الخميس، 22 أكتوبر 2015

العرب و الاستحقاقات المنتظرة .. هل من سبيل ليقظة عربية جديدة ؟؟؟


عبد الجبار الغراز
        في ظل الوضع المتردي الذي يشهده عالمنا العربي المعاصر، نطرح على أنفسنا التساؤلات التالية:
        كيف نستطيع، كأمة،  الخروج من هذه الدائرة المغلقة، دائرة الاقتتال و حرب الكل ضد الكل؟
        و هل من سبيل إلى " يقظة عربية حديثة" ثانية شبيهة بتلك اليقظة الأولى التي حدثت في القرن التاسع عشر ، و التي ربطت تقدمنا بتوفير شروط معينة كشرط التحرر السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و الفكري،  و شرط إرساء أسس الديمقراطية الحقيقية و شرط صون الحقوق و ضمان الكرامة و شرط تحقيق العدالة الاجتماعية للجميع ؟
       و ما موقفنا ، كنخبة مثقفة ، من كل هذه الصراعات الطائفية و المذهبية ، الذي نخر اشتداد حدتها في الآونة الأخيرة ، جسمنا الثقافي و شوه معالمه بعد أن كان مكونا حضاريا ذو حضور وازن في الثقافة العالمية المعاصرة و ذو مكانة راقية استمدها من ماضيه المشرق ؟
       و بأي معنى يمكن تفسير هذا النكوص ، و هذا التراجع الخطير الذي شاب ثقافتنا العربية حتى غدت ثقافة راكدة لا توقظ في وجدان الأمة سوى الخنوع و الاستسلام و الانهزامية ، و لا تشحن في الهمم و في النفوس كل طاقة متجددة تساعد على النهوض و المضي قدما نحو بناء المستقبل المشرق ، بدل الاكتفاء بالالتفات إلى الماضي و التباكي بحسرة على أمجاد الأجداد ؟
       ألم يحن الأوان بعد،  للتفكير بجدية في التخلف الفكري التي تعاني منه مجتمعاتنا العربية و الإسلامية، و الذي أصبح سمة بارزة طبعت كياننا، فبتنا نعرف بها عند القاصي و الداني ؟
       أما من وسيلة ممكنة ترفع عنا هذا التأخر التاريخي الجاثم على الأرواح و الكاتم للأنفاس التواقة للتغيير؟
       ألا ينبغي ، في الأخير ، و الحالة هذه ، تبني الفكر الحدااثي و الدفاع عن قيمه التي تولدت عنه ؟
        يمكن القول ، كمحاولة للإجابة عن بعض من هذه الأسئلة ، أن الغرب الليبرالي قد استنفذ أغراض القطبية الأحادية ، و أصبح العالم ، بفعل ذلك ، يعيش مرحلة بداية نهاية نظرية " نهاية التاريخ " ل " فوكوياما ". فما نراه و ما نشاهده ، على مستوى الساحة السياسية العالمية ، من غليان و فوران الأطراف على المركز لشاهد على ما قلناه . ذلك، أن للتاريخ منطق خاص به يفيد بأن كل الكائنات التاريخية تتعرض ، بشكل حتمي ، لحوادث تسعى إلى تشكيل تلك الكائنات ، في بداية الأمر ، في صورة بنية  متماسكة داخليا ، لكن ، بعد حين من الدهر، يشوب الخلل العناصر ، لتلحقها الأضرار و الإعطاب  ، فتؤول إلى الفساد التدريجي الذي يعقبه الزوال و الاندثار. و معنى هذا القول أن لا تجربة حضارية ستثبت، إلى ما لا نهاية، على وضع واحد في الزمان و في المكان .
       فأمام هذا  " المكر التاريخي "،  أصبحنا ، نحن العرب ، مدعوين أكثر من غيرنا من سائر الأمم المعاصرة ، إلى التفكير في تبني إستراتيجيات عربية موحدة تجعلنا ننفض عنا غبار ما خلفته الأحادية القطبية من دمار و خراب عصف ب" حلمنا العربي " الذي  كاد ، بالأمس القريب ،  أن يكون قابلا للتحقيق ، لولا انخراطنا ، بوعي منا أو بدونه ، في رسم خطوط هذه التجربة التاريخية و الاقتصادية اللبرالية الغربية الموسومة ب " العولمة "  ، إذ  لم يسعفنا هذا الانخراط في تحقيق التحرر الاقتصادي و السياسي و الفكري المنشود ، بل قادنا، على العكس من ذلك ، إلى الصراع  المؤدي إلى التفرقة و التشرذم .      
     ينبغي علينا، و الحالة هذه ، إذا أردنا الخروج من هذا المأزق ، الانتباه إلى مختلف العوامل الإيجابية ، السياسية منها و الاقتصادية و الفكرية ، التي راكمنا من خلالها ، منذ  أكثر من قرن و نيف ، تجارب حياتية عديدة  مفيدة و بناءة للذات الجماعية .
     هذه التجارب قد ساعدتنا على تجاوز معضلات تولدت زمن الحرب الباردة ، و هاهي الآن ، ستساهم ، و لا شك ، إن أحسنا استثمارها عقلانيا، في تفكيك ما قد تم تركيبه ، سلبا ، مع بداية الألفية الثالثة إلى الآن ، من معضلات جديدة ، كما ستساعدنا أيضا على التحرر من تبعاتها نهائيا .
      معضلات شكلت إطارا  واسعا باديا للعيان ، ارتسم داخله وضع عربي مأزوم ،  وعكس ، بشكل تعسفي ، لأنظار العالم ، صورة قاتمة و مشوهة لأنسنتنا العربية الأصيلة .
       فالمعركة الحقيقية التي تنتظرنا أن نخوضها جميعا ، كعرب هي معركة التحرر الاقتصادي و السياسي و الفكري ، معركة بناء الذات وفق رؤية  لا تتصالح مع الماضي إلا عند اعتماده كقاعدة ثقافية مركبة تدخل في تكوينها ثقافة الذات و ثقافة الآخر ، و لا تنظر إلى الحاضر كمجرد محطة عبور عابرة .
       فهذا الطابع الجديد الذي يسم نظرتنا للماضي و للحاضر هو طابع كيفي سيساعدنا على رسم الخطوط العريضة للمستقبل الواعد. فقد نفشل أثناء خوضنا لمعاركنا الحضارية ، و قد نتعثر بسبب طبيعة المسالك الوعرة التي تطأها أقدامنا ، لكن الإصرار على مواصلة المسير هو وحده الكافي لإقناع أنفسنا أن نقطة الوصول إلى المبتغى ، مهما بعدت ، لن تكون  ، هذه المرة ، سرابا ، بل واقعة حقيقية .
      و في الأخير يمكن القول بأن لا سبيل إلى ربح رهان هذه المعركة إلا بالتثقيف و نشر الوعي في صفوف الشباب  و إصلاح المنظومة التربوية . فمسيرة بناء الذات و الكيان الجماعي تتطلب أن نفحص ، بكل جدية و بكل عقلانية ، أعطابنا المركزية و ذلك بمحو تلك الصورة التي كوناها عن أنفسنا ، و تكرست في أذهان الغرب كصورة نمطية للإنسان العربي .
      نحن نعيش الآن في مفترق الطرق ، و العالم من حولنا يتغير بسرعة  . و هذا يتطلب ضرورة التصرف على وجه عقلاني أكمل للتكيف الإيجابي معه . فلا محيد لنا، إذن ، عن تحمل مسؤولياتنا التاريخية الكبرى التي تنعكس ، سلبا أو إيجابا ،على أبنائنا و أجيالنا اللاحقة .. فلا منأى لأحد منا عن هذا التغير. فهدر الفرص في التنمية و تحديث البنيات السياسية و الاقتصادية و الفكرية معناه إنتاج مزيد من المآزق و المثبطات.
نشر بمجلة الهوية الكويتية بتاريخ 2 أغسطس - غشت  2015  تحت عدد 82 . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق