الخميس، 6 نوفمبر 2014

إيبولا و داعش .. أية علاقة ؟





عبد الجبار الغراز
       يظهر ، الآن ، على إيقاع  الأزمات الاقتصادية المتكررة  التي يعيشها ، عالمنا المعاصر ،  خطر يتهدده :  اسمه فيروس " إيبولا " .
       و يقفز على مسرح الأحداث السياسية التي عاشها العالم  العربي ، و التي على أثرها عاشت  بعض دوله ربيعا ديموقراطيا ، سرعان ما عرف انحسارا و تراجعا في مده الثوري ، شبح اسمه  " تنظيم داعش "
     كلاهما (  إيبولا" و" داعش" ) قد ظهر  بشكل متزامن مع ظهور الآخر ، و بشكل مفاجئ أيضا. و هذا الأمر ،  هو ما دفعنا إلى افتراض أن هناك علاقة ترابطية تجمعهما ، تستلزم  تسليط الضوء عليها لاستجلاء ما غمض من جوانبها المظلمة .
       و للبحث في هذه العلاقة  المفترضة ، يمكن الانطلاق من طرح  تساؤلات  حول الظرفية الدقيقة التي ساعدت على ظهورهما ، و كذا حول طريقة توظيفهما و استعمالهما من طرف  القوى العظمى حماية لمصالحها .
          تساؤلات لا تشكك في مصداقية  ما يروج في وسائل الإعلام من أخبار تصور " إيبولا " كفيروس خطير و معدي و سريع الانتشار،   يستلزم من الناس  اتخاذ الاحتياطات منه و التدابير اللازمة للحد من خطورته المتفاقمة .. كما أنها  لا تشكك في مصداقية ما جاء ، مؤخرا ، على لسان الرئيس الأمريكي باراك أوباما  من تصريحات اعتبرت الدولة الإسلامية " داعش "  "سرطانا خبيثا " يهدد بلده أمريكا و حلفائها .. و لكنها تساؤلات تريد أن تصل إلى حقيقة الأشياء ، انطلاقا من التحقق من مدى صدقية ما يبث ،  في وسائل الإعلام بمختلف أنواعها و مشاربها ، و ما ينشر ، عبر الشبكة العنكبوتية الإنترنيت و مختلف  مواقع الاتصال الاجتماعية المرتبطة بها ، حول " إيبولا " و " داعش " . 
           و الأسئلة التي نود طرحها هي كالتالي: هل " إيبولا " ، بالفعل ، فيروس عابر للقارات و لا دواء ناجع له ؟  و هل الدولة الإسلامية " داعش " " إرهاب " لا حدود جغرافية له ؟ و بأي معنى يمكن فهم  أن " إيبولا " و  " داعش " هما  عنصران يشكلان خطورة حقيقية تهدد الأمن العالمي ؟  و إلى أي حد يمكن الذهاب بالفكرة التي  تعتبرهما مجرد  صنيعتين لغرب رأسمالي  فاحش ، لا هم له سوى البحث عن حيل جديدة يضمن بها  استمراريته في الاستحواذ و السيطرة على مقدرات الأمم و الشعوب المستضعفة ، و ذريعتين الغرض منهما تخويف العالم للمزيد من تسويق الأدوية و الأسلحة لإنعاش اقتصاد يتداعى للسقوط ؟
            كإجابة عن هذه التساؤلات ، يقتضي منا الأمر تحليل هذه العلاقة الترابطية المفترضة بين  " إيبولا "  و " داعش " تحليلا سيسعفنا في فهم مختلف السياقات التي تبلورا  معا فيها ، و تداعيات ذلك ، على المستويين الاقتصادي و السياسي العالمين .. و بهذا المعنى ستكشف لنا تلك العلاقة  أن  لهذين العنصرين الخصائص و المتلازمات المشتركة التالية :
-      القتل و الفتك بالناس .
-      الانتشار السريع  .
-      إثارة الهلع و نشر الذعر بين الناس .
          هذه الخصائص تجعلنا نقول ، بعد هذا كله ،  أن " إيبولا "  كغيره من أجيال الفيروسات الأخرى السابقة ( سارس ، الجمرة الخبيثة ، أنفلوانزا الطيور ، انفلوانزا الخنازير ) هو فيروس أصبح الآن يستهدف حياة الإنسان بعد أن  كان يستهدف في الأصل فصائل حيوانية ( قردة مثلا ،  خفافيش ... )  و السبب في ذلك هو أنه فيروس " مفبرك " .. صنع من طرف شركات طبية و صيدلية عالمية استلهمت هذا" الاختراع"  من أحدث مبتكرات الهندسة الوراثية لصناعة الفيروسات ، استجابة لطلب دوائر رأسمالية عليا متحكمة في دواليب الاقتصاد العالمي .. فيروس معدل جينيا ليتوافق و العناصر الوراثية لدى الإنسان حتى يسهل عليه اختراق البنية الوراثية الإنسانية ..
           لكن أي إنسان أريد له أن يكون المستهدف من طرف هذا الوباء الخطير ، حتى يكون  ذريعة للتخويف و نشر الذعر بين الناس ؟  إنه إنسان الدرجة الرابعة  ..  الخامسة  .. الألف .. لا أدري ..
            ليكن ، إذن ، إنسان أفريقيا الغربية  .. إنسان ليبيريا و سيراليون و غينيا و نيجيريا  المرشح الأوفر فقرا و جهلا و أمية ..  و بعض من إنسان الغرب  ( سياح ، دبلوماسيون ، أطباء  و ممرضون معالجون ... ) الأوفر دراية أو إنسانية .. و إنسان بقية العالم الأوفر سذاجة و تصديقا لكل ما يروج ، القادر على تصدير هذا الذعر و هذا  الهلع إلى كل أرجاء  العالم ، لتسهيل ترويج الأدوية القاضية على هذا الوباء الخطير و ضمان حسن تسويقها .
            إن المشاهد الدراماتيكية ، التي يصورها الإعلام المتواطئ مع هذا الاقتصاد المعولم لضحايا  "إيبولا " ، تسجل بالواضح ، اشتراك الماركوتينغ و علم الوراثة في ارتكاب هذه الجرائم في حق أناس أبرياء يدفعون ، من حيث لا يدرون ، حياتهم ثمنا من أجل إنجاح إخراج  مسرحية سخيفة اسمها فيروس " إيبولا "    
           و هذه الخصائص ، أيضا ، تجعلنا نقول ، كما قلنا عن" إيبولا"  أن  " داعش "  هو  أيضا فيروس  قد تمت فبركته في دهاليز استخباراتية .. وإنه ، بناء على ذلك ، اعتبر ذريعة غربية لاستهداف شرق أوسط  ممانع يرفض الانصياع ، و يأبىأن  يتكيف فورا مع متغيرات محيط معولم بقيادة أمريكية إسرائيلية .
            إنه ، بحسب أمريكا و من يدور في فلكها من إعلام غربي ، فيروس خطير من نوع آخر .. و خطورته تكمن في كونه يقوم بتكفير كل مخالف لتوجهاته الإيديولوجية ، و  جعل هذا التكفير مقدمة للذبح أو الصلب أو الرجم و سبي النساء ، و خاتمة لترويع و تخويف العالم ، و الحكم  ، بالتالي ، على " الإسلام السياسي " بأنه " إرهابي "
             و الإرهاب كما تفهمه أمريكا و من يدور في فلكها ، قد تحول شكله و لم يتغير جوهره : فقد كان يعني المنظومة الشرقية التي كان يقودها الشيطان الأحمر " الاتحاد السوفياتي " ، أصبح يعني بعد اندحارها أوائل تسعينيات القرن العشرين المنظومة الإسلامية الشيعية التي تقودها إيران كما أصبح يعني تنظيم القاعدة و ها هو الآن يعني ، بعد تصفية بن لادن ،  تنظيم داعش .        
               " داعش " ، بهذا المعنى الأمريكي ، هو " إرهاب" ،  تحاول أمريكا أن تقنع العىلم بأنه  يشكل  تهديدا حقيقيا للكيان العربي الإسلامي في وجوده ..  و ينبئ بأن الوضع  في المنطقة العربية كارثي و المستقبل ا غامض، و بأن الثوابت التي تأسست ، منذ عهد خلت ، الدول الوطنية في هذه البلدان بعد الاستقلال ، قد أصبحت قد نسفت من أساسها .
                  لقد خسرت أمريكا  الكثير من العتاد و من عناصر جيشها  في حربها على العراق ، على الرغم من تحقيقفها الانتصار على صدام حسين و إزالة نظامه . و حتى لا يتكرر سيناريو العراق في الحرب على سوريا و غيرها من الدول العربية ، حاولت أمريكا أن تجعل من أبناء العرب و المسلمين الغاضبين و الناقمين على دولهم  أداة لقتل بعضهم البعض ، و وسيلة لفرض سياسة الأمر الواقع على الدول العربية و شعوبها لتغيير أوضاعها ضدا عن إرادتها . فالأمر يقتضي أن يتنازع الأطراف لاختلاف المذاهب ، و يقتل بعضهم البعض، و تتدخل أمريكا  ، بالقوة  لفض النزاع ، بعد أن  يستنفذ الكل طاقته و يصبح جاهزا لأن يسيطر عليه.   
          هؤلاء الغاضبون و الناقمون ليسوا سوى  شباب هذه المنطقة العربية ، قد  عاش و لا يزال ، فراغا كبيرا في حياته ، و خواء معرفيا و عقائديا في كيانه العقلي و الروحي . فانضمامه لما بات يعرف الآن بالدولة الإسلامية ( داعش )  هو ، في حد ذاته ، بحث عن  معنى جديد  لحياته .ينسيه حياة الذل و القهر التي يعيشها في بلده الأصلي ..
             ف" داعش "  بالنسبة إليه ، هي تحقيق ل" دولة الخلافة" التي ستسترد له حقوقه المهضومة.  ففشل الخيارات المتعاقبة تاريخيا لأنظمة الحكم الاستبدادية في تحديث المجتمعات العربية  ، قد دفعته إلى تبني أطروحات رادكالية تجمع ما بين التصور الغامض للأفكار المتطرفة و النزوع إلى تطبيقها حرفيا ، و بشكل دموي .   
              نحن الآن ، أمام صناعة و فبركة جديدة ، لا تقل دناءة عن صناعة فيروس " إيبولا " التي تحدثنا عنها سابقا .. إنها  صناعة الفوضى التي بدأت تعم المنطقة العربية  و تجعل أهلها يغرقون  في ظلماتها حتى النخاع .. إنها  صناعة الاضطراب و التطرف و الغلو في التدين .. صناعة جعلت الشرق الأوسط ،  في مهب الريح ..  و تركته ملكا مشاعا لكل من هب و دب من الغاضبين و الناقمين على أنطمة الحكم الاستبدادية التي أفرزتها الحرب الباردة .
             قبل الختام ، نحب أن نطرح السؤال التالي: هل هناك مجال هنا لصناعة و إبداع كيانات سياسية مستقلة و حرة ، تكون بديلا حقيقيا لأنظمة  الحكم العربية الفاسدة ،  تنشد الحرية و تحافظ على كرامة الإنسان في هذه البلدان . و جوابنا لمن أراد معرفته هو قولنا الآتي:  قبل أن يولد من رحم هذه الفوضى شرق أوسط جديد ، ليس كما أرادته أمريكا و إسرائيل ، و لكن كما أراد ذلك أبناؤه الأحرار ، ستولد ألف كذبة و كذبة و يعم الخراب و الدمار .. لكن ستنبعث من رماد السنين إرادة شرق أوسطية جديدة توحد القوى المتعددة و تحدد معالم جديدة تقود إلى الحرية و الانعتاق من ربقة الاستعمار الجديد بعد الامساك ببوصلة السلم و الأمان لتحديد الاتجاهات الأصلح .

      
.  




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق