين تتشكل مسيرة نضالية كبيرة تجمع بين كل الأطياف من عمال و مثقفين و طلبة و هيئات نقابية و جمعيات حقوقية،  تحاول بعزم و طموح تجاوز تلك الوضعيات التي يفرزها واقع الشغل في كل أرجاء العالم ، مكرسة خطابا مضادا و مناهضا لخطاب الشغل ، الذي يتأرجح بين اعتباره  يشكل عامل  استيلاب و في  اعتباره ، في مقابل ذلك ، يشكل عامل تحرر .

 

      فكل التعريفات الفلسفية و الأنثروبولوجية التي حددت الإنسان قد عبرت عن جانبين إثنين ، الأول واع و الثاني  لاواع . فالجانب الأول فقد أظهرت فيه الإنسان على أنه كائن قد انسلخ عن مملكة الحيوان بفضل ما يتميز به من عقل و وعي . و هذا شأن الفلسفات الكلاسيكية ابتداء من أرسطو ( الإنسان حيوان ناطق ) و مرورا بالفلسفة الإسلامية مع ابن رشد و انتهاء بالفلسفة الحديثة مع ديكارت و هيوم و كانط و فيخته و هيجل . أما الجانب الثاني فقد أظهرت فيه الإنسان على أنه كائن  تتحكم فيه غرائز و رغبات و أهواء و تتجاذبه ميولات لاواعية و هذا شان  ماركس في نقده للإيديولوجيا كوعي زائف و نيتشه في نقده للوعي السطحي ، و مدرسة التحليل النفسي مع فرويد في تحليلها لبنية اللاشعور، والوجودية السارترية  في نقدها للعقل ،  و مدرسة فرانكفوت في نقدها للإنسان المعاصر . و كتوفيق بين النظريات الكلاسيكية و النظريات المعاصرة في فهم جوهر الإنسان ، يمكن القول مع الفيلسوف الألماني الماركسي  إرنست بلوك أن الإنسان لديه حاجات نابعة من رغباته المتعددة . و الحاجات هي بطبيعتها تعبير عن عوز و نقص ، فهي لا تتحقق إلا ارتبطت تلك الرغبات بالإرادة الواعية  التي ينبغي لها أن تتوفر لديها وسائل التنفيذ  " فلا وجود لإرادة غير مسبوقة برغبة قابلة للتنفيذ " .

   

       فبناء على هذا التأطير العام،  يمكن القول  أن الإنسان لا يتحدد في جوهره كإنسان إلا من خلال خاصية ملازمة له ، ألا وهي خاصية الشغل ،  تلك الخاصية التي جعلت منه كائنا فاعلا و مبدعا قام بتحويل الطبيعة ، كمادة خام ، إلى عناصر صناعية قابلة للاستعمالات لمتعددة .

  

       لقد عبرت ظاهرة الشغل عن مفارقة فلسفية تضمنت تقابلا جعل ، بالتالي ، من  الشغل ، من جهة أولى ، فاعلية إنسانية تقود الإنسان نحو الإبداع و الابتكار و بالتالي نحو التحرر ، و من جهة ثانية ، جعل منه أداة سيطرة و تبعية و عبودية . و هذا التقابل  يدفعنا إلى طرح  التساؤلات التالية :

 

       ما الشغل ؟  و لماذا يعتبر في نظر العديد من المفكرين و الفلاسفة ، فاعلية إنسانية و خاصية ماهوية مرتبطة فقط بالنوع الإنساني دون باقي أنواع الكائنات الأخرى ؟ و هل يمكن الحديث ، في إطار التقسيم الاجتماعي و التقني للعمل ، عن استيلاب  الإنسان جراء شعوره بنوع من الاغتراب و الغربة عن منتوج عمله المسلوب منه ؟ هل يمكن إدخال الشغل في خانة الإيجابيات أم في خانة السلبيات ؟ بمعنى آخر : هل الشغل هو أداة استعباد و سيطرة و تبعية ، أم هو عامل يسعى إلى تحرير الإنسان من تلك الطاقة السلبية الكامنة فيه ؟  و بأي معنى يمكن فهم أن الشغل يشكل عامل تحرر ،  يسترد بواسطته الإنسان ذاته و حريته  و كرامته المسلوبتين ؟

 

       يعتبرالشغل ظاهرة تتسم بالتعقد . و وجه تعقد هذه الظاهرة يتجلى في كونها ، في نفس الوقت ظاهرة فلسفية و سياسية و اقتصادية و سوسيولوجية  . فقد ارتبطت هذه الظاهرة أولا بالإنسان و ثانيا بالمجتمع البسيط في تركيبته العضوية، و ثالثا   بمستوى معين من تطور هذا المجتمع  التقني و الإنتاجي . و قد استطاع الإنسان بفضلها أن يصون كرامته و يحقق إنسانيته و آدميته . و لكن ، و في المقابل ، اعتبرت هذه الظاهرة عنصر استيلاب و أداة اغتراب تمحي وجود هذا الإنسان  و تطمس هويته .

 

        لقد اختلف عدد كبير من المفكرين و الفلاسفة حول الغايات و الدوافع الرئيسية التي جعلت الإنسان يعمل ، و بالتالي ينسلخ بفعل ذلك عن مملكة الحيوان التي كان ينتمي إليها منذ أزمان سحيقة . فالبعض منهم قد اعتبر أن الشغل هو استجابة عضوية لتجدد الطاقة لدى الكائن الإنساني حتى يضفي طابع الاستمرارية على حيويته و نشاطه. بينما اعتبره البعض الآخر ، استغلالا للجهد العضلي و الفكري من أجل الكسب أو ضمان لقمة العيش واستجابة لدوافع نفسية لانتزاع الاعتراف من المجتمع أو إثبات الذات . كما أن ،  البعض الآخر اعتبره نشاطا منظما و مهيكلا و ممأسسا غايته تحقيق الجودة و مراكمة الثروات و الزيادة في الإنتاج لتحقيق الرخاء الاقتصادي و الازدهار الاجتماعي و الاستقرار السياسي . فبفضله راكم الإنسان تجارب إنسانية ساعدته على سرعة التكيف مع المستجدات التي يفرضها محيطه . لكن و بالرغم من كل هذه الاختلافات في تحديد دوافع الشغل ، فقد أجمع الكل أن الشغل يشكل ، و بكل المقاييس ، الظاهرة الإنسانية بامتياز كبير.

 

       عادة ما يتم الحديث عن حيوانات تشتغل، كالنمل و النحل و العنكبوت مثلا ، لكن ، حسب ماركس، تلك الحيوانات لا تشتغل، لأن ما تقوم به من أعمال يعتبر شيئا آليا نابعا من صميم غريزتها . فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يمتلك خاصية الشغل . و قد ظهرت هذه الأخيرة  كنتيجة تفكير مسبق عن كل إنجاز . فبفضلها تمثل الإنسان مواد الطبيعة و أعطاها صورة تفيد حياته. الشغل إذن ، بحسب هذا المعنى الماركسي، هو فعل قد أثر على الطبيعة الخارجية و غيرها ، وبقيامه بذلك فقد غير أيضا حتى الطبيعة الإنسانية ذاتها .

 

        لكن هذا المظهر الأولي للشغل الذي ظهر كعنصر محرر للإنسان من جور الطبيعة و جبروتها ، لم يصمد مع ظهور الأزمنة الحديثة ، التي ارتبط اسمها بنهضة شاملة قد مست جميع الهياكل و البنيات السياسية و الاقتصادية و الفكرية في أوربا . نتيجة تطور النظام الرأسمالي كنسق انبنى على  الملكية الفردية لوسائل الإنتاج وعلى الربح السريع و والعمل المأجور و الوفرة في الإنتاج و الاستهلاك و التوسع و الاستغلال ، فقد تحول الشغل من أداة لتحقيق الرخاء و الازدهار و التقدم في جميع الميادين ، إلى قوة استيلاببية تستنزف العامل و تحوله إلى مجرد قوة عمل تستغل جهده .

  

        فإذا كان تقسيم الشغل  وسيلة ناجعة للزيادة في الإنتاج و الاستهلاك و تحقيق المردودية و الرفاه ، كما عبر عن ذلك آدم سميت ، فإنه  في المقابل من ذلك ،  قد أدى إلى تدمير الماهية الحقيقية للإنسان التي تكمن في حريته و كرامته و استقلاليته . العضلي و النفسي مقابل أجر زهيد . فالفيلسوف الألماني فريديريك نيتشه يكشف لنا أن الشغل ما هو إلا أداة قوية و جبارة تعمل " بلا هوادة على عرقلة تطور العقل و الغرائز و الإحساس بالاستقلالية ". فالشغل بهذا المعنى  يشكل  قوة مضادة تستنفذ قوة الإنسان الساعية إلى الحيوية ، و" هدف يؤمن الإشباع السهل و المنتظم " فالأمن الذي أصبحنا نعشقه كما لو كان من طبيعة إلهية ، يقول نيتشه، دائما يسود في الأماكن التي يكون فيها العمل شاقا و متواصلا

  

       و إذا كان الشغل ، حسب ميشال فوكو قد نشأ كتحد طبيعي للموت ، و للندرة و تقلص موارد العيش ، بحيث اعتبر ، في هذا الصدد ، إيذانا بالبحث عن آليات جديدة لاستخراج ما تزخر به الطبيعة من خيرات ، فأنه حسب ، هيبرت ماركيوز ، قد حول الإنسان المعاصر و اختزله ، مع تطور علمنا التكنولوجي ، إلى مجرد آلة تعمل و تستهلك و تساهم في تسريع وتيرة منظومة الإنتاج و الاستهلاك و الإبقاء عليها كما هي .

 

       أما السوسيولوجي الفرنسي  جورج فريدمان فإنه يعتبر أن إدخال نظام الآلية في شكله المكثف في صناعة مجتمعات استهلاكية  قد أخل ، بالتوازن النفسي للإنسان ، كما هدد مصيره الروحي . فإذا كان الشغل قد شكل في أصله عنصر تحرير و تحرر للإنسان فإن آلياته الجديدة التي أصبح يعمل بها ، و التي فرضها هذا النظام ، لا تسمح عمليا بتحقيق تلك الحرية المنشودة. فتبسيط الشغل قد أدى إلى اختزاله في حركات تافهة يكررها العامل  تبعث على الملل و الرتابة المبلدة للذهن، و الانحدار به إلى مستوى الحيوانية . فأوقات الفراغ التي يقضيها العامل خارج الشغل تعتبر مجرد وظائف حيوانية : الأكل ، النوم ، التوالد .  

 

      و كتخريج عام ، يمكن القول مع جان بول سارتر أن الإنسان لا يستطيع أن يحقق حريته المنشودة في عمله الذي يقوم به إلا من خلال الوعي بهذا الاستعباد في عمله ، ، سواء كان هذا العمل  في مصنع أو في عيادة أو في جامعة ...   و هذا لعمري ، هو جوهر المظاهرات التي تقام في فاتح ماي . فإذا كان الشغل يعمل على كبح جماح رغبات الإنسان في التحرر و الاستقلال الذاتي ، فإن مناهضته مرهونة بجودة الخطاب الشعبي و العالم ( بكسر اللام ) المناهض لعنف الشغل .

 

algharrazabdeljebbarblogspot.blogspot.com

 

الأربعاء، 13 فبراير 2013


أي دور للفلسفة في بناء الإنسان العربي ؟

 

      يقوم موقع" الحوار المتمدن "  ببادرة حميدة ، ألا و هي استضافة مفكرين و كتاب مرموقين لإجراء حوارات معهم ، و ذلك بقصد معالجة قضايا العصر و الساعة . فهو ، من خلال هذا الفعل التنويري الهادف ، يسعى إلى تعزيز التفاعل البناء و الهادف ، بين هؤلاء المثقفين و بين قارئاته و قراءه الكثر، تكريسا لثقافة الاختلاف ، التي  حاولت قوى الاستبداد ، لغرض في نفسها ، أن تطمسها ، حتى تنفر منه قاعدة عريضة من هاته الشعوب المستضعفة ، و لا تستفيد من ثمارها الفكرية و تستنير من إشعاعها الحضاري و التاريخي كباقي شعوب المعمور .

    

   و هكذا،  فقد وجدناه ، في عدده الحالي ( 3999 بتاريخ  2013 – 02 –  10 ) ،  يستضيف المفكر خلدون النبواني ليشارك القارئات و القراء البحث و المقاربة في موضوع مهم مرتبط بدور الفلسفة في تحريك الشوارع العربية ، التي قامت بثورات لتدفع عنها الظلم و الطغيان و الاستبداد الذي هيمن لعقود طويلة ، فكتم الأنفاس و قتل في الإنسان العربي المقهور ، تلك الروح التواقة إلى الانعتاق و الحرية .

سأعمل ، في عجالة ، على تلخيص أهم الأفكار التي جاءت في هذا الحوار ، على أ، أتبعه بتعقيب على تلك الأفكار ، التي أراها أصيلة لأنها شكلت ، في رأيي ، إضافة نوعية للتقليد الفلسفي الذي راكم معرفة لا يستهان بها في مجال فلسفة الثورات .

 

      لقد تساءل المفكر خلدون النبواني ، في بداية هذا الحوار ، عن جدوى و فائدة الفلسفة في عصر بدأ يستعين بمعطيات تكنولوجيا الإعلام ليفرض قيمه " الجديدة " بكل سلبياتها و إيجابياتها : فهل يكفي الفلسفة  الاضطلاع بمهمة تفسير العالم ( هيجل ) أم بمهمة تغييره ( ماركس ) أم بمهمة تأصيله ( هيدجر ) أم بمهمة التحديق فيه ما دامت لا حول لها و لا قوة إزاء ه ( فتجنشتاين ) ؟

 

       و قبل الإجابة عن هذا التساؤل المهم ، لخص هذا المفكر المرموق ، الوضعية التفككية التي عاشها اليسار بشكل عام و اليسار العربي بشكل خاص ، بعيد سقوط جدار برلين و اندحار المنظومة الاشتراكية ، و شرح تراجع دوره في الحفاظ على التوازنات الدولية ،  تاركا كل المجال للمنظومة الرأسمالية لكي تطبق نموذجها " الحضاري " الرامي إلى الاستفراد بالعالم و مقدراته و الهيمنة عليه بشكل أبدي . ليخلص ، في النهاية إلى اعتبار أن هذه  الوضعية قد شكلت ، على الرغم من طابعها التفكيكي ،  ظاهرة صحية ، ما دامت ستسمح لهذا اليسار بإعادة هيكلة نفسه وفق نموذج تحليلي ماركسي أصيل ، سيستفيد من متغيرات الواقع و من نماذج معرفية و تحليلية أخرى ، لديها ما يكفي من المصداقية الفكرية والمنهجية و النجاعة العلمية لمقاربة الوقائع الجديدة. فمع بزوغ شمس الربيع العربي ، انتعش اليسار العربي و استعاد روحه و استرد " أطيافه " و" أشباحه " التي كانت تستوطن الفكر الفلسفي ، ليعيش، هذه المرة ، و من الداخل ، مكر التاريخ .

و كمحاولة للإجابة عن التساؤل المطروح ، اعتبر المفكر خلدون النبواني ، أن دور الفلسفة في تغيير العالم  كان خفيا ، لأنه لم يتحقق بشكل ثوري مباشر ، و إنما تحقق بشكل تراكمي :  فالفلسفة ، بحمولتها الفكرية ، قد لعبت دور الممهد لهذا التغيير القادم و المرتقب ، و ذلك عبر إمدادها لهذه المرحلة الانتقالية الطويلة ، بالعدة المفهومية اللازمة . فإنسان الشارع الذي قاد ثورات الربيع العربي لا يستطيع أن ينحت في الجسم الثقافي العربي مفاهيم مثل الحرية ، الديمقراطية ، العدالة ، المساواة ... والتي تولدت مع زخم الشارع ، لو لم يتم تأطير ثورته فلسفيا ، من طرف تلك الأطياف و تلك الأشباح القادمة من عمق التاريخ : ابتداء من الفلسفة اليونانية ومرورا من الفلسفة الإسلامية في العصر الوسيط و الفلسفة العقلانية و التنويرية في العصر الحديث و انتهاء بفلسفات الاختلاف و التفكيك في فترتنا المعاصرة .

       مما لا شك فيه ، يعتبرالتفلسف  مطلبا مجتمعيا أساسيا و استجابة وجودية و معرفية للحاجات الروحية لدى الإنسان ، كما يعتبر سدا لتلك الثغرات النفسية التي جعلت الكائن يتيه في دروب الحياة، حيث لا مخرج له منها سوى بالتأمل  للانفلات  من متاهاتها القاتلة .فتقدم الأمم يقاس بمدى سمو ثقافتها ، و هذه الأخيرة يقاس إشعاعها بمدى شيوع روح التفلسف بين أبناءها . ألم يعتبر ديكارت الفلسفة هي ذلك النمط الفكري الوحيد الذي يميزنا عن الأقوام البدائية و المتوحشة ؟

      ففي ظل المفاهيم الثورية الجديدة التي بدأت تتشكل و تتبلور مع ثورات الربيع العربي، ينبغي على المثقف العربي أن يربط الواقع الحالي للمجتمع العربي برؤية جديدة تأخذ بعين الاعتبار البعد القيمي من أجل فهم أن الإشكالية الحقيقية التي ينبغي مواجهتها مستقبلا ، هي مرتبطة بالمعايير الأخلاقية و المثل العليا التي نسعى ، عبر الخطاب الفلسفي ، إلى تكرسيها في وجدان الجيل الحالي و في وجدان الأجيال القادمة من الشعوب العربية .

     الفلسفة تدفع بالوعي إلى أن يتمثل ذاته انطلاقا من تمثل الواقع كمحيط يتغير باستمرار لاستيعاب مضامينه المتجددة . فهي ، بهذا المعنى ، تعتبر تلك القوة الداخلية التي تزود الإنسان بطاقة فكرية لازمة عند كل منعطف تاريخي و حضاري يعيشه ، فهي ، إذ تقوم بذلك ،  تجعله يبتكر آليات التفلسف المناسبة للمرحلة ، فعبر تلك الآليات ، يتساءل الإنسان عن مصيره فاحصا أدوات تفكيره التي يشتغل عليها و معيدا النظر في قناعاته الفكرية و المبدئية .

     لقد اعتبرت الفلسفة منذ فجرها الأول مع سقراط إلى الآن أن الإنسان هو قيمة القيم فالحق و الخير و الجمال و السعادة و الحرية و الديمقراطية ...ستبقى قيما جوفاء إذا لم تساهم بدورها في إغناء التجربة الوجودية للكائن الإنساني ، و ستصبح بدون جدوى أو نفع  في عالم بلا معنى ، كإيديولوجيات يوظفها الموظفون حفاظا على مصالحهم الحيوية، أو لاستبقاء امتيازاتهم الفئوية.

   لقد أدخلت السياسات البالية للديكتاتوريات العربية ، الإنسان العربي في متاهات راوبط الضرورة الحيوية ، و أصبح جهده منصبا على تحقيق الحد الأدنى من ضرورياته الحياتية ، الشيء الذي صيره مجرد عبد لشهواته البدنية و كائنا إنسانيا مفتقر إلى أساسيات الحياة الرفيعة و السامية التي لا تكون إلا بالارتقاء بفكره والسمو بمثله العليا.

  و عليه ، ينبغي تأصيل التفكير الفلسفي و تجذيره في الوعي و اللاوعي الجماهيري ، و ذلك بربط الفلسفة بالقيم و بالواقع العملي . و في هذا الصدد ، لا ينبغي أن ينسلخ المثقف العربي من واقعه و يتنكر لمبادئه و يخالف ضميره الأخلاقي .فالمجاهدة الفكرية الفردية للوصول إلى الحقيقة ستكون إهدارا للطاقة الروحية و الفكرية ، و ستصبح مجرد عبث فكري مترف ، إذا لم يتحاور هذا المثقف العربي ، مع أبناء جلدته الذين يقتسم معهم الهم في تغيير أوضاعهم الحياتية ، لبناء تصور و نظرة  جديدة للحياة .

الكل يعلم ، أن الغرب الرأسمالي ، عبر قيمه المادية السلبية ، قد أفرغ الإنسان العربي من كل معنى حقيقي قد يضفيه على نفسه ، و ذلك بتحويل مسار ثورات الربيع العربي إلى مجرد انتفاضات أقصى ما تطالب به هو تحسين الظروف المعيشية للشعوب العربية .  فالثورات العربية ينبغي أن تتحول إلى ثورات ثقافية تبني في الإنسان ذلك الشخص القادر على أن ينبعث ، كالعنقاء ، من رماده، أكثر قوة و أكثر صلابة ، مدفوعا بذلك الجهد الروحي الذي سيثمر قيما جديدة في مجتمع جديد .

و هنا يحق التساؤل حول مدى استجابة المثقفين العرب المعاصرين للتطلعات المستقبلية التي رسمتها ثورات الربيع العربي :  هل هناك أطار عام يرسم ملامح الجو الفكري ، و أرضية مشتركة تثبت عليها تداعياتهم الفكرية توحد تصورهم للغد و للمستقبل القريب ؟ 

العالم المحيط بنا لا يتطلب المعجزات ، بقصد المساهمة في فهمه و بالتالي في المشاركة ، كباقي شعوب الأرض ، في تغييره ، لأنه  ليس مسرحا يجسد صراعا بين كائنات ما ورائية ، بل هو مسرح يشخص الفعل البشري المستند إلى نقط ارتكاز ثقافية و أخلاقية و قيمية ، و أساسها الحرية كقيمة القيم .

تعمل الفلسفة على ترسيخ قيم العقل و النقد و الديمقراطية و الحرية و المسؤولية و الاستقلال بالراي لاتخاد الإنسان مواقف أخلاقية واعية من معيشه للانفتاح على قيم اخلاقية و جمالية و فكرية ، لإغناء التجربة الوجودية للكائن . فهاته الممارسة الوجودية الحياتية  تقتضي منهجا جديدا في العمل و التفكير يتميز بنوع من الدقة و وضوح في الرؤية للحاضر وللمستقبل ، لرسم الاهداف . و لن يتاتى ذلك ، حتما ، الا بتدريب العقل على اكتساب مهارات أساسية  لتنمية قدراته على التكيف السريع مع مستجدات المحيط  و اتخاد مواقف أخلاقية واعية تجاه الذات و اتجاه الآخر الحاضر بالقوة و بالفعل في وجداننا كشعوب مستضعفة ، تريد أن تبحث لها عن موطئ قدم صلبة في هذا العالم .

 

أي دور للفلسفة في بناء الإنسان العربي ؟

 

      يقوم موقع" الحوار المتمدن "  ببادرة حميدة ، ألا و هي استضافة مفكرين و كتاب مرموقين لإجراء حوارات معهم ، و ذلك بقصد معالجة قضايا العصر و الساعة . فهو ، من خلال هذا الفعل التنويري الهادف ، يسعى إلى تعزيز التفاعل البناء و الهادف ، بين هؤلاء المثقفين و بين قارئاته و قراءه الكثر، تكريسا لثقافة الاختلاف ، التي  حاولت قوى الاستبداد ، لغرض في نفسها ، أن تطمسها ، حتى تنفر منه قاعدة عريضة من هاته الشعوب المستضعفة ، و لا تستفيد من ثمارها الفكرية و تستنير من إشعاعها الحضاري و التاريخي كباقي شعوب المعمور .

    

   و هكذا،  فقد وجدناه ، في عدده الحالي ( 3999 بتاريخ  2013 – 02 –  10 ) ،  يستضيف المفكر خلدون النبواني ليشارك القارئات و القراء البحث و المقاربة في موضوع مهم مرتبط بدور الفلسفة في تحريك الشوارع العربية ، التي قامت بثورات لتدفع عنها الظلم و الطغيان و الاستبداد الذي هيمن لعقود طويلة ، فكتم الأنفاس و قتل في الإنسان العربي المقهور ، تلك الروح التواقة إلى الانعتاق و الحرية .

سأعمل ، في عجالة ، على تلخيص أهم الأفكار التي جاءت في هذا الحوار ، على أ، أتبعه بتعقيب على تلك الأفكار ، التي أراها أصيلة لأنها شكلت ، في رأيي ، إضافة نوعية للتقليد الفلسفي الذي راكم معرفة لا يستهان بها في مجال فلسفة الثورات .

 

      لقد تساءل المفكر خلدون النبواني ، في بداية هذا الحوار ، عن جدوى و فائدة الفلسفة في عصر بدأ يستعين بمعطيات تكنولوجيا الإعلام ليفرض قيمه " الجديدة " بكل سلبياتها و إيجابياتها : فهل يكفي الفلسفة  الاضطلاع بمهمة تفسير العالم ( هيجل ) أم بمهمة تغييره ( ماركس ) أم بمهمة تأصيله ( هيدجر ) أم بمهمة التحديق فيه ما دامت لا حول لها و لا قوة إزاء ه ( فتجنشتاين ) ؟

 

       و قبل الإجابة عن هذا التساؤل المهم ، لخص هذا المفكر المرموق ، الوضعية التفككية التي عاشها اليسار بشكل عام و اليسار العربي بشكل خاص ، بعيد سقوط جدار برلين و اندحار المنظومة الاشتراكية ، و شرح تراجع دوره في الحفاظ على التوازنات الدولية ،  تاركا كل المجال للمنظومة الرأسمالية لكي تطبق نموذجها " الحضاري " الرامي إلى الاستفراد بالعالم و مقدراته و الهيمنة عليه بشكل أبدي . ليخلص ، في النهاية إلى اعتبار أن هذه  الوضعية قد شكلت ، على الرغم من طابعها التفكيكي ،  ظاهرة صحية ، ما دامت ستسمح لهذا اليسار بإعادة هيكلة نفسه وفق نموذج تحليلي ماركسي أصيل ، سيستفيد من متغيرات الواقع و من نماذج معرفية و تحليلية أخرى ، لديها ما يكفي من المصداقية الفكرية والمنهجية و النجاعة العلمية لمقاربة الوقائع الجديدة. فمع بزوغ شمس الربيع العربي ، انتعش اليسار العربي و استعاد روحه و استرد " أطيافه " و" أشباحه " التي كانت تستوطن الفكر الفلسفي ، ليعيش، هذه المرة ، و من الداخل ، مكر التاريخ .

و كمحاولة للإجابة عن التساؤل المطروح ، اعتبر المفكر خلدون النبواني ، أن دور الفلسفة في تغيير العالم  كان خفيا ، لأنه لم يتحقق بشكل ثوري مباشر ، و إنما تحقق بشكل تراكمي :  فالفلسفة ، بحمولتها الفكرية ، قد لعبت دور الممهد لهذا التغيير القادم و المرتقب ، و ذلك عبر إمدادها لهذه المرحلة الانتقالية الطويلة ، بالعدة المفهومية اللازمة . فإنسان الشارع الذي قاد ثورات الربيع العربي لا يستطيع أن ينحت في الجسم الثقافي العربي مفاهيم مثل الحرية ، الديمقراطية ، العدالة ، المساواة ... والتي تولدت مع زخم الشارع ، لو لم يتم تأطير ثورته فلسفيا ، من طرف تلك الأطياف و تلك الأشباح القادمة من عمق التاريخ : ابتداء من الفلسفة اليونانية ومرورا من الفلسفة الإسلامية في العصر الوسيط و الفلسفة العقلانية و التنويرية في العصر الحديث و انتهاء بفلسفات الاختلاف و التفكيك في فترتنا المعاصرة .

       مما لا شك فيه ، يعتبرالتفلسف  مطلبا مجتمعيا أساسيا و استجابة وجودية و معرفية للحاجات الروحية لدى الإنسان ، كما يعتبر سدا لتلك الثغرات النفسية التي جعلت الكائن يتيه في دروب الحياة، حيث لا مخرج له منها سوى بالتأمل  للانفلات  من متاهاتها القاتلة .فتقدم الأمم يقاس بمدى سمو ثقافتها ، و هذه الأخيرة يقاس إشعاعها بمدى شيوع روح التفلسف بين أبناءها . ألم يعتبر ديكارت الفلسفة هي ذلك النمط الفكري الوحيد الذي يميزنا عن الأقوام البدائية و المتوحشة ؟

      ففي ظل المفاهيم الثورية الجديدة التي بدأت تتشكل و تتبلور مع ثورات الربيع العربي، ينبغي على المثقف العربي أن يربط الواقع الحالي للمجتمع العربي برؤية جديدة تأخذ بعين الاعتبار البعد القيمي من أجل فهم أن الإشكالية الحقيقية التي ينبغي مواجهتها مستقبلا ، هي مرتبطة بالمعايير الأخلاقية و المثل العليا التي نسعى ، عبر الخطاب الفلسفي ، إلى تكرسيها في وجدان الجيل الحالي و في وجدان الأجيال القادمة من الشعوب العربية .

     الفلسفة تدفع بالوعي إلى أن يتمثل ذاته انطلاقا من تمثل الواقع كمحيط يتغير باستمرار لاستيعاب مضامينه المتجددة . فهي ، بهذا المعنى ، تعتبر تلك القوة الداخلية التي تزود الإنسان بطاقة فكرية لازمة عند كل منعطف تاريخي و حضاري يعيشه ، فهي ، إذ تقوم بذلك ،  تجعله يبتكر آليات التفلسف المناسبة للمرحلة ، فعبر تلك الآليات ، يتساءل الإنسان عن مصيره فاحصا أدوات تفكيره التي يشتغل عليها و معيدا النظر في قناعاته الفكرية و المبدئية .

     لقد اعتبرت الفلسفة منذ فجرها الأول مع سقراط إلى الآن أن الإنسان هو قيمة القيم فالحق و الخير و الجمال و السعادة و الحرية و الديمقراطية ...ستبقى قيما جوفاء إذا لم تساهم بدورها في إغناء التجربة الوجودية للكائن الإنساني ، و ستصبح بدون جدوى أو نفع  في عالم بلا معنى ، كإيديولوجيات يوظفها الموظفون حفاظا على مصالحهم الحيوية، أو لاستبقاء امتيازاتهم الفئوية.

   لقد أدخلت السياسات البالية للديكتاتوريات العربية ، الإنسان العربي في متاهات راوبط الضرورة الحيوية ، و أصبح جهده منصبا على تحقيق الحد الأدنى من ضرورياته الحياتية ، الشيء الذي صيره مجرد عبد لشهواته البدنية و كائنا إنسانيا مفتقر إلى أساسيات الحياة الرفيعة و السامية التي لا تكون إلا بالارتقاء بفكره والسمو بمثله العليا.

  و عليه ، ينبغي تأصيل التفكير الفلسفي و تجذيره في الوعي و اللاوعي الجماهيري ، و ذلك بربط الفلسفة بالقيم و بالواقع العملي . و في هذا الصدد ، لا ينبغي أن ينسلخ المثقف العربي من واقعه و يتنكر لمبادئه و يخالف ضميره الأخلاقي .فالمجاهدة الفكرية الفردية للوصول إلى الحقيقة ستكون إهدارا للطاقة الروحية و الفكرية ، و ستصبح مجرد عبث فكري مترف ، إذا لم يتحاور هذا المثقف العربي ، مع أبناء جلدته الذين يقتسم معهم الهم في تغيير أوضاعهم الحياتية ، لبناء تصور و نظرة  جديدة للحياة .

الكل يعلم ، أن الغرب الرأسمالي ، عبر قيمه المادية السلبية ، قد أفرغ الإنسان العربي من كل معنى حقيقي قد يضفيه على نفسه ، و ذلك بتحويل مسار ثورات الربيع العربي إلى مجرد انتفاضات أقصى ما تطالب به هو تحسين الظروف المعيشية للشعوب العربية .  فالثورات العربية ينبغي أن تتحول إلى ثورات ثقافية تبني في الإنسان ذلك الشخص القادر على أن ينبعث ، كالعنقاء ، من رماده، أكثر قوة و أكثر صلابة ، مدفوعا بذلك الجهد الروحي الذي سيثمر قيما جديدة في مجتمع جديد .

و هنا يحق التساؤل حول مدى استجابة المثقفين العرب المعاصرين للتطلعات المستقبلية التي رسمتها ثورات الربيع العربي :  هل هناك أطار عام يرسم ملامح الجو الفكري ، و أرضية مشتركة تثبت عليها تداعياتهم الفكرية توحد تصورهم للغد و للمستقبل القريب ؟ 

العالم المحيط بنا لا يتطلب المعجزات ، بقصد المساهمة في فهمه و بالتالي في المشاركة ، كباقي شعوب الأرض ، في تغييره ، لأنه  ليس مسرحا يجسد صراعا بين كائنات ما ورائية ، بل هو مسرح يشخص الفعل البشري المستند إلى نقط ارتكاز ثقافية و أخلاقية و قيمية ، و أساسها الحرية كقيمة القيم .

تعمل الفلسفة على ترسيخ قيم العقل و النقد و الديمقراطية و الحرية و المسؤولية و الاستقلال بالراي لاتخاد الإنسان مواقف أخلاقية واعية من معيشه للانفتاح على قيم اخلاقية و جمالية و فكرية ، لإغناء التجربة الوجودية للكائن . فهاته الممارسة الوجودية الحياتية  تقتضي منهجا جديدا في العمل و التفكير يتميز بنوع من الدقة و وضوح في الرؤية للحاضر وللمستقبل ، لرسم الاهداف . و لن يتاتى ذلك ، حتما ، الا بتدريب العقل على اكتساب مهارات أساسية  لتنمية قدراته على التكيف السريع مع مستجدات المحيط  و اتخاد مواقف أخلاقية واعية تجاه الذات و اتجاه الآخر الحاضر بالقوة و بالفعل في وجداننا كشعوب مستضعفة ، تريد أن تبحث لها عن موطئ قدم صلبة في هذا العالم .

 

الأربعاء، 23 يناير 2013



 


عبد الجبار الغراز

في رحاب الطفوله ..

غنيت كالهديل

أغنية لم تكبر معي ..

وفي أقصى النشوه

بنيت صحبة الأتراب ,

في الأزقه ..

في حجرة الدرس المتسخه ..

بأحجار الدرب

وطن المستحيل ..

في رحاب الجامعه ..

بعثرت أوراق كراستي

لأجمع شتات الأمكنه ..

و الأزمنه

و أعلنت ميلاد الفكره ..

سألت الأستاذ المحاضر ..

تلو الأستاذ ..

سألت ..

ثم سألت ..

ولم أتعب من طرح الأسئله ,

عن غدي المرتقب

المحمل بتباشير الفجر ..

و أحلام ليلة ماضيه ..

في رحاب زمن فارغ ..

قتلت الشوق و الأمل ..

أكثر من مره ..

ورقصت أحلامي

رقصة الديك المدبوح

و آخيت التسكع على أعتاب الجروح

في رحاب ” أم حنون ” .. هكذا تبدى لي ..

انتشلتني بالصدفه

من عام الأحزان .. و الشجون

و قدفتني إلى عالم ..

مارست فيه شغبا ” طاطويا(1) ”

اقترب من الجنون ..

و كنت في ” أمتزكين (2)”

أسأل , في كل ليلة , الجبال و الوديان ..

أسأل قلبي الحزين :

أغدا ..

سترحل عني كل هاتي .. الظنون ؟؟؟

في رحاب الموت البطيئ ..

استكان أنين جرحي ..

لما سكبت نبيذ الشوق

على قدحي ..

فأقبلت شياطين فكري ..

مسرعة تقدم لي ..

فروض الطاعه ..

وترقص ..

ثم ترقص ..

ثم ترقص ..

لتكتمل ملامح

القصيده ..

عبد الجبار الغراز :آكادير – المغرب


هوامش :
(1) طاطويا : نسبة إلى مدينة طاطا و هي مدينة صغيرة بجنوب المغرب

” (2) أمتزكين ” قرية نائية توجد في أقصى الحدود بين مدينة ” طاطا ” و مدينة ” وارزازات المغربية

عن موقع " دروب " 21 يوليوز 2009

السبت، 19 يناير 2013


عظمة الفلسفة

عبد الجبار الغراز

" تأملات ديكارتية "؟؟؟ .. يا سلام ..
لقد كانت لفظة " فلسفة" تستهويني منذ أن بدأت أعي بعضا من شروط وجودي كإنسان .. كانت تترك أثرا ساحرا في نفسي . كانت تدغدغ مشاعري , و تجتاح كل خلية من خلايا جسمي , و تأخذني إلى مجالها الرحب و الواسع حيث الأفكار تسبح و تتماوج في إيقاع موسيقي رائع .
كل هذا كان يحدث لي , و أنا فتى بدأ يتخطى عتبات الطفولة بخطى ثقيلة , و كأنها لا تريدني أن أغادر أرض الصخب و النزقية و المشاكسة . فمن منا يا سادة يا كرام لم يتذكر عهد الصبا ، ومن منا لم يترك العنان لماضويته أن تفرض عليه سلطتها و عنفها اللطيف , و من منا لم يقاوم ذلك الشعور النبيل الذي يجتاح كينونته ساعة الانحسار ؟؟؟
تأتي بعد لحظة عشق الفلسفة , لحظات سكونية , أتاحت للذات فرصة الاتحاد بالمطلق من خلال النص القرآني و الحديثي ،وتمثلهما ، وكأنها مسافرة اليوم ،  قبل غدها ، إلى ملكوت الله . فعاشت لحظات عشق الصوفي الزاهد في هذه الحياة . لا شيء يكدر صفوعيشها . كانت تنعم برحيق رباني تحس به يسري كالدم في خلاياها .
و فجأة تشاء الأقدارالربانية أن يسافر عزيز على النفس من أهلي إلى دار البقاء ( الأم ) , وتختلط الأمور و تتشابك في عقلي . و أصبحت أطرح الأسئلة تلو الأسئلة على نفسي , و كان مرشدي الأول إلى طريق الإشكاليات و التفلسف كتاب : " تأملات ميتافيزيقية " لديكارت . فقد كان جائزة من بين الجوائز التي حظيت بها أختي الكبري في" ثانوية كشكاط " العظيمة , وما زلت أحتفظ به في مكتبتي إلى الآن .كان هذا الكتاب إلى جانب ثلة من أمهات الكتب الفلسفية التي قادتني طوعا إلى خيار التفلسف . ووجدتني أتصفحه ورقة ورقة , وألتهم أفكاره التهاما . كان ديكارت , بالنسبة لي , أكبر مفت في محراب التفلسف . فقد أتاح لي أن أعيد ترتيب أبجدياتي الوجودية من جديد . ما أعظم هذا الفيلسوف و ما أروع فلسفته  . فقد كانت  هذه الأخيرة ، تمثل لي تلك الأرض الصلبة التي تأسست بفعل اليقين الذي لم يعد يركن إليه  شك ، لأنه بني على أساس قواعد منهجية صارمة . فأصبح كياني كله عينا مرتابة ، أو أذنا متصنتة تجيد فعل الاستماع إلى الهامشي قبل المركزي . فقررت ساعتها ، أن أكون ديكارت نفسي بامتياز .
لكن الأفكار تتجدد و تتغير باستمرار .. و تساءلت مع ديكارتي الكبير , الذي يسكنني , عن جدوى عقلانية صورية بدون محتوى مادي يعطي لها أسباب العيش في كياني لفترة طويلة .. فجاءت لحظة " دافيد هيوم " و " جان لوك " " و ستوارت ميل " و بعدها جاءت لحظة العقل النقدي الخالص و العقل الأخلاقي العملي الكانطيين , ليوجها معرفتي صوب الأسس المنهجية لحدوث معرفة ممكنة , فكانت طامتي الكبرى هي الإجابة العسيرة عن سؤال أعسر : كيف يمكنني أن أتجاوز فيلسوفي و أستاذي المفضل , الذي لقنني أبجديتي الفلسفية ؟
فكانت الإجابة نابعة من وحي عالمي الداخلي آتية من ديكارت نفسه يخبرني أن المسألة ليست معقدة , فطلب مني أن أعيد قراءة كتابه " قواعد في المنهج " فاهتديت ساعتها إلى اليقين .
فشيئا فشيئا بدأت أعي بأن الحواس لا تخدع , وأنها تشكل هي و الواقع الحسي الخارجي شرطا من شروط أية معرفة يقينية ممكنة . هنا أصبح فعل تجاوز أرض الكوجيطو مشروعا بالنسبة لي . فلو عاش ديكارت حتى زمن كانط لعدل من عقلانيته ,وأسس فلسفة جديدة تأخذ بعين الاعتبار الواقع الموضوعي الماثل أمام الذات العارفة .
ومع مرور الوقت و مع الاحتكاك بالأساتذة , مبارك وساط , وفقي , واعزيز , عبد السلام بنعبد العالي , سالم يفوت , بنسالم حميش ,محمد عابد الجابري , محمد جسوس , ادريس بنسعيد , بوعسلة التباري , الداشمي , المختار الهراس , رحمة بورقية ... و أصدقاء الدرب الفلسفي , أصبح المفهوم الفلسفي النتشوي و الماركسي و السارتري و الهيدجدري و الفوكوي و البارطي و الفرويدي و الفيبري و البورديوي ... يتشكل بالتدريج و يحفر آباره العميقة في كل شبر من أرض صلبة متكلسة من روحي .
فهذا الوجد الفلسفي و هذه الشعلة المتأججة في أعمق أعماق كياني , وهذه اللوثة الجهنمية التي تجتاحني حين أصبح و أمسي , أنقلها الآن إلى من بعدي من أجيال وطننا الحبيب ,بكل عشق و جنون , أولا في ثانوية محمد البقالي بآيت ملول , وثانيا بثانوية فيصل بن عبد العزيز بالدشيرة الجهادية .
فشكراجزيلا للفلسفة و الفلاسفة
..

 شكرا لأساتذة شعبة الفلسفة وعلم النفس و علم الاجتماع بكلية الآداب , جامعة محمد الخامس بالرباط , بدون استثناء ..

 شكرا لطارق جمال الإدريسي ..

 فلولاه ..

لكان بوحي الفلسفي هذا .. تحت تأثير سلطة نرجسية قاتلة.

عن موقع مطر مطر مارس 2008

الثلاثاء، 1 يناير 2013

المنظومة التربوية المغربية : من المسؤول عن تعنيف نساء و رجال التعليم ؟


المنظومة التربوية المغربية  : من المسؤول عن تعنيف نساء و رجال التعليم ؟

 

       يضع ، من جديد ، حادث تعرض أستاذ إعدادية سلا للذبح من طرف تلميذ له ، المنظومة التربوية المغربية موضع تساؤل .فالحادث ، كما نعلم جميعا ، ليس بشيء عابر ، فهو يشكل ظاهرة خطيرة تنضاف إلى جملة المصائب التي تحل على أسرة التعليم المغربية . و هذا يقتضي من المهتمين و المسؤولين الانكباب عليها من أجل تحليلها و مناقشتها ، بشكل جدي ، لتطويقها قبل أن يستفحل أمرها و يقودنا إلى ما لا تحمد عقباه .

      هذه الإشارة الهامة تدفعنا ، إلى أن نطرح السؤال التالي : من المسؤول عن هذه الظاهرة الخطيرة ؟

      و كجواب عن هذا السؤال ، يمكن القول أن ظاهرة التعنيف الممارس على نساء و رجال التعليم في المغرب ، من قبل تلامذتهم ، لم يأت من فراغ ، بل كان ثمرة مخطط ممنهج سعى إلى إفشال المدرسة العمومية المغربية ، و ذلك عبر إفراغها من كل مضمون تربوي تنويري حقيقي للإجهاز، في الأخير ، على كل ما تبقى منها ، بشكل نهائي.

 

    و لتحليل هذه القضية ، بشكل مركز، يقتضي منا الأمر العودة قليلا إلى الوراء ، لنعرف مكمن الداء .

     إن الكل يعلم ، أن المغرب قد دخل في مغامرة التنافسية ،  منذ بزوغ شمس العولمة الاقتصادية، و بداية زحفها الأولي و التدريجي على بقاع العالم ، و ذلك بداية عقد التسعينيات من القرن المنصرم . دخلها دون أن يحسب العواقب بشكل جيد . فعالم التنافسية هذا ، هو عالم الرأسمالية المتوحشة الذي لا منطق له . فالداخل إليه مفقود و الخارج منه مولود. عالم محيطه يتغير باستمرار، فعلى الداخل إليه أن يتفاعل بسرعة معه ، و يستجيب لمتغيراته مستجداته ، و يتنازل عن بعض حقوقه السيادية و الاستراتيجية في تسيير دوالب الحكم و الاقتصاد ، و يكيف أداته السياسية ، بشكل فوري ، تبعا لإملاءات السيد الجديد .

   و هكذا ، و بسرعة ، وجد  المغرب نفسه أنه مفروض عليه أن يبرم معاهدات و يصادق على اتفاقيات لم يستسغ مضامينها و لم يهضم بعد حمولتها الإيديولوجية و يدرك أبعادها الخفية و تأثيرها المباشر و غير المباشر على جيله الحالي و على أجياله اللاحقة .

    باختصار .. لم يكن المغرب في كامل استعداده المادي و لياقته الاقتصادية للدخول في هذا العهد العالمي الجديد ، لأنه ، بكل بساطة ، لم يحسم بعد، منذ الاستقلال السياسي عن فرنسا إلى الآن، في إشكاليات كبرى ورثها عن الدوائر الاستعمارية التقليدية . يتعلق الأمر بإشكالية التخلف و التنمية و التبعية . و الآن ، و بعد أن فاته قطار الحسم هذا ، ظل يعاني طيلة العقود الماضية من هذه الوضعية التي تكبل إرادته عند كل منعطف حاسم يروم فيه تحقيق التغيير الحقيقي لأوضاعه . لقد " عصرن " المغرب ، بعيد الاستقلال السياسي ،  بنياته السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ، لكنه ، في نفس الوقت ، ترك الأصيل يتعايش مع العصري و التقليدي يتعايش مع الحداثي . و الأغرب في الأمر ، أنه راهن في هذه " اللخبطة السوريالية "  على نخب سياسية و اقتصادية كانت , و لا تزال ، وريثة للاستعمار الكلاسيكي ، فترك إرادته السياسية  تتأرجح، ذات اليمين ، مرة ، و ذات الشمال ، مرة أخرى ، في ظل حرب باردة أتت على كل اخضر و يابس، و بقي على هذه الحالة ، مفتقرا للأساس الصلب الذي سيعيد له توازنه لرؤية الأمور بشكل واضح و سليم .

    انطلاقا من هذا الوضع الإشكالي ، يمكن  صب تلك السلسلة الكبيرة من الإصلاحات التي طالت حقل التربية و التكوين بغية تحسين جودة المنتوج التعليمي و جعله متكيفا مع مستجدات محيط متغير باستمرار ، و توفير موارد بشرية قادرة على الإبداع و الابتكار لتلبية رغبات السيد الجديد صاحب الشركات العابرة للقارات . لكن تلك الإصلاحات كانت ، دائما ، و  لنفس الأسباب ، تبوء بالفشل .  

       لقد أصبح، منذ ذلك الحين،  من المسلم به اعتبار حقل التربية و التكوين بالمغرب من أخطر القضايا المصيرية ، التي ينبغي على كل القوى الفاعلية في البلاد من أحزاب و نقابات و جمعيات و غيرها و  التفاعل معها، بشكل جدي و سريع ، و اعتبارها القضية الوطنية الثانية ، بعد قضية الوحدة الترابية ، خصوصا بعد التقرير الصادم للبنك الدولي الذي صدر سنة 1995 . و هكذا ظهر الميثاق الوطني للتربية و التكوين الذي أريد له أن يكون رائدا في رسم خارطة طريق تشق دروب" التنمية " المزعومة ، و فشل ، هذا الأخير ، فشلا ذريعا في هذا الصدد ، لكنه نجح في خلق أزمة ثقة بين الأسرة و المدرسة العمومية ، و انسحب من مسرح الحدث التربوي  ليفسح المجال للمخطط الاستعجالي لإتمام مهمته الخطيرة : الإجهاز على مكتسبات المدرسة العمومية .  

      فليس ببعيد أن يرى مجتمع بعين التفاؤل أبناءه يتمتعون بالميزات الحميدة التي ترفع من شانه بين مصاف المجتمعات الأخرى :  أبناء متنورون و عقلاء ، و ليس  مجرد أبناء جهلة ، حولهم اليأس إلى كائنات تتغذى أرواحها البئيسة على العنف، إذ من السهل جعلهم أداة طيعة في يد الأعداء  لتصيرها كيفما تشاء . لكن المسألة هنا ليست مرتبطة بالبعد أو بالقرب ، بل مرتبطة بأزمة اختيارات ، أزمة قناعات ، و أزمة نخب ( أو بتعبير رئيس الحكومة ، أزمة أشباح و عفاريت سيدنا سليمان ) لا هم لها سوى التماهي مع سلطة و نفوذ الرأسمال .

     لا أحد يستطيع أن ينكر أن منظومتنا التعليمية تعيش الركود في شتى الأصعدة، . فقد عجزت ، رغم سلسلة الإصلاحات ،عن إنتاج الآليات و الأدوات التي ستساهم ، بشكل أساسي و جذري في ،  خلق الروح القوية و الشجاعة في الإنسان المغربي، الهازمة لليأس و المكسرة، في الدواخل  العميقة ،  للخوف المعشعش في النفوس .

         فالتعليم في المغرب ، منذ الثمانينيات من القرن المنصرم ، كان ، بالفعل ، هادفا . لكن هدفيته تلك ، كانت تصب في اتجاه شل القدرات الفكرية للمتعلمين و المتعلمات ، بدل تحفيزها و تنميتها بشكل تصاعدي .  فلم نعد نرى ذاك اللهب ولا تلك الشرارة ، التي كانت توقظ في كل ضمائر التلميذات و التلاميذ جذوة الحماس في تحصيل العلم و تلقي المعارف . فمنذ بداية ذلك العهد ، غرق أطفالنا و شبابنا الواعد  في مستنقع التخلف الفكري و التسطيح الممنهج الذي طال وعيهم ، و لم يجد المغرب من مفر و من وسيلة للخروج من الوضع المترتب عن هذه الحالات الميؤوس منها ، سوى إثقال المغرب بالديون، و تركيع  أبناء الشعب المغلوب على أمره . و تخصيص جزء كبير من هاته الديون في جلب خبراء بقصد إعطاء الوصفة السحرية لتنويمه و تخديره ، أو شراء الأسلحة لقمع الانتفاضات و المظاهرات  المطالبة بالحقوق و صون الكرامة .

        لقد تسارعت ، في العقود الأخيرة ، وثيرة النمو الديمغرافي ، حيث احتل الشباب الصدارة  كأعلى نسبة في هرمه السكاني ، لكن في المقابل ، استفحلت ظاهرة البطالة في خريجي الجامعات . فاكتشف الشباب أن تكوينهم الجامعي لم يعد  ينسجم مع مستلزمات سوق شغل دائما يغير من معاييره وكذا طرق إدماجه لمختلف الموارد ، خاصة الموارد البشرية ، تبعا لمستجدات محيط يتغير بشكل مستمر و متجدد . فارتفع مستوى التطلعات في صفوفهم ، نتيجة ما وفرته وسائل الاتصال الجماهيرية ، خاصة الإنترنيت و التلفزيون من ثقافة التسطيح و التغييب للوعي  و ذلك من خلال ما تبثه من برامج ترفيهية و مسلسلات و أفلام أجنبية مستوردة  تزيد في تعميق الهوة بين الإنسان و الواقع ، فتضاءلت فرص العمل أمام الشباب المتخرج في تحسين وضعهم المعيشي لتحقيق عيش كريم ، و استسلم هذا الأخير ليأس قاتل .

 و حتى يتسنى تحقيق الأهداف بقصد  تطويع هذه القاعدة العريضة من الشعب و إذلالها ، خاصة شبابها ، سعت القوى المتحكمة في مراكز اتخاذ القرار إلى  توسيع الهوة بين الإنسان و واقعه عبر نسف ذلك الجسر الذي يسهل المرور من اكتساب المعارف و المهارات و الكفايات بمختلف أنواعها إلى الانفتاح على مختلف الممارسات الحياتية المتشعبة ، و الذي ترسيه و تدعمه المؤسسات التعليمية ، و ذلك عبر انتهاجها لسياسات تربوية نفخت في الجسم التربوي روح التيئيس و التبخيس .وقلصت ، بفعل ذلك ، من حجم هذا مد فكري  و وعي تنويري متصاعد بدأ يتجذر في بنياتنا الفكرية ، و ينتشر و يتوسع بسرعة  في أوساط تلاميذنتا و طلبتنا .  و ترتب عن هذا الإجراء الممنهج تراجع دور الثقافة المتنورة و الواعدة بشكل مواز مع تراجع الدور التنشيئي للأسرة و للمدرسة ليحل مكان هاته الأدوار إعلام سمعي و مرئي ترفيهي الغرض منه هو تمييع  كل ما هو جميل و هادف و جدي و جعله مبتذل و غير صالح إلا كديكور و ك " فترينة "  فانتهجت سياسة مهرجانات الموسيقى و الرقص بغرض إلهاء الشباب ، و إبعادهم عن همومهم الحقيقية . فباسم الثقافة يخضع الشباب لتخطيط ممنهج ، حيث يتم تصفية و إقبار ما تبقى من أمل في تغيير حقيقي لأوضاعهم  .

      إن ما يحصل اليوم ، في المجتمع المغربي ،  من تطورات هامة ، والتي بدأت تمس الآن هياكله السياسية و التشريعية والقانونية و الاقتصادية و الاجتماعية ، و التي توجت بسن دستور جديد ، يعتبر نتيجة الحراك الذي عاشه مؤخرا المغرب ، تماشيا مع ثورات الربيع العربي ، و الذي بفضله استطاع الإنسان المغربي أن ينفلت من حلقات سلسلة من الكوارث و الاحباطات النفسية التي أثقلت كاهله و جعلته عرضة للتفكك النفسي و الاستيلاب الاجتماعي و الغبن السياسي . فسياسات العهد القديم  كانت تطبخ ، من وراءه ، في الكواليس. و أغلب القرارات التي أخرت البلاد و العباد لسنين طويلة عن ركب الحضارة و الديمقراطية و الحرية ، كانت تتخذ في غفلة منه .

    و في الأخير ، يمكن القول ، أن  السلوك الإنساني التعاطفي الذي سلكه رئيس الحكومة تجاه الأستاذ الضحية و تجاه نساء و رجال التعليم فهو سلوك محمود ، لكنه غير كاف . فحكومته مدعوة ،أكثر من أي وقت مضى ، إلى أن تفي بالتزاماتها و عهودها تجاه ، منظومة التربية و التكوين .فالاعتداءات الشنيعة في حق مربيي الأجيال الصاعدة هو، في حد ذاته ، تعبير صريح بأن منظومة التربية و التكوين قد فشلت فشلا نهائيا ، و أن على أصحاب القرار في هذه البلاد العزيزة ، أن يراجعوا أوراقهم و يعيدوا النظر في طريقة تدبيرهم لهذا القطاع الحيوي في البلاد ، قبل فوات الأوان .