الأحد، 20 أكتوبر 2013

الشخص بوصفه قيمة


 

ا                                                                لشخص بوصفه قيمة

تأطير إشكالي

   القيمة هي خاصية تقديرية ذات أساس معياري أخلاقي و ذاتي ، يفترض إن وجدت في الشيء جعلته إما مرغوبا فيه أو غير مرغوب فيه . و هي بهذا المعنى تتجسد في الأحكام التقديرية الذاتية المتضمنة لمعاني الاستحسان أو لمعاني الاستهجان . كما أنها تعني كل ما يمكن أن نضفيه على الأشياء أو الأشخاص من أحكام تحدد مكانتها بالنسبة لنا ، انطلاقا من مقارنتها بنموذج أسمى .

   فبناء على هذا المعنى للقيمة ، يمكن أن نؤطر هذا المحور من موضوع الشخص ، انطلاقا من اعتبار هذا الأخير يتأرجح وجوده القيمي بين كونه ، من جهة أولى ، يشكل واقعة مادية  نابعة من تصور أداتي يعتمد قيمة الشخص من حيث كونه وسيلة لتكوين معرفة موضوعية عنه ، و من جهة ثانية يشكل كينونة نفسية متميزة نابعة من تصور تأويلي تفهمي ، يعتمد تلك القيمة من حيث اعتبار الشخص غاية في حد ذاته .

   فهذا التصور الأخير يجعل من الشخص ذاتا حقوقية لديها ما يكفي من التبصر الأخلاقي و المسؤولية عن كل ما يصدر عنها من أقوال و أفعال . لأن أساس الوحدة الكلية للشخص هو ذلك البناء الإرادي الذي يكون مؤطرا بقيم المجتمع و نظمه المعيارية التي يرتكز عليها. هذا الإقرار، حتى و إن كان ينفي كل قيمة مطلقة محسوبة على الشخص تريد أن تتجاوز حقوق الغير، فإنه لا يستبعد استقلالية الشخص عن الآخرين ، تلك الاستقلالية التي تكون مستمدة منهم، انطلاقا من مشاركة الشخص معهم .   

    فبين هذين التصورين تكمن إشكالية الشخص بوصفه قيمة . فهل تكمن قيمة الشخص في كونه غاية أو في كونه وسيلة ؟

يجيبنا عن هذه الإشكالية الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط ( 1724 – 1804 ) خاصة في كتابه " أسس ميتافيزيقا الأخلاق " حيث يقدم لنا نظرة فلسفية طموحة حول قيمة الشخص يتجاوز من خلالها أطروحة ديكارت . فقيمة الشخص ، بحسبه ، لا تتحدد في فعل التفكير و الوعي بالذات ، ذلك الفعل الذي حاول ديكارت أن يجعل الإنسان به كائنا ساميا فوق جميع الكائنات . فما يجعل الشخص ساميا ، حسب كانط ، هو ما يتمتع به من كرامة و حرية ، حيث لا يعتبر الوعي الفكري سوى مدخل لهما . فاعتبار الشخص كذات لعقل أخلاقي عملي سوف لن يجعل منه وسيلة لتحقيق غايات الآخرين أو غاياته الخاصة ، بل سيجعل منه ذاتا تتجاوز كل سعر ، أي سيجعل منه غاية في حد ذاته .

      فالكرامة ، كقيمة داخلية مطلقة غير مشروطة بضرورات معينة ، تعمل على تحرر الذات من قوانين الطبيعة ، و قد استمدها كانط من محاولته صياغة مبادئ أخلاقية كونية ، التي تضم أوامر قطعية هي ، في الأساس ، أوامر أخلاقية . فالخير بالفعل هو خير بالقصد . و الشخص ، بناء على هذا التصور الكانطي ، هو غاية في ذاته و ليس وسيلة .

     أما الفيلسوف الألماني هيجل ( 1770 – 1830 )  فإنه يعتبر في كتابه " العقل في التاريخ " أن الشخص يستمد قيمته من خلال الامتثال لشعبه ، عبر تمثيله له ، باحتلال مراتب معينة . هذه الأخيرة تكون نتيجة الاختيارات الحرة للشخص .

      فالشخص ، من خلال هذا المعنى ، يشكل عقلا مجردا متميزا عن طبيعته المادية ، إنه وجود غير مباشر ، وعي و حرية و انفتاح على الواقع و على الآخرين ، و ذلك من خلال الدخول في علاقة جدلية أساسها تبادل التأثير و التأثر .   

      بينما يرى الفيلسوف الفرنسي جورج غوسدورف ( 1912 – 2000 ) في كتابه " مقالة في الوجود الأخلاقي " أن قيمة الشخص تكمن في استقلاليته التي يعتبرها تشكل نقطة وصول في مسار طويل في التعلم الذي يخضع له الشخص . هذه الاستقلالية لا يمكن أن تتحقق إلا بواسطة تجليها في أخلاق ملموسة تحدد الجهد المبذول لأجل الوصول إلى الكمال الشخصي . فالشخص الأخلاقي لا يدرك إلا بالمشاركة القابلة لكل وجود نسبي و المتخلية عن كل استكفاء وهمي يدعي القدرة على العيش ماديا و معنويا في معزل عن الآخرين. فهذا هو السبيل الوحيد ، في نظر جورج غوسدورف، الذي يضمن للشخص الانفتاح بذاته عن الكون و استقبال الغير .

      و من زاوية تركيبية لحقول دلالية متعددة فلسفية و اجتماعية و قانونية و سياسية، لصياغة تصور تركيبي موحد حول قيمة الشخص ، يرى الفيلسوف الأمريكي جون راولز ( 1921 – 2002 ) في كتابه الهام " نظرية العدالة " ضرورة انفتاح الشخص على الآخرين و الالتزام بمبادئ الأخلاق و الإيمان بالتعاون و حب الخير و العدالة الاجتماعية .  

      أما قيمة الشخص ، حسب الفيلسوف الفرنسي الشخصاني أمانويل مونيي ( 1905 – 1950 ) فإنها تتحدد باعتباره كائنا مريدا و واعيا يتجاوز بإرادته و وعيه شروط وجوده ، و ليس باعتباره موضوعا خارجيا أو كائنا متطابقا مع ذاته . فالشخص ،عبر آلية التشخصن ، يكتسب سمات شخصيته بحيث يغنيها بتجربته في الوجود ، لأنه ليس معطى جاهزا بل هو عملية اكتساب و مراكمة مستمرة لسماته الخاصة .
      نفس السياق الذي إليه غيمانويل مونييه ، يذهب إليه الفيلسوف المغربي محمد عزيز لحبابي (   ) في كتابه " من الكائن إلى الشخص " . فالشخص هو ذلك الكائن المتميز المعروف بهدفيته ، و المتميز بخصوصيته الفردية و سماته العقلية و الوجدانية و الجسمية الخاصة به وحده ، بحيث لا نستطيع أن نحدده موضوعيا إلى ما يماثله أو يشبهه لأنه شخص متجدد يحيا في المستقبل يشعر دائما بتوتر داخلي و بقوة تدفعه إلى إبداع الشخصية التي يرمي لأن يصبحها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق