عبد الجبار الغراز
يظهر ، الآن ، على إيقاع الأزمات الاقتصادية المتكررة التي يعيشها ، عالمنا المعاصر ، خطر يتهدده :
اسمه فيروس " إيبولا " .
و يقفز على مسرح الأحداث السياسية التي
عاشها العالم العربي ، و التي على أثرها
عاشت بعض دوله ربيعا ديموقراطيا ، سرعان
ما عرف انحسارا و تراجعا في مده الثوري ، شبح اسمه " تنظيم داعش "
كلاهما (
إيبولا" و" داعش" ) قد ظهر
بشكل متزامن مع ظهور الآخر ، و بشكل مفاجئ أيضا. و هذا الأمر ، هو ما دفعنا إلى افتراض أن هناك علاقة ترابطية
تجمعهما ، تستلزم تسليط الضوء عليها
لاستجلاء ما غمض من جوانبها المظلمة .
و للبحث في هذه العلاقة المفترضة ، يمكن الانطلاق من طرح تساؤلات
حول الظرفية الدقيقة التي ساعدت على ظهورهما ، و كذا حول طريقة توظيفهما و
استعمالهما من طرف القوى العظمى حماية
لمصالحها .
تساؤلات لا تشكك في
مصداقية ما يروج في وسائل الإعلام من
أخبار تصور " إيبولا " كفيروس خطير و معدي و سريع
الانتشار، يستلزم من الناس اتخاذ الاحتياطات منه و التدابير اللازمة للحد
من خطورته المتفاقمة .. كما أنها
لا تشكك في مصداقية ما جاء ، مؤخرا ، على لسان الرئيس الأمريكي باراك
أوباما من تصريحات اعتبرت الدولة
الإسلامية " داعش "
"سرطانا خبيثا " يهدد بلده أمريكا و حلفائها .. و لكنها تساؤلات
تريد أن تصل إلى حقيقة الأشياء ، انطلاقا من التحقق من مدى صدقية ما يبث ، في وسائل الإعلام بمختلف أنواعها و مشاربها ، و
ما ينشر ، عبر الشبكة العنكبوتية الإنترنيت و مختلف مواقع الاتصال الاجتماعية المرتبطة بها ، حول
" إيبولا " و " داعش " .
و الأسئلة التي نود طرحها هي كالتالي:
هل " إيبولا " ، بالفعل ، فيروس عابر للقارات و لا دواء ناجع له ؟ و هل الدولة الإسلامية " داعش " " إرهاب
" لا حدود جغرافية له ؟ و بأي معنى يمكن فهم أن " إيبولا " و " داعش " هما عنصران يشكلان خطورة حقيقية تهدد الأمن العالمي
؟ و إلى أي حد يمكن الذهاب بالفكرة
التي تعتبرهما مجرد صنيعتين لغرب رأسمالي فاحش ، لا هم له سوى البحث عن حيل جديدة يضمن
بها استمراريته في الاستحواذ و السيطرة
على مقدرات الأمم و الشعوب المستضعفة ، و ذريعتين الغرض منهما تخويف العالم للمزيد
من تسويق الأدوية و الأسلحة لإنعاش اقتصاد يتداعى للسقوط ؟
كإجابة عن هذه التساؤلات ، يقتضي منا
الأمر تحليل هذه العلاقة الترابطية المفترضة بين
" إيبولا " و "
داعش " تحليلا سيسعفنا في فهم مختلف السياقات التي تبلورا معا فيها ، و تداعيات ذلك ، على المستويين
الاقتصادي و السياسي العالمين .. و بهذا المعنى ستكشف لنا تلك العلاقة أن
لهذين العنصرين الخصائص و المتلازمات المشتركة التالية :
-
القتل و الفتك بالناس .
-
الانتشار السريع .
- إثارة
الهلع و نشر الذعر بين الناس .
هذه الخصائص تجعلنا نقول ، بعد هذا كله
، أن " إيبولا " كغيره من أجيال الفيروسات الأخرى السابقة (
سارس ، الجمرة الخبيثة ، أنفلوانزا الطيور ، انفلوانزا الخنازير ) هو فيروس أصبح
الآن يستهدف حياة الإنسان بعد أن كان
يستهدف في الأصل فصائل حيوانية ( قردة مثلا ،
خفافيش ... ) و السبب في ذلك هو
أنه فيروس " مفبرك " .. صنع من طرف شركات طبية و صيدلية عالمية استلهمت
هذا" الاختراع" من أحدث مبتكرات
الهندسة الوراثية لصناعة الفيروسات ، استجابة لطلب دوائر رأسمالية عليا متحكمة في
دواليب الاقتصاد العالمي .. فيروس معدل جينيا ليتوافق و العناصر الوراثية لدى
الإنسان حتى يسهل عليه اختراق البنية الوراثية الإنسانية ..
لكن
أي إنسان أريد له أن يكون المستهدف من طرف هذا الوباء الخطير ، حتى يكون ذريعة للتخويف و نشر الذعر بين الناس ؟ إنه إنسان الدرجة الرابعة ..
الخامسة .. الألف .. لا أدري ..
ليكن ، إذن ، إنسان أفريقيا الغربية .. إنسان
ليبيريا و سيراليون و غينيا و نيجيريا
المرشح الأوفر فقرا و جهلا و أمية ..
و بعض من إنسان الغرب ( سياح ،
دبلوماسيون ، أطباء و ممرضون معالجون ...
) الأوفر دراية أو إنسانية .. و إنسان بقية العالم الأوفر سذاجة و تصديقا لكل ما
يروج ، القادر على تصدير هذا الذعر و هذا
الهلع إلى كل أرجاء العالم ،
لتسهيل ترويج الأدوية القاضية على هذا الوباء الخطير و ضمان حسن تسويقها .
إن
المشاهد الدراماتيكية ، التي يصورها الإعلام المتواطئ مع هذا الاقتصاد المعولم
لضحايا "إيبولا " ، تسجل بالواضح
، اشتراك الماركوتينغ و علم الوراثة في ارتكاب هذه الجرائم في حق أناس أبرياء
يدفعون ، من حيث لا يدرون ، حياتهم ثمنا من أجل إنجاح إخراج مسرحية سخيفة اسمها فيروس " إيبولا "
و
هذه الخصائص ، أيضا ، تجعلنا نقول ، كما قلنا عن" إيبولا" أن
" داعش " هو أيضا فيروس
قد تمت فبركته في دهاليز استخباراتية .. وإنه ، بناء على ذلك ، اعتبر ذريعة
غربية لاستهداف شرق أوسط ممانع يرفض
الانصياع ، و يأبىأن يتكيف فورا مع
متغيرات محيط معولم بقيادة أمريكية إسرائيلية .
إنه ، بحسب أمريكا و من يدور في فلكها من إعلام غربي ، فيروس خطير من نوع
آخر .. و خطورته تكمن في كونه يقوم بتكفير كل مخالف لتوجهاته الإيديولوجية ،
و جعل هذا التكفير مقدمة للذبح أو الصلب
أو الرجم و سبي النساء ، و خاتمة لترويع و تخويف العالم ، و الحكم ، بالتالي ، على " الإسلام السياسي "
بأنه " إرهابي "
و
الإرهاب كما تفهمه أمريكا و من يدور في فلكها ، قد تحول شكله و لم يتغير جوهره :
فقد كان يعني المنظومة الشرقية التي كان يقودها الشيطان الأحمر " الاتحاد
السوفياتي " ، أصبح يعني بعد اندحارها أوائل تسعينيات القرن العشرين المنظومة
الإسلامية الشيعية التي تقودها إيران كما أصبح يعني تنظيم القاعدة و ها هو الآن
يعني ، بعد تصفية بن لادن ، تنظيم داعش .
" داعش " ، بهذا المعنى الأمريكي ، هو " إرهاب" ، تحاول أمريكا أن تقنع العىلم بأنه يشكل
تهديدا حقيقيا للكيان العربي الإسلامي في وجوده .. و ينبئ بأن الوضع في المنطقة العربية كارثي و المستقبل ا غامض، و
بأن الثوابت التي تأسست ، منذ عهد خلت ، الدول الوطنية في هذه البلدان بعد
الاستقلال ، قد أصبحت قد نسفت من أساسها .
لقد خسرت أمريكا الكثير من العتاد و من عناصر جيشها في حربها على العراق ، على الرغم من تحقيقفها
الانتصار على صدام حسين و إزالة نظامه . و حتى لا يتكرر سيناريو العراق في الحرب
على سوريا و غيرها من الدول العربية ، حاولت أمريكا أن تجعل من أبناء العرب و
المسلمين الغاضبين و الناقمين على دولهم
أداة لقتل بعضهم البعض ، و وسيلة لفرض سياسة الأمر الواقع على الدول
العربية و شعوبها لتغيير أوضاعها ضدا عن إرادتها . فالأمر يقتضي أن يتنازع الأطراف
لاختلاف المذاهب ، و يقتل بعضهم البعض، و تتدخل أمريكا ، بالقوة
لفض النزاع ، بعد أن يستنفذ الكل
طاقته و يصبح جاهزا لأن يسيطر عليه.
هؤلاء الغاضبون و الناقمون ليسوا سوى
شباب هذه المنطقة العربية ، قد عاش
و لا يزال ، فراغا كبيرا في حياته ، و خواء معرفيا و عقائديا في كيانه العقلي و
الروحي . فانضمامه لما بات يعرف الآن بالدولة الإسلامية ( داعش ) هو ، في حد ذاته ، بحث عن معنى جديد
لحياته .ينسيه حياة الذل و القهر التي يعيشها في بلده الأصلي ..
ف" داعش " بالنسبة إليه
، هي تحقيق ل" دولة الخلافة" التي ستسترد له حقوقه المهضومة. ففشل الخيارات المتعاقبة تاريخيا لأنظمة الحكم
الاستبدادية في تحديث المجتمعات العربية ،
قد دفعته إلى تبني أطروحات رادكالية تجمع ما بين التصور الغامض للأفكار المتطرفة و
النزوع إلى تطبيقها حرفيا ، و بشكل دموي .
نحن الآن ، أمام صناعة و فبركة جديدة ، لا تقل دناءة عن صناعة فيروس "
إيبولا " التي تحدثنا عنها سابقا .. إنها
صناعة الفوضى التي بدأت تعم المنطقة العربية و تجعل أهلها يغرقون في ظلماتها حتى النخاع .. إنها صناعة الاضطراب و التطرف و الغلو في التدين ..
صناعة جعلت الشرق الأوسط ، في مهب الريح
.. و تركته ملكا مشاعا لكل من هب و دب من
الغاضبين و الناقمين على أنطمة الحكم الاستبدادية التي أفرزتها الحرب الباردة .
قبل الختام ، نحب أن نطرح السؤال التالي: هل هناك مجال هنا لصناعة و إبداع
كيانات سياسية مستقلة و حرة ، تكون بديلا حقيقيا لأنظمة الحكم العربية الفاسدة ، تنشد الحرية و تحافظ على كرامة الإنسان في هذه
البلدان . و جوابنا لمن أراد معرفته هو قولنا الآتي: قبل أن يولد من رحم هذه الفوضى شرق أوسط جديد ،
ليس كما أرادته أمريكا و إسرائيل ، و لكن كما أراد ذلك أبناؤه الأحرار ، ستولد ألف
كذبة و كذبة و يعم الخراب و الدمار .. لكن ستنبعث من رماد السنين إرادة شرق أوسطية
جديدة توحد القوى المتعددة و تحدد معالم جديدة تقود إلى الحرية و الانعتاق من ربقة
الاستعمار الجديد بعد الامساك ببوصلة السلم و الأمان لتحديد الاتجاهات الأصلح .
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق